عشرٌ في العشر: ——————— الحمد لله وحده وبعد: 1- هذه أيام تستقبل بإفراغ القلب أكثر من إفراغ الوقت؛ وهذا مقصود الاعتكاف الأول، فما علمتَ أنه يشغلك عن حسن العبادة فابتعد عنه. 2- ادخل إلى العشر من بوابة الافتقار إليه، وسترى سادات العباد معك، أما أن تدخلها بروح…

«أَتاكَ كَعبٌ وقد جلَّت جنايتهُ
وكادَ يَغتاله من ذنبه غولُ

فآبَ بالبُردة الحسناءِ مُشتملًا
وعادَ وهو ببردِ العفو مشمولُ

ولستُ مِثلًا لهُ لكنّ حالتَه
لها بحالةِ هذا العبد تمثيلُ

إِن كان متبولَ قلبٍ يوم أنشدكم:
بانت سُعاد فقلبي اليومَ متبولُ!»

لا بأس ولا بؤس!

كلمةٌ تردّدت على لسان مجاهد ذاق من العذاب أنواعه وهو في قبضة العدوّ.

نقول مثله عند كلّ ألم نتجرّعه لله، نجد شوكته ونجد معها عذوبته، لأنّه في سبيل الله، والألم فيه عذبٌ لمن عرف! يهون بعظم الجزاء عظم البلاء، وتُنسىٰ الآلام كلّها عند شربة الحوض، وعند أوّل لحظة في الجنّة، وبذا نتعزّىٰ إلى ذلك الحين، ونتسلّىٰ بسيرة النبيّ -فدتهُ نفسي عليه الصّلاة والسّلام-، وبسِيَر الصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، ومن انتهج نهجهم وسار على دربهم، لنعرف الطّريق، ونفهم معالمه، ونُدرك أنّ النّعيم لا يُدرك بالنّعيم، وأنّ سلعة الله غالية، وأنّ البيع لله شريف، وأنّ ثمنه الجنّة، والمؤمن لا يرىٰ لنفسه ثمنًا إلّا ذلك.

فلم يرضَ بالدّنيا ثوابًا لمؤمنٍ
ولم يرضَ بالدّنيا عقابًا لكافرِ!

مِن أكثر ما يُستعذب في أوقات اشتداد الظّلم؛ آيات وعيد الله للطُّغاة الظّالمين، وآيات وعده لعباده الصّابرين، وآيات الحساب في يومٍ تُنزع فيه جميع الأقنعة والألقاب، ليلبس الجميع رداءً واحدًا "رداء العبديّة"، فنكون كلّنا عبادًا لله!

حين تُنشر الصّحف، فيولول المجرمون من كتابٍ لم يغادر صغيرةً ولا كبيرة، ويكون الحُكم يومئذ لله، ويُعلم أنّ الخلق والملك له وحده، وأنّ الأرض أرضه سبحانه، يُثاب المصلحون فيها بنعيمه، ويُجزىٰ المفسدون فيها بوعيده، فيُسقىٰ كلّ طاغٍ بكأس سقىٰ منه، ويتجرّع مرارةً جرّعها لعباد الله وأولياءه، فيآذنه الله بحربٍ في الدّنيا قبل الآخرة، ويُنسي المؤمنين ذلك كلّه عند شربة الحوض لامتثالهم «اصبروا حتّىٰ تلقوني»، أمّا شراب الظّالم يومئذ ففي قول الله تعالىٰ: {من ورائه جهنّم ويُسقىٰ من ماء صديد يتجرّعه ولا يكاد يُسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّتٍ ومن ورائه عذاب غليظ}.

قضىٰ الله بعدله وحكمته أن لا يرضىٰ بالدّنيا ثوابًا للمؤمن وعقابًا للكافر.. وإنّا خصومهم وخصوم مُواليهم وأعوانهم، ندعو الله أن يرينا فيهم قريبًا يومًا من أيّامه، وآيةً من آياته، ويبقىٰ بيننا وبينهم الثّأر ويوم الحساب!