المُصاب المُر

لا شئ يُرى من خلفِ تلك الدُجى، كان الدخان المُتطاير في هيئة خيوط من الضباب هو الوحيد الذي يُرى، كأن كل شئ كان قصة من إختراع المُخيلة أو مُجرد تصاوير في جُمجمةِ إنسان مُصاب بنكبةٍ نفسية، لم تكن هنالك سفينة تنقل الجثث و الجرحى هرباً من طوفان الدماء، لكن ملك الموت كان له رأيي آخر حينما أراد أن يبقى في الأرض ليحصد الأرواح، و كأنها فرصتهُ الذهبية فالمذبوح ليس كأي بشر، كانت كل التفاصيل مُرعبة و كلها تصرخ في آنٍ واحد حتى الجمادات أصبح لها أرواحاً تتمنى لو تنتحل صفة البشر و تُبادر بأي شئ يجعلها عوناً،في تلك الأرض لا أحد يتمكن من الوقوف على قدميه من شدةِ لزوجة الأرض أو ربما قدماهُ لا تعينهُ على الوقوف من هولِ ما يرى، حتى العيون في تلك اللحظة تنازلت عن صفة الرؤية و تمنت لو ما جعلها الله في هذا الجسد الضعيف الذي لا يقدر على فعل اي شئ سوى العجز،رُبما لشدةِ ما رأت تمنت لو كانت مثل خرافة الفضائيين؛ عبارة عن جسد مليئ بالعيون لِتستطيع ان ترى كل شئ، تلك المشاهد عبارة عن قارات و عند كل قصة هنالك خارطةً تنزف، إنه لم يكن مشهداً لِسرقة الاقراط من أذنيها الناعمتين بل كانت إبرً خرمت كل جسدي حتى أصبحت افيض بالاحزان ك قربةِ العباس، لم يكن لنحرِ ذلك الصغير ذنباً بإن يُقطع، ثم ليت بيننا و بين السماء بابً ليأتي من خلالها سليمان مع صفٍ من جنود الجن و معهُ دروعاً من صنع داوود كي لا يشعر صدر حبيبي بالالم و الرضوض حينما ترتقي صدره الاعوجية ، أو يا ليت ذو القرنين كان حاضراً ليبني ردماً منيعاً عن تلك الوحوش، و يا ليت إبراهيم كان حاضراً ليُحطم حجارة قلوبهم، و يا ليت قميص يعقوب كان حاضراً ليعيد تلك الشفاه المُتشققة راويةً من الضمأ، و يا ليت موسى كان حاضراً بعصاه ليقلب أرض كربلاء إلى سيناء تلقفهم و كأنهم لم يولدوا،تلك المشاعر لم تعد قابلة على التفكر فكل شئ لهولِ ما رأى تخلى عن هويته فالماء أصبح كنزاً و الأرض أصبحت بحراً من الدماء و الرمال صارت عجيناً غير قابل بإن يسد الم البطون أما الحسين فصار جسده قبيلةً من الاشلاء المُقطعة أما زينب أصبحت خيمةً و نخلةً لم يهزها كسرً و لا مصاب، و العباس مقطوع اليدين أصبح كـ"سندانة الزهور" لا تُرى لكن يلمسها العقل وُضِعت فيها الراية و الرسالة معاً يفوحانِ عنبراً حتى الساعة...

تبارك علي الهلالي

و ما للفؤادِ سوى عليً
يواليهِ حتى نهاية المطاف
وإن عجلت نهايتهُ سيجدهُ
مُحلِقاً عند الروحِ إن خاف

تبارك علي