حقيقة التوجُّه إلى الله؛ ما كانت مبنيّة على حالة العبد الباطنة، وما في قلبه من صدق المحبّة، وصدق الرغبةِ إليه، وصدق التَّجافي عن أهل الدنيا لأجل أن يظفر بلذّة الأُنس إليه، وأعظم ما يضبط توجّه العبد بكلّيته إلى ربّه؛ عرض القلب على كلامه، فإنّ الله تجلّى لعباده بكلامه، وكثيرًا ما يتجلّى لعباده برداء الرحمة والمغفرة!

﴿والله يُريد أن يتوبَ عليكم﴾، بهذه اللفظة، وبصيغة الفعل المضارع الدالّ على الاستمرارية، (يُريد أن يتوب عليكم)، فكم مرّة تعرّض العبد لنفحَات هذه الآية وما فيها من رحَمات، وأقبل على ربّه خالعًا وشاح الذنب، لابسًا لباس الانكسار والتوبة، وتارة يتجلّى لعباده بجلباب العزّة: ﴿لا إله إلا أنا فاعبُدون﴾، وما أكثر ما يتجلّى لعباده بأوصاف ينخلع لها القلب مهابةً وخوفًا منه سبحانه.

وحقيقٌ على من أراد التوجّه إلى الله بقلبه قبل بدنه؛ أن يعمّر قلبه بكلام خالقه، عيشًا بين ربوع الآيات، مُتنقّلًا بين المعاني والهدايات، مُعطيها حقّها من التأمّل، والقُرآن كلامه، وبه سيتلجلج قلبُه وينزعج رغبةً ورهبةً إليه وحده، وحقيقة التوجّه القلبي يُصحّح مسَارها القُرآن شاء العبد أم أبى!

يقول ابن القيّم: "القرآن مُزيل للأمراض الموجّهة للإرادات الفاسدة، فيُصلح القلب، فتصلح إرادتَه، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها".. وهذا التوجّه القلبي؛ سبب سعادة المرء في دينه ودنياه، بل هو من أعظم أسباب فوزه وفلاحه، نسأله من فضله العظيم أن يمنّ علينا كما منّ على عباده.

تلاوة اليوم..

أوصلَ اللهُ ريحَ يوسفَ إلى أبيه عند انقضاء البلاءِ من مكانٍ بعيد، في حين منعَه خبرَه أيامَ المحنة زمنًا طويلًا، فما أيسرَ العسيرَ إذا شاء الله! وما أعسرَ اليسيرَ إذا لم يشَأ! ?

قال الله تعالى:
"وَإِنْ مِنْ شَيءٍ ‌إلا ‌عِنْدَنَا ‌خَزَائِنُهُ"
متضمنٌ لكنز من الكنوز، وهو أن كل شيءٍ لا يُطلَب إلا ممن عنده خزائنه، ومفاتيح تلك الخزائن بيديه، وأن طلبَه من غيره طلبٌ ممن ليس عنده ولا يقدر عليه.

ابن القيم رحمه الله

﴿وَلَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذناهُم بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ﴾ [الأنعام: ٤٢]
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "تأمّلتُ وقوعَ الشدائد بالمؤمن ووجه الحكمة في ذلك؛ فوجدتُ المرادَ إقامةَ القلبِ على بابِ الربّ سبحانه وتعالى."

"ودومًا تحاول أن تجمع هذا الشعث، وتبتكر الحلول وتصوغ المفاهيم للحدّ من القلق ، والتخلص من الحزن ، وتجاوز الماضي ، وتكميل نواقص الرّوح بزوائد المادة. ومع كل هذه المحاولات؛ فهي لا تستريح لأن ثمّة شيءٌ مفقود أكبر بكثير مما تتخيل ، وأهم من كل المهمّات ، وهي أحوج إليه حتى من حاجتها لذاتها!" -معراج

وفي رجاء الله واليوم الآخر يسود الإنسان على نفسه، ومن كان سيد نفسه كان سيد ما حولها يصرِّفه بحكمه، ومن كان عبد نفسه صرَّفه بحكمه كلُّ ما حوله.

الرافعي

إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا جعله مُعترفًا بذنبه مُمسكًا عن ذنب غيره!» -ابن القيّم

استقر في يقيني أن ما كان مقدوراً عليّ أن افقده لم أكن لأستطيع أن أحتفظ به ولو كنت قد حفظته في بروج مشيدة، وأن ما كان مقدوراً لي أن أحتفظ به ما كان الإنس والجن ليستطيعوا سلبه مني ولو طوّحت به في الهواء.

-عبد الوهاب مطاوع

" إنها أشد ثباتاً وتمكيناً ويقيناً في قلب العبد -العالم العامل بها- من الجبال الراسيات؛ لِعلمه أنه بربه لابنفسه، وأنْ لا أحد كافيه سواه، ولا أَحد يرحمهُ ويحسن ولايته، وتدبير أَمره الا إياه تعالى..
أَيظنّ قائلها أنه يرجع صِفر القلب واليدين بعد قولها؟!

عن الحوقلة كان يتحدّث