ساعةٌ ليست كأي ساعة، تدلّت طوبى فرحةً تحملُ بيديها قِماطاً من أستارِ الجنة، لتلفَّ بها المولودَ الطاهر، ذاكَ الذي اعتلَت وجههُ ابتسامةُ نورٍ، وكأنّ الملائكةَ سَعَت لتطوفَ حولهُ مُلبيّةً: ألقِ على قلبي شيئاً من قميصِ ألطافِكِ سيّدتي، ليرتدَّ طَرْفهُ ليُبصِرَ الحياةِ، بكِ.

عَنْ مَولَانَا الْإِمَام السَّجاد صَلوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه: جَالِسُوا أهلَ الدِّينِ وَ المَعرِفَةِ، فإن لَم تَقدِرُوا عَلَيهِم فالوَحدَةُ آنَسُ وَ أَسلَمُ.

المعرفة ليست في كميتها، بل في نوعيتها وكيفية استخدامها، عندما يغذي الإنسان عقله بأفكار سطحية أو مغلوطة، فإنه لا يصبح فقط أسيرًا للجهل، بل قد يتحول إلى مصدر خطر لأنه يكتسب ثقة مبنية على أساس هش.

‏الغبي الواثق من نفسه يشبه السلاح بيد طفل، يفتقر إلى الحكمة والتمييز لكنه يتصرف كأنه يملك الحقيقة. هذا النوع من الثقة الزائفة يجعل النقاش معه عقيمًا، لأنه لا يسعى للفهم أو التعلم، بل لفرض رؤيته الخاطئة.

‏الكارثة الحقيقية ليست في الجهل وحده، بل في الجهل المتزين بثوب المعرفة "الشَّك بَدَايَةُ الْحِكْمَة." لأن من يعرف أنه لا يعرف، يسعى للحقيقة، بينما من يظن أنه يعرف كل شيء يغلق الأبواب أمام التعلم.

‏إذن، الحكمة ليست في مجرد القراءة، بل في الفهم، التفكير، والقدرة على التشكيك بما نقرأ قبل أن نؤمن به.

أنا والجرحُ والكلماتِ ‏في ظلمة اللّيل حيث يخيّم الصمت على الوجود، تنبض الأرض بندبةٍ عميقة، ندبة حملتها القرون والعهود، وكأنها أثر جرحٍ لم يلتئم بعد.

كل شيءٍ حولنا يئن، الأشجار اليابسة، الأنهار الجافة، حتى الرياح التي كانت تهب يوماً بوعود الحياة، باتت تئن حزناً لا تكادُ تحمله.

#ندبة

ولا زالت تحتضنُ آلامنا تلكَ (الفاتحة) التي نُهديها إلى روحِها الطّاهرة.

تُغمِضُ العينَ بهدوءٍ، وقد امتلأَت شوقاً واختناقاً لتُفجّرَ منها عيوناً تُشبعانِ التُرابَ نداوةً بكلّ نبضةِ حافرٍ تدقُّ في الأرض مبتعدةً عن الدّار حيث تركتِ القلبَ معهم يحملونه إلى كربلاء حتّى ذاب غُصنُها من وجْدِ الفِراق. أُمٌّ لم تحملْ به لكنّها تشعرُ حينَ…

الزّواج، هذا الرّابط الذي بسببهِ يستطيعُ الإنسانُ أنْ يُكوّنَ عائلةً مُحبةٍ للعِترةِ الطاهرةِ وتُمهّدُ للظّهور المُقدّس، صارَ مكروهاً من قِبَل الكثيرين، ويُحاوِلونَ تركهُ مع عِظَمِ فضل الزّواج، وهُنا سببٌ مُهمٌّ يستحقُّ التأمّل: ‏لو تمسّكَ المجتمعُ بتوجيهات…

لَنَا مِنَ الشُّهَدَاء مَا نَفخرُ بِهِ إِمَام الأُمَم حَتى نِهايَة الدُّنْيا، لَقَد خطّ لنَا أَهلُ البَيْت (عَلَيْهِم السَّلَام) هَذَا الطَّرِيق وَكَانُوا فِدَاءَ التَّوحِيد وَالعدَالة الإلهية.

#يوم_النصر

زينبٌ، حُروفِ شجنٍ، تجرُّ كُلَ ألم فوق مذبحةِ الواقع، جراحاتُ حياتِها كانت في (الشّام)، وختامُ حياتِها وغُرْبَتِها صارت في (الشّام)، كيفَ للبُكاءِ أنْ ينقطع، سيّدي أيّها الثّائر ذُو الأحزانِ الطّويلة يا صَاحِبُ يَوْمِ الْفَتْحِ وَنَاشِرُ رَايَةِ الْهُدَى، متىٰ الثأرُ.

كسْرٌ ما لهُ جَبْرٌ، قهرٌ ودموعٌ حُمرٌ، وهذا (مهديُّنا) حاسِرَ الرّأسِ خلفَ الجنازةِ، لاطمَاً مُعوِلاً، ومشاهد تلكَ الجَنازة تتراوحُ أمامَ دموعهِ، ببدنٍ مُمزّقٍ من السّوط، مُعذّبٍ، كادت أن تُكملَ التفاصيل، خافت أن تقعَ السّماء من هولِ ماجرى، رِفقاً بقلبِ الثّائر أيّها المِسمْار.

#ندبة

زفراتُ الموتِ تتناثرُ كجماد مُحمىٰ مثبتٍ في وبرِ الحائط: عرفتُ تآمر قريش، وانحراف الطلقاء، وخذلان الأنصار فيما يخص الأحداث بُعيْد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله، ولكن لا نعلم حال بني هاشم لماذا لم يضجوا أكان سكوتهم خيانة؟

وليس في منزل فاطِمَة سوى صبين ينظران عودة جدهما ليس في منزل فاطِمَة سوىٰ بنت صغيرة غارقة بدموعها في حزن سرمدي أين أنت يا جداه؟ أترىٰ ما فعلوهُ بنا أصحابك؟ ليس لدينا سلاح إلا الصبر ،والصبر كالحنظل لايعرفهُ الا المظلومون تزلزلت المدينة على صدى صرخات سيدة القداسة والطهارة إذ نادت:”وا أبتاه، وا محمداه”.

واجتمع الناس حول بيت النبوة ليروا كيف لُطِمت بنت النبي على خدها، وكيف جُلِدت بالسوط على معصمها، وكيف عُصِرت بين حائط وباب دارها ”هنا” انهرت، انكسرت، اضطربت، فأبنت محمد أُنبِتُ في صدرها! دخلَ حُسينٌ وعيناهُ تدوران بانكسارٍ في البيت، أخذَ بيدهِ التي ترتجفُ قطعةً مُمزّقةً داميةً من عباءتها، وجدها مُعلّقة بمسمار الباب، انفجرَ يبكي، وأنا سمعتها أنت، وبكت، وجرت دموعها من شدة الألم.

دعوت يارب إجعلها ثابتة كالجبل، فهيَ مباركة كالنخيل، طاهرة كقطرات الندىٰ، وقف الزمان امامها مذهولًا، غيمةً بيضاء تختزن الوعود، تمنيت لو إني لم أُخلق ولم يضع النجار لي هذا الموقع، أشتد الوجع فيها ولم اسامح نفسي على ما جرىٰ ،ولم يكتفي المشهد بهذا فقط.

بل وُكِزها في بطنها! وأُسقِط جنينها من رحمها!و أُريقت دماؤها وانتُهِكت حرمتها! وفي أثناء تلك المشاهد: صوتُ الأنينِ يحدي بالعين المُحمرّة، عُصِرَتْ، صُفِعَتْ، أُسْقِطَتْ، وحَولها دماء.

”آهٍ بعدها آه” ألم يتبعُ ألم حسرة تشهقها فاطم فاطِمَة تستعد للرحيل وعليٌ: وكُل شيءٍ يتساءل”أهذا علي؟ أيَرْتَجِفُ قالعُ الباب؟” وأسماء تُراقِبُ الفجيعة، أميرُها يُمرّر يديهِ ليُكَفّنَ البدنَ النّحيل.

وفجأةً يتنحّى بعينٍ احمرّت من فرطِ البُكاء، وجدَ ما كانت تُخفيهِ زهرتهُ عنه: صفعةٌ وكسرُ أضلاعٍ، لم يكن في البيت أحد سوىٰ اسماء اسماء تراقب فتاة تشعّ نورًا كلما اشتدت ظلمة الأرض، ذابت شمعة السنين سالت دموعها بصمت، شيئًا فشيئًا كانت تذوي ويخبو نورها، المسمار كان يتألّم من قوّة الدّفعة، وسيبقى يروي حكايته إلى ظهور من ينادي”يالثارات فاطمة”.

‏إذا تنفّستُم الآن، فابْكُوا فاطمة (عليها السّلام)؛ لأنّها بعدَ فاجعةِ البَابِ كُلّما تنفّستْ تألّمت.

#المحسن