لِلَّهِ مَا حَاقَ الهَوَى
مِنْ نَارِهِ بَينَ الضُّلُوعِ
قَدْ كُنْتُ أَقْضِي لَوعَةً
لَولَا مُسَاعَدَةُ الدُّمُوعِ

صَغَى قَلْبُ الحَبِيبِ إِلَى الحَسُودِ
فَمَالَ -عَنِ الوِصَالِ- إِلَى الصُّدُودِ
وَلَمْ يَرْحَمْ -بِمَا قَدْ هَمَّ- عَينًا
نَسَتْ -مِنْ بَعْدِهِ- طَعْمَ الهُجُودِ
أَتَعْمَدُ بِالوُشَاةِ .. وَمَا ادَّعَوهُ،
وَتَجْفُو أَدْمُعَ الصَبِّ العَمِيدِ!
إِذَا كَذَبَ الوُشَاةُ؛ فَإِنَّ لَونِي،
وَمَا أَبْقَيتَ مِنْ جَسَدِي، شُهُودِي
وَمَا لِي أَنْ أَحِيدَ وَمَا لِقَلْبِي
لِيَعْدِلَ بِالمُنَعَّمَةِ الخَرُودِ
تُعَدُّ مِنَ النِّسَاءِ كَمَا سِوَاهَا
وَكَم بَينَ الحِجَارَةِ وَالفَرِيدِ
أُرِيدُكِ أَنْتِ .. أَنْتِ مُرَادُ نَفْسِي
وَمَا فِي النَّفْسِ بَعْدَكِ مِنْ مَزِيدِ
وَلَو خُيِّرْتُ بَينَ الوَصْلِ يَومًا
وَبَينَ شَفَاعَةٍ يَومَ الوُرُودِ
لَقُلْتُ وَلَمْ أَحِرْ: يَا نَاسُ وَصْلِي
أَحَبُّ بِغَادَةٍ هَيفَاءَ رُودِ
فَمَا حُورٌ تُعَوِّضُنِي لِقَاهَا
وَلَا خَمْرٌ لِمَلْثَمِهَا البَرُودِ
كَأَنِّي إِذْ أَحَارُ بِنَاظِرَيهَا
تَقُولُ: إِلَيكَ بِالحُسْنِ الجَدِيدِ
فَمَا عِنْدَ الرِّيَاضِ كَحُسْنِ قَدِّي
وَلَا بَينَ اللآلِئِ مِثْلَ جِيدِي
وَحُزْتُ إِلَى المَلَاحَةِ بَعْدُ لِينًا
يَرِقُّ إِلَيهِ ذُو القَلْبِ الجَلِيدِ
بُرِئْتُ لِمَنْ أَرَادَ اللهُ يُسْرًا
يُهَوِّنُ عُسْرَ ذَا الزَّمَنِ الشَّدِيدِ
فَقُلْتُ: أَيَا أَرَقَّ النَّاسِ، أَنَّى
أَرَاكِ إِلَيَّ كَالحَجَرِ الصَلُودِ
نَحَتُّ سَوَادَ قَلْبِي إِلَيكِ شِعْرًا
وَخَلْفِي كُلُّ شَيطَانٍ مَرِيدِ
فَكَمْ غَنَّاهُ ذُو طَرَبٍ مُعنًّى
وَكَمْ هُزَّتْ عَلَيهِ مِنَ القُدُودِ
وَلَمْ أَقْبِضْ مِنَ الحَسْنَاءِ أَجْرًا
سِوَى خُلْفِ المَوَاعِدِ والعُهُودِ

كل ما اتصفح ديوان الشيخ ابو نواس:

