تخريج حديث :

من أتى كاهِنًا فصدَّقَه بما يقولُ أو أتى امرأتَه حائضًا أو أتى امرأتَه في دُبرِها فقد برِئَ ممَّا أنزِلَ على محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ

أخرجه أبو داود (3904) واللفظ له ، والترمذي (135) والنسائي في السنن الكبرى (9017)، وابن ماجه (639) وأحمد (10167)ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ (1/122) وابن أبي شيبة (16809) وابن الجارود في المنتقى (107) والخلال في السنة (1251) وذاك الطحاوي في مشكل الآثار (6130) وابن بطة في الإبانة (1014) والبيهقي (14124) ﻭاﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ ﻓﻲ اﻷﻭﺳﻂ: (2/209)

وهذا الحديث منكر الاسناد والمتن.
ضعفه الترمذي والبخاري وابن عدي والعقيلي والبزار وأشار النسائي وابو داود لاضطراب متنه وألفاظه عن أبي هريرة .

قال الترمذي : لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)، فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة.

وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه طريف بن مجالد].

وقال في العلل الكبير : ﺳﺄﻟﺖ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ ﻭﺿﻌﻒ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺟﺪا .

قال ذاك الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم الأثرم: قال البخاري: لم يتابع على حديثه.
قلت نقل كلامه هذا العقيلي في ضعفاءه .

ثم إن المتن ايضا معلول وقع فيه اضطراب وليس هذا المتن هكذا محفوظ .

وقد بين أبو داود الاضطراب بين الرواة في ضبط المتن .
ولهذا قال النسائي في سننه مبوبا بقوله:
( ﺫﻛﺮ اﺧﺘﻼﻑ ﺃﻟﻔﺎﻅ اﻟﻨﺎﻗﻠﻴﻦ ﻟﺨﺒﺮ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ )

3904 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻤﺎﺩ، ﺣ ﻭﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺴﺪﺩ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ، ﻋﻦ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺔ، ﻋﻦ ﺣﻜﻴﻢ اﻷﺛﺮﻡ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺗﻤﻴﻤﺔ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﺃﺗﻰ ﻛﺎﻫﻨﺎ»
ﻗﺎﻝ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ «ﻓﺼﺪﻗﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ»
ﺛﻢ اﺗﻔﻘﺎ «ﺃﻭ ﺃﺗﻰ اﻣﺮﺃﺓ»
ﻗﺎﻝ ﻣﺴﺪﺩ: «اﻣﺮﺃﺗﻪ ﺣﺎﺋﻀﺎ ﺃﻭ ﺃﺗﻰ اﻣﺮﺃﺓ»
ﻗﺎﻝ ﻣﺴﺪﺩ: «اﻣﺮﺃﺗﻪ ﻓﻲ ﺩﺑﺮﻫﺎ ﻓﻘﺪ ﺑﺮﺉ ﻣﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ .

وهذا يبين أن المتن أيضا معلول ولهذا حكم البخاري والبزار على الحديث بالنكارة .
بل حدد البزار أن الحديث بهذا اللفظ منكر

فقال : ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻻ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﺭﻭاﻩ ﺑﻬﺬا #اﻟﻠﻔﻆ ﺇﻻ ﺣﻜﻴﻢ اﻷﺛﺮﻡ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺗﻤﻴﻤﺔ , ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ , ﻭﺣﻜﻴﻢ ﻣﻨﻜﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻻ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻟﻪ ﺇﺫا اﻧﻔﺮﺩ ﺑﻪ ﻭﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﺗﻔﺮﺩ ﺑﻪ.

شبهة

قد يفهم البعض أن ادراج ابن بطة في الإبانة الكبرى لهذا الحديث تحت باب المعاصي الذي لا يراد بها الكفر او الكفر الاصغر فقال :

( ﺑﺎﺏ ﺫﻛﺮ اﻟﺬﻧﻮﺏ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺮ ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﻔﺮ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ اﻟﻤﻠﺔ )

وقبله ابو عبيد في الايمان :
ذكره في ( باب الخروج من الإيمان بالمعاصي )
وقال: وإن الذي عندنا في هذا الباب كله: [ إن المعاصي والذُّنوب لا تُزيل إيمانا، ولا توجب كفرا، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله] .

ففهم بعضهم أنهم حكموا على مسألة تصديق الساحر في كفره وادعاءه الغيب أنها أيضا كفر أصغر أو معصية !!
وبالتالي يرتب على هذا مسألة التحاكم للطاغوت !!

وليس هذا ما اراده ابن بطة ولا القاسم بن سلام من ايراد ذلك الحديث في ذلك الباب ، وإنما قصدوا مسألة مشهورة تكلم فيها السلف في حكمها ووردت فيها أثار كثيرة في الحكم عليها بالكفر ، وهي مسألة هل (اتيان النساء في أدبارهن كفر) ؟

فيذكر اهل الحديث هذه المسألة والآثار التي وردت فيها ثم يبينون ويعلق بعضهم أنها لا تصل لدرجة الكفر الاكبر ، وإنما رويت على التغليظ كما قال الترمذي او على الاستحلال .

