#شعري

إني إذا الهمّ أعيتني مذاهبه
قذفتُ نفسي على وثّابةٍ عرِمِ

إذا استحنّ بأعقاب الدجى زجلًا
هفا بجأشٍ كسيل العارض الهزِمِ

ذو صورةٍ تسلب الأبصارَ محكمةٍ
كأنّها كاسرٌ موفٍ على علَمِ

قد طالما لوّحته كلّ هاجرةٍ
تغلي على الهام مثل المرجل الضرِمِ

فشقّها مثل مرّ الريح يوم جرت
تطوي الصحاصح من سهلٍ إلى أكَمِ

وعاذلٍ مدّ حبل النصح لا حسدًا
يلومني، خوفَ بطش الرزءِ والعدَمِ

وما الرزايا ببذل المال تنفقه
إن الرزية أن تُثنى عن الكرَمِ

إني رضيت من الدنيا بباقيةٍ
تضيء ظلمة قبري في دجى الرجَمِ

فلا يردّنْك عن جودٍ محاذرةٌ
فلستَ سابقَ شيءٍ خُطّ بالقلَمِ

خذ ما تلذّ من الأيام مبتدرًا
ما دمت من سخَطِ الرحمن في حرَمِ

فإنما أنت من هامٍ يواثبُها
ضرغامةٌ من سباع الموت ذو قرَمِ

قال الشيخ عبد القاهر:
أما «الكنايةُ»، فإنَّ السببَ في أنْ كانَ للإثباتِ بها مزيةٌ لا تكونُ للتَّصريح، أنَّ كلَّ عاقلٍ يَعْلمُ إذا رجعَ إلى نفسهِ، أَنَّ إثباتَ الصفةِ بإثباتِ دَليلِها، وإِيجابَها بما هُو شاهِدٌ في وجودِها، آكدُ وأبلغُ في الدعوى من أن تجيء إليها فثبتها هكذا ساذَجًا غُفْلًا. وذلك أنَّكَ لا تدَّعي شاهدَ الصفةِ ودليلهَا إلاَّ والأَمرُ ظاهرٌ معروفٌ، وبحيثُ لا يُشَكُّ فيه، ولاَ يُظَنُّ بالمُخْبر التجوُّزُ والغَلَطُ.

قال ابن المقفع: لا تهاوننّ بإرسال الكذبة في الهزل، فإنها تسرع في إبطال الحق.

قال منصور الفقيه يخاطب ابنه:
يا من له من تميمٍ
عمٌّ نبيل وخالُ

إن لم يكن لك تقوى
ولم يكن لك مالُ

فاجلس فأنت ذليلٌ
بحيث تُلقى النعالُ

#شعري

وجنح دجى أحيى القصيدَ نسيمه،
فهيّج أسراب الشجا في الضمائرِ

سللت به عضبًا من الشعر صارمًا
وسلسالَ قولٍ من قريحة شاعرِ

وما النفس إلا غابةٌ ذات غيطلٍ
ثوى الشعر فيها كالليوث الخوادرِ

فأعيتنيَ الأيّام دون احتثاثه
بكرّ خطوبٍ كالقنا المتشاجرِ

فهاهة يومٍ أحنقت كلّ عاقلٍ
وغُمّة ليلٍ ذي صروفٍ هوادرِ

يضيق لهنّ القول حتى كأنني
أبلّ ذرى رضوى بعبّة طائرِ

فلا تلحْني إن أبطأ الشعر إنما
هوى الشعر من أثقاله للكراكرِ

قال الإمام السهيلي:
إذا قلت يومًا سلامٌ عليك
ففيها شفاءٌ وفيها سقامْ

شفاءٌ إذا قلتها مقبلًا
وإن قلتها مدبرًا فالحمامْ

فاعجب لحال اختلافيهما
وهذا سلامٌ وهذا سلامْ

قال محمد أبو موسى:
قال عبد القاهر، وهو يتحدث عن مزايا إن في الأسلوب: «ومنها أنها حين تقع في الجملة قد تغني عن الخبر في بعض الكلام»، ثم ذكر كلام سيبويه [ على قولهم: إن محلا وإن مرتحلا، وإنّ غيرها إبلا وشاءا، ويا ليت أيام الصبا رواجعا، ] ثم قال: "فقد أراك في هذا كله أن الخبر محذوف، وقد نرى حسن الكلام وصحته مع حذفه وترك النطق به، ثم إنك إن عمدت إلى "إنّ" فأسقطتها، وجدت الذي كان حسن من حذف الخبر لا يحسن أو لا يسوغ، فلو قلت: مال وعدد ومرتحل، وغيرها إبلا وشاء لم يكن شيئا»، ثم ذكر سر هذا الحذف مع إن وفساده بدونها بقوله: «وذلك أن "إن" كانت السبب في أن حسن حذف الذي حذف من الخبر، وأنها حاضنته والمترجم عنه، والمتكفل بشأنه»، وافهم منه أن "إن" تفيد في لسان القوم توكيد النسبة، فهي لا تدخل إلا على جملة مكونة من مسند ومسند إليه، فإذا حذف المسند فهي دالة عليه؛ لأنه لا يتصور كلام منها ومن اسم واحد، أي لا يصح قوله: إن إبلا بدون تقدير، وهذا معنى أنها حاضنته ومتكفلة به، فإذا سقطت إن من الكلام وقلنا: إبل أو غنم، احتمل أن يكون مرادنا هو اللفظ المفرد إذ ليس هناك ما يوجب التقدير، وتأمل كلمة حاضنته، وإنها من الكلام الذي تجد فيه لألفاظ اللغة حيوات كحيوات البشر.

#شعري

وجيّاشةٍ تهفو على كلّ مسربٍ
كأن بها من جنّ إسراعها خبلا

مداخلة الإدماج طيّعة السرى
تعوج - إذا عاج الطريق بها - رسلا

إذا ما الدجى غشّى القفار بجنحه
جرى نورُها قدّامها يملأ الغفلا

ملابُ التي يشفي الهمومَ ركوبُها
إذا الهمّ أبدى حدّ أنيابه عُصلا

أشُدُّ على مدواسِها شدّ مغضبٍ
كما أغرق الرامي بأفواقه النصلا

فتهدي حنينًا من زفير محرّكٍ
تخال بما يشتدّ يوسعها عذلا

وتمزع في مثنى الطريق كأنها
هوادي حيًا أجرى بوابله السهلا

كأني على صقرٍ علا رأسَ مرقبٍ
له مقلةٌ لم تعرف الكذبَ والجهلا

رأى غفلةً من ثعلبٍ فانهوى له
كأن المنايا قد بعثن به رُسلا

هويًّا ترى منه النسال مطيّرًا
إلى خلفه، حتى تمزّعه قتلا

فهاتي التي أرمي بها كلّ طارقٍ
إذا الهمّ لم يترك لذي لوعةٍ عقلا

ذكر أعرابي رجلا فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لُقَما، وإن فلانًا يحسوها حسوا.

#شعري

فؤاديَ من طول الهيام مفلّلٌ
عليك، وعيني دمعها الدهرَ مُهرَقُ

ولكنني أحمي عن الشعر عبرتي
وإن كان قلبي بالصبابة يخفقُ

إذا همّ قلبي أن يبثّ شكايةً
رددتُ عليه الوجدَ والوجدُ أولقُ

أدافعه عن نار شكوي تجلّدًا
وفي كبِدي منه صدوعٌ تفلّقُ

ولم أخشَ منه زلّةً، أو ملالةً
عليك، ولكنّ المتيّم مشفقُ