السلام على البلاغة الكامنة والكاملة في لثغة رائك المجيدة!
يا راء الكبرياء والفخر والرجال والحرب..

أخشى ما يمكن أن يطرأ على الذات الدارسة والباحثة في المعرفة التطبيقيّة، كالهندسة والعلوم والتقنية، أن تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى آلة و مادة ورقم.. تصلّب الروح وجداريّتها، ما لم يتدارك نفسه بالعلوم الإنسانيّة من جهة، وبالفنون والآداب من جهة أخرى.

بمناسبة قرب يوم اللّغة العربيّة العالميّ، أقول: من أفضل علمائنا في الصياغة البيانيّة الذي تجمع بين الجنبة المتنيّة العلميّة، وبين الجودة اللغويّة الجميلة، فليس هي بالمغلقة كمتن الكفاية، ولا بالبسيطة تنفذ معانيها ومقاصدها بدون أستاذ، مثل أصول الفقه للشيخ المظفر، والحلقات للشهيد الصّدر، والبداية والنهاية للعلّامة الطباطبائيّ.

عائلتيّ الخاصّة..

عائلتيّ الخاصّة تتكون من قمر كبير، وأم حنونة. لكنّه قمر يختلف عن قمر الطبيعة الذي نعرفه، فهو في طور البدر طوال الزمان! في الليل والنهار. هو قمر تجري فيه أنهار روية، ولستُ الوحيد الذي يرتوي من قِربته المتمسكة بكفيه المقطوعين، فهناك نهر ونخيل وعامود. وهناك، على مقربة من الخيم، رأيت طفلة عطشى ما تزال تنتظره.
وأميّ الحنونة جدًا، ترافقني دائمًا في أسفاريّ، فما أن أقرأ حرزيّ الفاتحة، وإلّا تأتيني باعثة الطمأنينة في قلبيّ، والدفء في روحيّ، ولما أسغب، تطعميني من خبز قمرها وقمريّ. وتوهّم التاريخ؛ فليس أبناؤها أربعة، فكلّ من سُقي ولُقّم من يديها السماويّتين بنينها.

هذه عائلتيّ، فهل لديكم مثلها؟

نصوص فلسفيّة (8)

"فمجال الشرّ ومداره هو عالم المادّة التي تتنازع فيه الأضداد وتتمانع فيه مختلف الأسباب وتجري فيه الحركات الجوهريّة والعرضيّة التي يلازمها التغيّر من ذات إلى ذات ومن كمال إلى كمال.
والشرور من لوازم وجود المادّة القابلة للصور المختلفة والكمالات المتنوّعة المتخالفة، غير أنّها كيفما كانت مغلوبةٌ للخيرات، حقيرة في جنبها إذا قيست إليها".

نهاية الحكمة، ص377.

روي في النهج العظيم عن أمير المؤمنين: "إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ"، وقريب منه عن الإمام الرضا في البحار أيضًا.

ومقتضيات الإقبال قد تكون مكانيّة أو زمانيّة، أو حاليّة، أو معيّة، ومن مصاديق الزمانيّة، ليلة الجمعة ويومها، فلهما اقتضاء معنويّ مختلف عن سائرها وسائره. ومثلها مقضيات الإدبار. فتدبّر واغتنم.

استدلّ بعض القدماء على امتناع كون الخبر المتواتر يفيد العلم بقاعدة الواحد، لأنّ يلزم منه أن تكون الأخبار المتكثّرة سببًا لحصول العلم وهو واحد، وهذا يخرم القاعدة المزبورة. هذا ومن فوائد دراسة تاريخ العلم، الإحاطة بنشوء الأفكار والنظريات وتطوّرها ونموها، ومراهقتها ونضجها وشيخوختها، ممّا يفتح الآفاق، ويوسع الأبعاد، في النظر والفهم.

هناك بحوث اجتماعيّة مهمة وغنية، مبثوثة في تفسير الميزان للعلّامة الطباطبائيّ، مدرجة تحت عنوان "بحث اجتماعيّ". كما أنّ نظريّته في الاعتباريات لها إطلالات وتطبيقات في علم الاجتماع. فلا تنسى ما تلوناه.

فيما يتعلّق بالراحل علي الورديّ.

حالة النقد، شأن صحّيّ وأمر مطلوب، لتهذيب الأفكار، وتقويم الأراء، شريطة اعتماد منهج موضوعيّ في ذلك. وإذا نقيّمه بمرآه كتبه، نخرج بالتالي:

بعض كتبه هي بالأصل رسالته بالماجسيتر، وأطروحته بالدكتوراه، فهي كتب بحثيّة أكاديميّة، كتبت وفق السياقات المعمولة بها في الدراسات العليا، فنفي الجانب الأكاديميّ البحثيّ العلميّ عنه، لعدم الاتّفاق مع أفكاره وأرائه، خلط منهجيّ، لأنّ بين الأمرين افتراق واجتماع، وإلّا لزم إخراج كلّ الأكاديميّين الذين نختلف معهم في الطرح والفكر عن الصفة الأكاديميّة، وهو كما ترى.

كما أنه اعتمد في مجمل كتبه على بعض النظريات الشائعة في زمانها وزمانه، وقد بان خللها وخطلها بعضًا أو كلًّا، نقدًا وتطويرًا وتقويمًا، وعليه ينبغي قراءتها في ضوء هذا الظرف الزمكان، فهي شأن العلم، وسير المعرفة.

ولا تخلو كتبه بمجملها من نظرته الشخصيّة، المتأثرة بنفسيّته، كفرد ولد ونشأ في بيئة، ولما لم ينضج في فهمها واستيعابها، انتقل بحكم الدراسة إلى بيئة أخرى، مغايرة ومختلفة، فسيطرت الثانية عليه لأسباب، بعضها ليست موضوعيّة ولا علميّة، وإنّما تأثريّة تغرّبيّة، وانعكس ذلك على كتاباته، كشخص لديه الكثير من النقد والتقييم غير المنصف لتاريخه وتراثه، وحالته حالة ظاهرة، أراها في الكثير من هاجروا وتكوّنوا معرفيًّا وبيئيًّا هناك، قبل النضج في البيئة الأولى، فوقع الخلط والخبط.

فليس من الحقّ والحقيقة، تصفير منجزه، ولا من الصواب والحكمة، جعل كتبه وبحوثه ثوابت معرفيّة، ولاسيما نحن نتحدث عن مجالات سائلة، كالإجتماع والتاريخ، كما يتعامل البعض معه، لاسيّما مع بعض أقواله ومقولاته، التي صنّموها قواعد وفواصل للعلم والتاريخ والاجتماع!!

هذا الطوفان، وهذه الحرب، كم كشفت من أسماء ومسميات، تسبق بالدرجات، وتلحق بالألقاب، عملت بالضد من جبهتنا الداخليّة، في زمكان حرج ومصيريّ؟! لحماقة أو سذاجة أو سفاهة، فبعضهم لا يؤتمن على قيادة رأسين غنم! ولا يفهم أبجديات الاجتماع والسياسة والتاريخ، ويفوقه في وعيه ودركه وترتيبات الأولويات شباب في مستهل العشرينات بل ودونها!
الأمر كان واضحًا لدينا، لكنّ الآن اكتشف أكثر وأوسع، وخرج من ثبوته إلى إثباته.