أتصَدّق الأطيار وهي تنوحُ ؟
كلٌّ يقول بأنه مجروحُ

أنت المقيم على الطلول وهم مَضواْ
 تغدو بأفنيةِ الحمى وتروحُ

بضلوع صدرك صائحٌ أوثقتَهُ
كي لا يُشهَّر وجدك المفضوحُ

ترجو إطالةَ مُكثِ من أحببته
لكنّهُ عما رجوت جَموحُ

ويراك مشتاقًا إليه مشافهًا
لكنْ متى شافهته سيشيحُ

أجعلت خصمك ذا الزمانَ وأهلَهُ
عمري لأنت بنطحه منطوحُ

فدع الزمان وأهله كيف ارتضواْ
في الأرض منأىً للهُمام فسيحُ

كم من وراءِ تخومها من مأْرَبٍ
لك كامنٍ لم ينتبه طموحُ

أتضيقُ أرضٌ قد دحاها باسطٌ
بيديه للداعين وهو صفوحُ

ما الصبح في عينيك بعد صبيحُ
أنت العليل ومن سواك صحيحُ

إن طال صبرُ رواكدٍ في ظهرها
عما قريبٍ سوف تأتي الرِّيحُ

نسيتك هندٌ فارتحل يأسا
بل قل تناست؛ هندُ لا تنسى

لو أنها علمت مكانتها
منك انتهت عن رميها الحدسا

ولحاربت لك كي تظل لها
أبد الأبود الجنّ والإنسا

فبنفسك استفرد بباديةٍ
ما إنْ سواك ترى بها نفسا

وبهند صح حتى تبحّ فقد
يشفيك أن تستنطقَ الخُرسا

لله هند وهي غافلةٌ
عمن بدارك حائما أمسى

مترصدا إياك عن كثبٍ
لا طالبا إثما ولا رجسا

ما زال يذكر ما غرست بهِ
من كل ما أنعم به غرسا

ياهند هلا لفتة عرضاً
حتى وإن تك دُبّرت أمسا

فبصدره رمقٌ وفي فمه
فرقٌ ومنه لم يطق همسا

لقد كبّلت سلمى يديك وإن تكن
طليقاً بأطيافٍ بهنّ تُسلْسَلُ !

أبيتَ انقياداً للهوى ومزارُها
قريبٌ فلما انقدتَ قالت سأرحلُ !

ألم ينهك الناهون عن كل كاعبٍ
متى أقسمت سرعان ما تتحلّلُ !

فإن بتّ بالدمع الكظيظ مكحّلاً
فسلمى لمن زُفّت إليه تُكحَّلُ !

تسائلني هل ذقت يا سالم الهَوَى
وإنّ جوابي في الهوى غير قاطِعِ

تَبَحّثُ عن ماضي هوايَ لتستوي
على عرش قلبي دون ندٍّ منازِعِ

وأعلم ما ترمي إليه وإنني
متى أُتخادَعْ خادعٌ للمُخادِعِ

تجوسُ بقلبٍ ذي دهاليزَ لا ترى
به مُنْحنىً من غير شرْخِ مواجِعِ

به مرتعٌ رحْبٌ وروضٌ مغرّدٌ
ومهجورُ وادٍ مقشعرّ المنابعِ

يهولُ فؤاد السالكين غموضه
خلاءٌ من الأحياءِ وَحْشُ المراتعِ

تنوحُ أهازيج الصَدَى من كُهُوفِهِ
فغوراً كأفواه الجِمال الرواتعِ

ترى فيه آثاراً لقومٍ تنعّموابه
واضمحلوا دون إثْرِ مصارعِ !

