فهذا الڪِتابُ من أعظم الڪُتب التي صُنِّفَت في بـاب الأخـلاق، والتربيـة، وتزڪية النُفوس، وقد هَدى اللَّه بسبب هذا الڪِتاب خلقًا؛ منهم إمـام وخطيب الحرم المڪِي أبا السمح عبد الظـاهر المتوفّى ( سنة ١٣٧٠ هـ ) - رحِمه اللَّه - ڪما جاء في الطبعة التي أشرف عليها ( صـ ٣٣٤ ): أنّ هذا الڪِتاب ڪان هو السبب في هدايَة اللَّه له إلى طريق السلف الصالح وسلوك مَنهجِهِم في التَوحيد والعِبادة.

وقد ڪانَ سببُ تأليف هذا الڪِتاب أنّه قد سَأله - رحِمهُ اللَّه - رجلٌ مَريضٌ مُبَتَلى ببَليّة قد أعيَتهُ ولم يَجد ما يُعالجها به فقال: [ مَاذَا تقولُ السّادةُ العُلماءُ، أئمّةُ الدين - رضي اللَّه عنهم أجمعين -: في رجلٍ ابتُليَ ببَليَّةٍ، وعَلِمَ أنّهَا إن استَمَرَّت به أفسدتْ عليه دنياه وآخرتَه، وَقد اجتَهَد في دَفعِهَا عن نفسهِ بكلّ طريق، فَمَا يَزدادُ إلا تَوقُّدًا وشدّة، فَمَا الحِيلَةُ في دفعِهَا؟ وما الطريقُ إلى ڪشفهَا؟ .

فَرَحمَ اللَّه من أعَانَ مُبتَلى، واللَّهُ في عونِ العَبد مَا ڪان العبدُ في عَون أخيهِ، أفتونَا مأجورين، رحمكم الله].

فأجـاب - رحِمَه اللَّه - فقال: الحمد للَّه، أما بعد: فقد ثبت في ( صحيح البخاريّ ) من حديث أبي هُريرة رضي اللَّه عنه، عنِ النَبِي ﷺ؛ أنه قال: "ما أنزل اللَّه من داءٍ إلا أنـزَلَ له شفاء"... إلى آخر ما ذَڪَرَ - رحِمهُ اللَّه -.

وقد بَسَطَ وأسهَبَ وفصّل في ذلك حتى صارَ هذا الجواب في مُجلّدٍ عَظيمٍ نَافعٍ جَميلٍ، وقد تڪَلّم - رحِمه اللَّه - عن ڪُلّ الأمراض القلبية؛ فقد تحَدث فيه - رحمه اللَّه - عن المَحبّة، والشَوق، والشِـر'ك، والذنُـوب، والجَـرائِم، والمعَاصِي، والعـقوبَات، وثَـمرات التـوبة ، وبرڪة الطاعـة، وشؤم المَعصية، والدعـاء، والقـدَر...الخٍ .

فيَذڪُر الداءَ ثم يُلحقه بالدَواء؛ من الڪِتاب والسُّنة والعَقل والتَجرِبة فخَرج ڪِتاب لا نَظيرَ لَه .

فنَسأل اللَّه أن يَجزيه عنّا وعَنِ المُسْلِمِين خَيرًا وأن ينفَـع بما ألَّافَ الإسْلام والمُسلمين

والحَمـد للّـهِ رَبِّ العالمين .

ڪِتَاب الدَاء وَالدَواء - ابن قَيِّم الجَوزيَّة

﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا…

فَقَد تَـاقَت إلَىٰ الرَحْمَـٰنِ نَـفسِي
وَلِلفِردَوسِ يَـدفَعُـنِي طُمُـوحِـي

سَأُرْخُـص ڪُلَّ غَــالٍ لَنْ أُبَــالِي
فَفُـوحِي يَا رُبَىٰ الجَنَّاتِ فُوحِي

الرُّوحُ تَشْتَهِي الْجَنّةَ وَالْقلبُ يتُوقُ للرَّحِيل،
يَا رَبَّ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ..

‏سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ..