كنت أتمنى أن أكون الطرف الأكثر حسمًا في العلاقات، لكنك لا تعرف معنى أن تنهزم من أولئك الذين دافعت عنهم، لا تعرف أن يخذلك ذاك الذي راهنت عليه أمام الجميع، وكل الذين حاولت بث الطمأنينة في قلوبهم لم تنال منهم إلا الفزع والخوف..

قد أبدو لك شخص لا يبالي، يتجنب العلاقات ولا يقدر على الركض والمحاولة من جديد لكن صدقني نحن ايضًا ركضنا وتمنينا وحاولنا وكانت لنا أحلام، لكنها الدنيا..

وآه لو كانت الدنيا آخف

سألتها: هل كان تجاوز الأشخاص في حياتك أمر سهل؟
رددت ساخرة: هكذا ظن الجميع، استطعت أن أبدو أمامهم في غاية الثبات والهدوء، امرأة تعرف كيف تقنع كل من حولها أنها بخير فالوقت الذي كان الحزن يبتلع قلبي! لم يكن التجاوز سهل مع فتاة مضججة بالأفكار والمخاوف، لا تعرف كيف تواجه القسوة بالقسوة، كيف ترد الكلمات المؤذية بـكلمات أشد أذى، كيف تهجر وتهمل وتعاتب، لكنني لم أملك رفاهية الاختيار! حين اشتد الضغط وبلغت العاصفة ذروتها حتى أنها اقتلعت ثباتي وهدوئي الذي اعتدت عليه، تجاوزت أشياء لم أتخيل يومًا قدرتي على تجاوزها، تجاوزت أشخاص كانوا يمثلون كل شيء في حياتي، أولئك الذين يشغلون كل وقتك وتفاصيل يومك، لكنني لم أعد أتحمل ضغط العلاقات الاجتماعية، لم تعد لدي قدرة لمواصلة المناهدات والصراعات والتمس أعذار لأشخاص لديهم المبرارات المستمرة لأفعالهم القاسية وكلماتهم الحادة، لم أعد أتحمل كوني الشخص المهم حتى يأتي الأهم، أتناسى فور وجود بديل لغيابي، لم أجد منهم من يشاركني لحظات تعبي وانهياري، من يشاطرني الحزن، كنت أشعر بالوحدة رغم الزحام الكبير في حياتي، كنت أبكي وحدي، أتألم وحدي، أنهار وحدي، ولك يشعر بي أحد، مجرد صور تجمعنا، لحظات من السعادة الزائفة، وحين قررت العزلة لم يلاحظ أحد من الأساس غيابي، لم أكن يومًا الاختيار الأول في حياة أحد..

حين تشتد العاصفة وتصبح العلاقات الاجتماعية عبء وحمل لا يطاق، مجرد علاقات تستهلك طاقتك ومشاعرك ومع ذلك لا تجد من يشعر بك من يهون عليك، عندها فقط يجب أن تدرك أنك ما بين الاستمرار في مثل هذه العلاقات والخضوع للعاصفة حتى تصبح شخص آخر، إما أن تبحث عن الهدوء والراحة أقصد أن تنضج وتتخذ كل القرارات العقلانية التي تجعلك تنجوا من العاصفة ولقد استطعت النجاة .

يؤجر المرء على محاولاته المستمرة رغم أنعدام الشغف وتأخر النتائج، يؤجر على بث الطاقة والأمل في نفوس المحيطين به رغم حاجته لمن يدعمه ويحفزه، يؤجر على ثباته لأن ثمة من يتكىء علية، يؤجر على الأستماع للأخرين والتهوين من أزماتههم ومحاولة تخفيف أثقالهم، رغم كل ما في صدره من ضيق وتعب، يؤجر على ثباته أمام الناس خوفًا أن يحملهم أثقاله ويؤجر لأنه يذهب إلى الله طالبًا يد العون، ويؤجر على سعيه كل يومه أمالاً في تحقيق معجزه تبدل حاله وحياته..