ولهذا بمجرد أن اورد ابن بطة الحديث المنكر ذاك اتبعه بهذا الخبر ليبين قصده والشطر المراد منه ، وهو مسألة إتيان النساء في أدبارهن .

قال ابن بطة بسنده 1015 ﻋﻦ اﺑﻦ ﻃﺎﻭﺱ , ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ , ﻗﺎﻝ: ﺳﺌﻞ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻋﻦ اﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ اﻣﺮﺃﺗﻪ ﻓﻲ ﺩﺑﺮﻫﺎ ﻓﻘﺎﻝ: «ﻫﺬا ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻜﻔﺮ .

وبسنده 1016 ﻋﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺪﺭﺩاء ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ اﻟﻜﺎﻓﺮ .

ﻋﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ: ﻣﻦ ﺃﺗﻰ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺃﻋﺠﺎﺯﻫﻦ , ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ .

ﻋﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪ , ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ , ﻗﺎﻝ: «ﺇﺗﻴﺎﻥ ﺃﺩﺑﺎﺭ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻛﻔﺮ»

(قلت) وهذه الآثار معروفة خرجها الكثير وهناك غير هذه التي رواها ابن بطة ، وقد بوبوا لها في مسألة حكم إتيان النساء من الأدبار ، منهم ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن المنذر والدارمي والبيهقي وغيرهم.

فيذكرون هذا الحديث مع بقية الآثار ثم يتكلمون عن الجزء الثاني منه مع بقية الآثار وتأويلها .

فمما قالوه مثلا :

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺣﻤﻞﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺭاﻫﻮﻳﺔ ﺣﺪﻳﺚ " ﻣﻦ ﺃﺗﻰ ﺣﺎﺋﻀﺎ ﺃﻭ اﻣﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺩﺑﺮﻫﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ " ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﺤﻞ ﻟﺬﻟﻚ. ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺣﺮﺏ ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ اﻟﻜﻮﺳﺞ .

ﻭﻧﻘﻞ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺸﺎﻟﻨﺠﻲ ﻋﻦ ﺃﺣﻤﺪ – ﻭﺫﻛﺮ ﻟﻪ ﻗﻮﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ اﻟﻤﺘﻘﺪﻡ ﻭﺳﺄﻟﻪ: ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﻔﺮ؟ - ﻗﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﻫﻮ ﻛﻔﺮ ﻻ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﻤﻠﺔ ﻣﺜﻞ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻌﻀﻪ ﺩﻭﻥ ﺑﻌﺾ، ﻓﻜﺬﻟﻚ اﻟﻜﻔﺮ .ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻲء ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ .

( نقله ابن رجب في شرح البخاري(1/ 139)

وقال الترمذي : وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ .

• الأحد ١٢ جمادى الآخرة ١٤٤٦هـ ?

الحمد لله حق حمده، وصلى الله وسلم على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسان مِن بعده، وبعد:

فإنّا نَدِيْن لله ﷻ بالكِتاب والسُّنَّة على نهج مَن تقدّم مِن أهل الحديث والأثر رضي الله عنهم .

ونتَّخذ الحَبرَ المُفضَّل والإِمامَ المُبجَّل أحمد ابن حنبل -رضي الله عنه- إماماَ لنا؛ نَذهَب إلى ما يعتقد ، ونُبَدِّعُ مَن بَدَّع، ونُكَفِّر مَن كفَّر، ونُنكر على مَن خالفه وشذَّ عن طريقة أهل الحديث رحمهم الله، ومَن خالف أبـا عبد الله ابن حنبل في المعتقد: فقد صَحَّت بدعته .

ولا نقلد ديننا أحدا سوى أصحاب رسول الله ﷺ ومَن تبعهم بإحسان ، ومَن زَعَم أنه لا يرى التقليد لأئمة الهدى مِن أسلافنا الصالحين : فهذا قول فاسق مبتدع، عدو لله، ولرسوله ﷺ، ولدينه، ولكتابه، ولسنة نبيه ﷺ، إنما يريد بذلك إبطال الأثر، وتعطيل العلم، وإطفاء السنة، والتَّفرد بالرأي والكلام والبِدعة والخِلاف، فعلى قائل هذا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين! فهذا مِن أخبث قول المبتدعة، وأقربها إلى الضلالة والردى، بل هو الضلالة! فأي عدو لدين الله أعدى مِمَّن يريد أن يطفئ السنن، ويبطل الآثار والروايات، ويزعم أنه لا يرى التقليد !

.•《ولا ننتسب إلى مُعَاصر ولا نرضى》•.
فشيخنا الأثر، وأصحابنا الكتب، وحبذا السبيل.

فمَن قال عنّا أو تقوَّل علينا أو كَتَب أو خَطّ خلافه عنا فقد كذَب، لا قُبِل منه صرفٌ ولا عدل .

『 الْقَوْلُ العَتِيق 』
@Al8wl_Al3atiq

#يتبع إن شاء الله