‏لا تهرع إلى الأرض فَرَقًا من المُلمَّات، فإنها لا تضيق إلا على مَن لم يجد أمنَهُ إلا فيها، وتجدها أوسع ما تكون على النائي عنها، الذي نفض يده من تبرها وترابها.

مَن امتد به سببٌ إلى السماء، خيرٌ ممن وتِّد له جبلٌ في الأرض.

‏في كل مرة نتجاهل فيها حدسنا، تعيدنا خطواتنا إلى بداية الطريق بعدما أنهكنا السير الخاطئ.
آهٍ لو يقنع الإنسان بما عنده من يقين

الدعوة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة ليست من ترف القول ولا فضول الكلام، بل هذا لُبّ منهج القرون المفضلة، وهو نَصّ الكتاب والسنة نفسهما فالأمر بالرجوع إليهما هو منهما لا خارجًا عنهما.

والمبادرة إلى النفرة عن هذه الدعوة لتلبّس قوم ممن لا تحبهم بها لا يلغي حقيقتها ووجوبها، بل المبادرة إلى النفرة علامة سوء.

ومن المضارّ أن الدعوة إلى مثل هذا القول أصبحت لا تؤثر فيمن ينتسبون إلى العلم بسبب تزيين الشيطان لهم طريق الزيف، فيرون أن تلك دعوة إلى ما هو بعيد شأوه لا يبلغه إلا المنتهون، يقول ذلك وهو لم يجرب، ولم يخط خطوةً في هذا الطريق الذي استطاله عن جهل، ثم هو نفسه يسلك السُبل الوعرة والزقاق الضيقة في سبيل ما يظنه علمًا بسبب دعاوى أخرى لا تبلغ من الوضوح وصدق الدلالة ما تبلغه هذه الدعوة التى استبعدها.

ولست أعني بكلامي فتح باب الاجتهاد للمبتدئين والمقصرين بدعوى العودة إلى الكتاب والسنة، فتلك حجة من أقعده الكسل.
لكن، انظر في حالك يا طالب العلم، ما وِردك من الكتاب والسنة قراءةً وشرحا؟
ما نصيبك من تدبر معاني القرآن، ومعرفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
ما مدى معرفتك بآثار السلف؟ أتعرف سبيل تعبدهم وعلمهم؟

«مما يتساهل الناس فيه وهو إثم عظيم».

ذكر اللكنوي عدة أحاديث موضوعة في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم كحديث لولاك لما خلقت الأفلاك، وغيره، ثم قال:

«وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان وأمثال هذه القصص التي ذكرناها كثيرة تذكرها وعاظ الفضل المحمدي والمولد الأحمدي مع اختلاقها وعدم ثبوتها ظنا منهم أن في ذكر جلالة القدر المحمدي ثوابا عظيما، وفضلا جسيما غافلين عما يترتب من الإثم العظيم على من كذب على النبي عليه الصلاة والتسليم في قول أو فعل أو وصف جمالي أو كمالي، كما دلت عليه الأخبار الصريحة والآثار الصحيحة.

وبالجملة؛ فاللازم على كل مسلم أن يحتاط في أمثال هذه الأمور ولا يذكر شيئا إلا بعد تنقيحه وتحقيقه من الكتب المعتبرة لأصحاب العبور ولا يجترئ على ذكر ما اخترعه أو طبعه أو سطره كل من مضى قبله، وإن كان من الغث والثمين ولا يفرقون بين الشمال واليمين، فإنه جناية عظيمة وخيانة جسيمة.»

قال الله سبحانه وتعالى: [فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ٠ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب].

قال ابن عاشور: "فالمعنى إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال فأقبِل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة.

وتقديم [فإذا فرغت] على [فانصب] للاهتمام بتعليق العمل بوقت الفراغ من غيره لتتعاقب الأعمال، وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني.".

ومنبع جهالات أهل الجهل إنما هو من الفراغ في غير شغل وعبادة، وزعمهم الاستغناء عن النبوة والرسالة.

وضَلال اليوم إنما هو في إفراغ المسلم من العبادة وإشغاله بالفراغ.

«وقد ذكر لي بعض الأحبّة من أهل لاهور أنه يُرجى اشتراك بعض المثرِّين اللاهوريين في طبع كتب الشيخين [ابن تيمية وابن القيم] والله الميسر.
وسأحرر إن شاء الله تعالى إلى بعض الأحبة أن يستفسروا من "الشبلي" هل عنده "رد المنطق" [لابن تيمية] أم لا.

وأما ما ذكر السائح الهندي لكم من أن سبب عدم طبع الكتاب [أي: رد المنطق]، أن أهل الهند متوغلون في المنطق، فليس كما زعم، بل السبب البخل بكتب الشيخين، فمن كان عنده نسخة منها يضنّ بها لنفاستها فلا يحب أن يظفر بها غيره، بل توغل أهل الهند بالمنطق هو السبب الداعي لطبعه، كي ينظروا فيه فيقبلوه أو يردوا عليه، فإنه حديث عهد عندهم، ولكل جديد لذة».

من مكاتبات أحد شيوخ الهند [عبد الأحد الخانفوري] للشيخ محمود شكري الآلوسي، ويظهر فيها محاولته التوصل لكتاب رد المنطق لابن تيمية، ولهذا الشيخ رسائل أخرى أكثر فيها من الكلام حول بذله الجهد في الحصول على نسخة من الكتاب من أحد متبعي رجل ادّعى النبوة في الهند، وأنه سعى في التواصل معه، ومساومته على الأموال وعلى كتب ابن القيم على نفاستها عنده، لكن الرجل كان لا يرد عليه، وإذا رد ووعده بشيء أخلفه.

وفي باقي الرسائل شيء كثير من تفاصيل طباعة كتب الشيخين والبحث والتنقيب عنها، وندرة وجودها وما عانته هذه الثلة المباركة من العلماء في استخراج كتب الشيخين.

«إن الشيخ الشعراوي قد نجح فيما عجز عنه غيره، فإننا على كثرة ما كتبنا عن الإعجاز القرآني وعبقرية اللغة العربية لم نستطع أن ننزل بهذه القضايا إلى عامة الناس، وظلت هذه القضايا دائرة بيننا، يدخل اللاحق على السابق، وكأننا نحدِّث بعضنا بعضاَ».

الطناحي.