يؤجر المرء على سعيه، لحظاته الصعبة، صمته الطويل، يؤجر على ثقته بـ الله، فـ رغم أنعدام النتائج لكنه يثق بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

ليست أنانية ابدًا..
لكنني وصلت لمرحلة ما كل ما أريده أن أجلس على كرسي، أشرب الشاي وأتابع العالم وهو يحاول لأجلي، يجاهد شخص لإسعادي محاولة إرضائي، يدافع عني، يقلب الدنيا رأسًا على عقب حين أشعر بـالحزن أو يقطع أميالاً للفوز بي..

" بعد كل هذة السنوات من الركض والتضحيات لأجل الآخرين، وكل هذه المحاولات لأرضاء الجميع، أظن أنني أستحق أن يحاول العالم لأجلي.. ولو لمرة واحدة " .

تركض بـ أقصى سرعة لـ تصل إلى وجهتك، وتخشى أن لا تصل أو تضل الطريق، تتجاوز هزائمك المريرة وتحاول النهوض سريعًا من خيباتك، وتخشى أن تخونك أقدامك مرة أخرى وتهزمك الدنيا من جديد، تعيد بناء حطام أحلامك، وتعاهد نفسك على البدأ مرة أخرى، وتخشى أن تظل تبني وحين تصل لنقطة الكمال، تتحطم أحلامك مرة أخرى رغمًا عنك، تهون على نفسك فتراتك الصعبة وتراهن على قدرتك على التجاوز والثبات، وتخشى أن تمر الفترة السيئة بـ فترة أشد قسوة عليك أو تكتشف أنها ليست مجرد فترات سيئة إنما هي حياتك، تنعزل عن الناس وتختفي عن الأنظار وتهرب من كل العلاقات، وتخشى أن لا يفتقدك أو يبحدث عنك أحد، تنوي الحب وتفتح أبوابك لـ كل محاولات القرب منك، وتخشى أن تنخذل أو يصاب قلبك بـ فقدان أخر، فـ تنسحب سريعًا من العلاقات وتنغلق عن الناس..

ممتزق وتائه أنت يا صديقي..
ما بين الأمل واليأس..
الحب والعزلة..
القوة والضعف..
والسعادة والحزن..
ممزق أنت ما بين طفولة قلبك وشيخوخة عقلك لكن الله يعلم وحده محاولاتك ويعلم ضعفك وحزنك وما يخفي قلبك وهذا يكفي.

لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا كان مُستعدًا ليخوض معك أشد حروبك مع الحياة، مهما كانت الصعوبات التي كانت ستواجهك كان مُستعدًا ليتخطاها معك في سبيل أن تُحقق كل أحلامك وأهدافك، لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا كان على أتم استعدادٍ ليُدافع عنك أمام الجميع بكل ما فيك من سوء، كان يثق بك ويقاتل لأجلك، حين يقول الناس أنك أسوأ من في الأرض كان يَرد قائلاً "هو أفضل الناس عِندي" لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا كان مُستعدًا أن يتحمل كل شيء في سبيل استمرار علاقتكم، يغفر لك ويتجاوز أخطائك ويصدِّق كل مبرراتك، حتى وإن لم تجد مبرراً للغياب والقسوة كان سيصنع لك كل الحجج والمبررات التي تجعلك ثابتٌ دائمًا في قلبه، لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا كان يكتب لك طوال الوقت، يتذكرُك طُوال اليوم، يُغني ويُدندن لك، في غيابك يرى كل الأشياء باهتة، مهما كان الزحام حوله لا يشعر بالونس إلا في وجودك، كنتَ في حياته القطعة الفريدة المميزة الوحيدة، كنتَ بمثابة العالم بالنسبة له، لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا يُراعي نوبات غضبك ويحزن لحزنك ويُفكر طوال الوقت في إسعادك، شخصًا لن يمل من تكرار أحاديثك ولن يشعر بالضيق من نوبات حزنك واكتئابك، شخصًا لن يقسو عليك مهما كانت أخطاؤك، لا يُطيق الخصام الطويل، ويُحب فكرة أن يتشارك معك كل شيء مهما كان بسيطًا وتافهًا..

لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا أراد أن يصنع لك عالمًا مُختلفًا وجميلًا أنت أُسطورته وبطله الوحيد..
لقد أفلتَ من بين يديك شخصًا كان يحبك بـ كل صدق.

تعرف يا صديقي..
إن في فترات معينة رغم قسوة أحداثها ومواقفها، لكن الخوف الحقيقي فيما سيحدث بعد نهاية هذه الفترة..
بـ حكم التجارب والخبرات وخلافه أنت عارف أن الأحداث السيئة هتمر وهتتجاوزها وهتنتهي بكل ما فيها بـ الحلو والوحش، لكن الشيء الوحيد اللي هيتغير فيك هو أنت..

في فترات معينة أزمتها إنك هتودع صفات كتير جواك كنت بحبها، صفات وتفاصيل في شخصيتك كانت بريئة وساذجة لكنها كانت صافية وصادقة، هتتغير بطريقة أنت نفسك مش هتستوعبها ولا هتدركها إلا بعد وقت طويل..

هتراجع نفسك وتستغرب ازاي الدنيا غيرتك بالشكل دا.

انت عارف يا صديقي..
واحدة من أسوأ المواقف اللي هتمر عليك هو إنك تتلام على أمور لا دخل لك فيها، سعيت في مشوار ولم يحالفك التوفيق، أجتهدت في تحقيق شيء ولم يتحقق، حلمت وركضت وراء أحلامك وفجأة تحطمت بدون أي سبب حقيقي، تعشمت في أشخاص خذلوك، أختيارك الخاطىء لبعض الأشخاص في حياتك..

شعور مُزعج جدًا لأن النتيجة النهائية صفر وكل محاولاتك ما دامت لم يكتب لها النجاح فـ لن ينظر لها ولن تضع في الحسبان..

مع إنك مقصرتش وجواك يقين تام إنك عملت فوق طاقتك ومع ذلك فـ أنت مجبر تتحمل شعور إنك الشخص السيء في رواية الجميع، رغم كل محاولاتك وسعيك ورغم أن كل التعثرات والهزائم والأمور السيئة حدثت رغمًا عنك لكن النتيجة صفر فـ عليك تحمل كل شيء حتى الأشياء التي حدثت رغمًا عنك .

ما يهزم المرء ليست كل الصراعات التي يخوضها في حياته، ما يهزمه ليست كل الأحداث السريعة التي تمر علية وكل القرارت المصيرية التي ينبغي علية اتخاذها في وقت قياسي، الهزائم بالطبع مؤلمة، و مواصلة السعي رغم أنعدام الطاقة وغياب النتائج كل هذه الأشياء مؤلمة وصعبة..

لكن أكثر ما يهزم المرء هو أن كل هذه الصراعات والأحداث والمحاولات لأجل تحقيق أحلام بسيطة لا تستحق كل هذه المعاناة، ورغم بساطتها قد لا تتحقق .

اتمنى أن ينتهي شهر رمضان وقلبي مجبور الخاطر، معافى من كل أثار مؤلمة سواء كان من رحيل أشخاص أحببتهم من كل قلبي، أو خذلان من شخص تعلقت به ودافعت عنه بكل قوة وكان هو أول من خذلني، معافى من كل هؤلاء الذين تعمدوا إيذائي ، معافى من أثار غياب التوفيق، والأحلام التي لم تتحقق، قادرًا على التمني والحلم مرة، أستعيد طاقتي من جديد لمواصلة الطرق التي سلكتها والبدأ في طرق جديدة ربما كُتب الخير لي فيها، أتمنى أن ينتهي شهر رمضان وعقلي هادىء قادر على ترتيب أوراقي من جديد لأواصل حياتي بشكل أفضل، يطمئن قلبي من مخاوفه التي تسيطر علية، ينعم الله علينا بـ الرضاء والسكينة والهدوء.