1/
ثمة درس عميق من هذه الآية، وهو أن التزامات المؤمن وأعماله تستمر حتى بعد وفاته. فالله يعلم أن النبي الخاتم سيأتي بعد موت هؤلاء النبيين، ولكنه أخذ ميثاقهم للإيمان به واتباعه ونصرته. وبذلك فقد التزموا بمواثيق بعد وفاتهم، فينالون أجرها كاملا. وهذا يعلمنا معنى أن يستثمر الإنسان حياته وما بعد حياته، بل وما قبل حياته. فحين نتخذ مواقف من قصص السابقين؛ فنحن نعلن اتصالنا بهم، وشهادتنا بما فعلوه من خير وشر. وبذلك نتحمل مسؤولية الشهادة، وننال الأجر أو الوزر على أحداث لم نشارك فيها.
2/
واجب الناس ليس مجرد الإيمان بالرسالة، بل نصرتها، وتحمل مسؤولية حماية حملتها؛ حتى يبلغوها إلى الناس. وهذه المسؤولية ليست مقتصرة على أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، بل كانت مسؤولية الأمم السابقة أيضا، ولذلك قال عيسى: (من أنصاري إلى الله)؟ فالذي يريد إيمانا مرفَّها لا نصرة فيه ولا دفاع عنه؛ فعليه مراجعة إيمانه. الإيمان الحقيقي يتطلب تحمل أعباء نصر الحق، والدفاع عنه، والمؤمن يجب أن يدرك ثقل مسؤولياته تجاه دينه وأمته، ولا يستهين بواجباته.

#هداية في قوله تعالى:
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
20 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

1/
أعظم هدف أتى به الرسل هو الربانية، وتعني: تعبيد الناس لربهم، وقطع روابطهم بأي معبودات أخرى. وهذه مهمة أتباع الرسل.
2/
وأي فكرة أو مذاهب أو فلسفات تنازع الله في ألوهيته أو ربوبيته فهي فكرة شيطانية، بغض النظر عن شعبيتها أو عدد دعاتها، أو مبرراتها ومرجعياتها. الدين يهدف إلى إقامة حكم الله وحده في الخلق، ويعطي الناس الحرية في الاجتهاد ضمن إطار هدايته ونوره، دون أن ينازعوه في حقه الخالص بالحكم.
3/
المجتمعات والطوائف التي تبني وجودها على الغلو في الأشخاص هي مجتمعات بعيدة عن الدين الصحيح، مهما ادعت ارتباطها بالله. ولذلك يحرص النبي على تبيين أنه بشر لا يملك من الأمر شيئًا، ولا يعلم الغيب، وليس بإله أو نصف إله. وهذا يرسخ عندنا وجوب محاربة كل بدعة يتسلل منها الشيطان لتقديس الأشخاص؛ حتى يبقى الدين خالصا لله وحده.

#هداية في قوله تعالى:
{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}
19 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

من أخطر أنواع التحريف التي يتعرض لها كتاب الله: تحريف المفاهيم وتحريف الإسقاط.
فتحريف المفهوم أن يقوم المحرف بالتلاعب بالمفهوم الإلهي الوارد في القرآن، ليعيد تأويله وفقًا لرؤيته الشخصية، بحيث يجعل الكتاب الإلهي معبراً عن أهوائه، أو لتبرير معتقدات خاطئة، فيجعل القرآن يتكلم بما يتناسب مع أفكاره أو مصالحه.
أما تحريف الإسقاط فيتمثل في إعادة استخدام الآية القرآنية أو النصوص الدينية ليلائم بها واقعًا معينًا أو فكرًا بعينه، بهدف منح فعل أو نظرية ما صبغة دينية، لتبدو وكأنها مستندة إلى القرآن أو السنة. والغرض من هذا التلاعب هو تحريف الحقائق "لتحسبوه من الكتاب".
اليوم - مع ظهور النظريات والفلسفات والأيديولوجيات الغربية - نجد بعض المحسوبين على العلم يحاولون تغليفها بثوب القرآن الكريم، فيسعون إلى تطويع النصوص لتوافق تلك الأفكار الضالة.
ألا إن ذلك كذب على الله.