بَكَرَتْ تَسْأَلُ سَلْمَى عَنْ فَتًى
كَانَ وَجْهَ القَومِ فِي يَومِ الحَذَرْ
مَنْ لَهُ الرَّأيُ إِذَا مَا اخْتَلَفُوا
وَلَهُ السَّيفُ إِذَا حَلَّ الخَطَرْ
فَأَجَابُوهَا عَرْفَنَا ذَاكَ مَنْ
صَارَ بَعْدَ العَينِ فِينَا كَالأَثَرْ
أَوقَعَ الدَهْرُ بِهِ مِنْ صَرْفِهِ،
كُلَّ فَنٍّ حَازَهُ، وَقْعَ المَطَرْ
أَرْشَدُوهَا فَأَتَتْ عِنْدِي وَقَدْ
هَالَهَا الحَالُ وَقَدْ فَاقَ الخَبَرْ
أَأَبَا الحَارِثِ -قَالَتْ- مُذْ مَتَى
صِرْتَ فِي النَّاسِ مَحَلًّا لِلْعِبَرْ؟
قَدْ أَرَاكَ الأَمْسَ فِي زَهْوِ الصِّبَا
حَولَكَ الغِيدُ إِلَى وَقْتِ السَّحَرْ
حِينَ كَانَ العَيشُ حُلْوًا طَيِّبًا
بَينَ رُمَّانٍ وَبَانٍ وَقَمَرْ
مِنْ جَوَارٍ حُسْنُهَا غَيرُ الّذِي
بَلَغَ السَّمَعَ وَمَا حَاطَ البَصَرْ
نُسِبَتْ لِلْجِنِّ جَهْلًا؛ وَبِهَا
حَارَتِ الجِنُّ كَمَا حَارَ البَشَرْ
فَإِذَا نُودِيتَ عَنَّا لَمْ تَزَلْ
طَالِبًا لِلْمَجْدِ مِنْ فَوقِ الأَغَرْ
قُلْتُ يَا سَلْمَ أَلَمَّا يَكْفِكِ
هَيْجُ لَوعَاتِ التَّصَابِي والفِكَرْ
لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ إِلَّا قَدَرًا
وَكَذَا فِي الدَّهْرِ أَلوَانُ الغِيَرْ
إِنَّ فِي الصَّدْرِ لَضِيقًا وَاعْلَمِي
أَنَّ فِي الأَحْشَاءِ بَعْضًا مِنْ سَقَرْ
كَمْ يَلُومُ النَّاسُ حُزْنِي إِنْ بَدَا
أَيَخَالُ النَّاسُ أَنِّي مِنْ حَجَرْ؟
وَكَمَا يَبْكُونَ هُمْ أَطْلَالَهُمْ
فَلَعَمْرِي كَانَ عِنْدِي مَا انْدَثَرْ

تَقولُ إِذَا الرَّقِيبُ بَدَا؛ اتِّقَاءً،
وَيَفْضَحُهَا التَلَعْثُمُ وَالوُجُومُ
لَقَدْ زَعَمَ الفَتَى كَذِبًا مَقَالِي:
"أُحِبُّكَ" إِنَّ مَزْعَمَهُ عَظِيمُ
وَقَوَّلَنِي الَّذِي مَا قُلْتُ يَومًا
وَإِنْ كَانَ الفُؤَادُ بِهِ يَهِيمُ

تُؤَنِّبُ قَصْدَ الزَجْرِ لَكِنَّهَا تُغْرِي مُلَوَّزَةُ العَينَينِ خَمْرِيَّةُ الثَغْرِ وَقَدْ حَسُنَا مَرْأًى فَلَمسًا وَنَفْحَةً وَرَشْفًا فِحِينَ الشَدْوِ زَادَ عَلَى الخَمْرِ فَهَذَا شَمُولٌ بِدْعَةً وَضَلَالَةً وَمِنْهَا شَمُولُ الحِسِّ طُرًّا إِلَى…

قَالَتْ: لَعَمْرُكَ، يَا سَجَّادُ، مَا بَرَحَتْ
هُمُومُ قَلْبِي، وَضَاقَ السِرُّ، وَالعَلَنُ
مَا مَرَّ بِي أَبَدًا؛ شَيءٌ سُرِرْتُ بِهِ،
إِلَّا ذُكِرْتَ، فَعَادَ الشَّوقُ وَالحَزَنُ
حَتَّى مَتَى، يَا فَتَى، هَذَا الفِرَاقُ؟ مَتَى
يَحْلُو الزَمَانُ لَنَا وَالوَصْلُ والسَكَنُ

« تُؤتِي الفَتَى البِنْتُ المُؤَا .. تِيَةُ الهَنِيَّ مِنَ الزَّمَانْ »

« وَلِي، مِنْ حُبِّهَا، زَفَرَاتُ كَادَتْ
تُعَاجِلُ بِي القَضَاءَ إِلَى المَنُونِ »

هَلْ لِي إِلَى الغَادَةِ الحَسْنَاءِ مِنْ سَبَبِ؛
عَلَى اخْتِلَافِ الرُّؤَى، وَالنَّهْجِ، وَالأَرَبِ
أَمْ مِنْ شَفِيعٍ؛ يُرِيهَا وَصْلَنَا حَسَنًا
وَدُونَ ذَاكَ صِحَابُ القَلْبِ وَالنَّسَبِ