تذكرتُ سلمى أن هتفتُ بعطسةٍ
تبدد شتى بالفضاء صياحُها

فلما حمدتُ الله لم أصغ داعياً
لي الرُّحْمَ إلا الريح يعلو نياحُها

وعهدي بسلمى إن عطستُ مجيبةً
فأصبح عن سلمى تجيبُ رياحها

فإلا تشمتني سليمى فإنما
على النأي - لا سلمى - يحلّ جناحُها

رعى الله من آسى جراحي باكيا ... ومن لم يزل بالغيب للعهد راعيا

ومن هابني في كل شيءٍ وهبته ... ومن ما به مني كما منه ما بيا

كفاني به الرحمن همّي ولوعتي ... وضاعفني فوق الذي كان كافيا

سأشكره ما وافقتني جوارحي ... وأذكره ما كنت للشعر شاديا

ألا ليت قلبي غضّ عن جرم تكتُمِ
ويا ليت حبل الوصل لم يتصـرّمِ

ويا ليتني غادرت عن عين تكتـمٍ
وأرواحُنا مجموعةٌ لم تُقسَّـم..!!

وحمّلتها ذنب الفراقِ فلـم تـزدْ
على ظلم ما حَمَّلتُ غير تكـرُّمِ

ومن لم يقم بالقسط ميزان نفسِهِ
بها وبمن يهواه يَظْلـم ويُظْلَـمِ

سألنا فأعطتنا ولوعـاد سؤلنـا
لعادت ولم تقرع على سنّ مندَمِ

أنت امرؤ من تميمٍ عزّ سابقُهُ
ومنك لاحقه في العز مستبقُ

وإن طرقتُ فما شعري بمفتتِحٍٍ عليك جوداً ومنك الجودُ منفلِقُ

شعري إليك كبدرٍ لاح في وَضَحٍ
من النهار ولا غيمٌ ولا غسَقُ

فما له بين أيدي الشمس من صِفَةٍ
سوى اسمه أنه بدرٌ لمن رَمَقوا

وما يزيدك شعري بل أزيد به
نبلاً وفي اسمك نبعُ الشعر مندفقُ

مازلتَ تتبع أغصاني التي ذبُلَت
عنايةً منك حتى عَمّها الوَرَقُ

وقد ذخرتك لي والهمّ يحدق بي
من حجبه والتوى في جيدي الأفُقُ

ضاعِفْ إلى عُنُقي أصفادَ مكرمةٍ
ياخير من صُفّدت إحسانَهُ عُنُقُ

قد أوثق الله حبلاً منك أخرجني
بمعصمي من قليبٍ ماؤه غَرَقُ

لما رأيت رحيلَهم حانا
ودعتهم سرّاً وكتمانا

والصبر مني حيث يزجرني
إن ضاق صدري منه أو هانا

ورأيتها فشرقت من حدقٍ
لم يمتلئ كاليوم نيرانا

ما كان أحسنها وأبهرها
إذ ذاك تُؤسِف عينَ من عانى

حتى أحست بالفراق بها
كالنار دبّ فشبّ ألوانا

قالت أحبّك فجأة وكأنْ
ما كنت أحسب حبها كانا

فكأنّ ناصيتي قد افترقت
فرقين منبجسين طوفانا

وكأنما خرّت إلى قدمي
ضِلَعي وبردٌ في دمي رانا

وكأن عيني سابقت شفتي
نطقاً وقالت ويحكِ الآنا !

الآن قلتِ أحبُّكَ ؛ الآنا !
هلاّ وكان الوصل إمكانا

أنتنّ قتّالاتُ كل فتىً
ما قطّ يوماً حان أو خانا

وبكنّ يفتك غيرَ مكترثٍ
من قطّ ما وفّى ولا صانا

إن حزت حسناً لا يقوم له
صبرٌ فهلا حزت إحسانا

ياقلب ويحك أنت في رجلٍ
لم يُحْش عيدانا وكتّانا

نُصْبَ الليالي في الريوبِ كما
نَصَبَ الذُّرى للريح صفوانا

إن الزمان لئن يسؤك فقد
سيريك ما يرضيك أزمانا

رعا الله جيراني الذين عهدتهم
هنا بين غاد بالسؤال ورائحِ

وإنيَ لم أعدم على الهمّ صاحباً
ولكنني استأثرتهم للجوائح

وبُدلت من آرامهم كل نابحٍ
عليّ ومن أطيارهم كل بارح

ألست ترى شعري استحال أهاجياً
وكان يغنّي في مروج المدائح