#هداية في قوله تعالى:
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
16 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

عهد الله لا يُقدّر بثمن، وحقه الوحيد هو الوفاء به. فأي مقايضة عليه - مهما عظمت أموال الدنيا - تبقى ثمناً قليلاً؛ لذلك فمن اختار الدنيا نصيباً له على حساب عهد الله، فإنه يُعاقَب بحرمانه من كل نصيب في الآخرة. ومن أعظم نصيب المؤمن في الآخرة: تكريم الله له، وكلامه معه، والنظر إليه برحمته، وتطهيره من ذنوبه، ونجاته من العذاب. أما الذين باعوا عهد الله فقد خسروا هذا النصيب كله.
وفي الآية إشارة مهمة إلى وجوب مواجهة العلماء الذين يتاجرون بعهد الله، بتقريعهم على سوء عاقبتهم وتحذيرهم من مغبتها، دون مداهنة أو ممالأة لهم في باطلهم.

#هداية في قوله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) }
15 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

1/
قوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)، يكشف لنا أن أخطر من الظلم تبرير الظلم، وأخطر من العنصرية تبرير العنصرية. فالظلم يفعله الظالم وهو معتقد بخطئه، ولكن حين يكون الظلم مبررا؛ فإنه يتحول في عين فاعله إلى فعل حسن، بل واجب يتقرب به إلى الله.
الدين الحق لا تتجزأ فيه المبادئ، ولا يميز بين الناس بأعراقهم وأصولهم، وأي فكرة تسوغ هذا التمييز فهي انحراف شيطاني، مهما ادعى أصحابها أنهم على الحق.
وهذه المبررات العرقية هي التي تمزق النسيج الاجتماعي داخل المجتمع الواحد، وتحول معتنقيها إلى متوحشين يُسوغون لأنفسهم الظلم واستباحة الآخرين، معتقدين أنهم يفعلون الصواب.

2/
قوله (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ): الكذب على الله يكشف عن مدى الاستهانة بجلاله وعظمته، وهو دليل على الجرأة في التحايل على الدين لتحقيق أهداف دنيوية. فإذا استهان الإنسان بربه فإنه سيتجرأ على الاستهانة بالخلق، وبالروابط الدينية والضوابط الأخلاقية التي تحكم علاقته بالناس؛ فعندئذ تصبح كل المحرمات مباحة في نظره، وكل حقوق الآخرين هينة لا قيمة لها، بل يعتقد أنها جزء من الدين.
كل فئة تمارس العنصرية باسم الدين وتُسوغ الظلم، فهي بالضرورة تكذب على الله؛ لأن الدين الحق بريء من هذه الأفعال.

#هداية في قوله تعالى:
{ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) }
13 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

الإشاعة والكلمة أدوات خطيرة لتفتيت الصف وزعزعة الإيمان، والآيات تُظهر كيف يُستغل الارتداد عن الإسلام لخلق ضجة إعلامية تهدف إلى التشكيك في الدين. اليوم، يُعطى المرتدون منابر إعلامية ودعمًا كبيرًا في سياق حرب استراتيجية ضد الإسلام، ينبغي التصدي لها بكل حزم وقوة. وللتصدي لذلك، ينبغي تعزيز قصص الثبات على الدين ونشر قصص اعتناق الإسلام مع بيان أسبابها؛ فهذه تثبت القلوب وتقوي الإيمان.

ومن استراتيجيات التصدي لخطط الأعداء الفكرية:
1- كشف المؤامرات التي تستهدف العقيدة، وتطوير خطط استراتيجية محكمة لمواجهة هذه المخاطر، وتأهيل قادة في مختلف المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية؛ ليكونوا قادرين على تحليل المؤامرات وكشفها والتوعية بمخاطرها.
2- التحليل النقدي لخطابات الأعداء؛ ذلك أن استخدام الخطاب كوسيلة للمكر يكشف أهمية تأهيل متخصصين لتحليل خطابات الأعداء، وفضح مراميها المضللة المغلفة بشعارات براقة كالحرية والديمقراطية والحقوق.
3- الوحدة الداخلية ضمانة التصدي للمخاطر؛ فالتهديد الأعظم للأمة لا يأتي من الخارج، بل من الانقسامات الداخلية والتفكك. ونجاح المؤامرات الخارجية يتوقف على وجود ثغرات داخلية؛ لذا، فإن تعزيز الوحدة والتماسك بين طوائف الأمة ومكوناتها ضرورة قصوى.

#هداية في قوله تعالى:
{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
11 / جمادى الآخرة / 1446هـ
د/ عبد المجيد الغيلي

الآن بدأ لقاء الفقه وأصوله

الآن بدأ لقاء المسار الفكري العام

التجار يستعدون لرمضان،
والمنتجون يستعدون لرمضان بطريقتهم!!
فهل تستعد أنت لرمضان؟
وهل تستعدين أنت لرمضان؟
كن تاجرا مع الله، واستثمر الموسم.