أصدقائي الأعزاء،

اليوم أكتب لكم هذه الكلمات و أنا أعلم أن اللحظة قد حانت لأقول لكم وداعًا.
كان لي الشرف الكبير أن أكون جزءًا من هذه المساحة، التي شاركنا فيها الكثير من اللحظات، الأفكار، و الذكريات، لكن، كما تعلمون، لا شيء يستمر إلى الأبد، و أحيانًا يأتي الوقت الذي يجب فيه أن نترك بعض الأشياء وراءنا، حتى و إن كانت صعبة.

لقد مرت فترة طويلة، و أنا أستمر في تقديم كل ما أستطيع لكم، لكن شيئًا ما بداخلي بدأ يتغير. لا أريد أن ألوم أحدًا، و لا أبحث عن مبررات.
كل ما أريد قوله هو أنني شعرت بأنني أصبحت غريبًا في هذا المكان الذي كان يوماً مليئًا بالحب و الاحترام.
أصبح كل شيء يبدو كأنه مجرد واجب، و أصبحت أشعر بأنني لا أقدم لكم ما تستحقونه.

أنا لا أقول هذا بدافع الغضب أو الحزن، بل لأنني أؤمن أن الوقت قد حان للمضي قدمًا. قناتي كانت جزءًا من حياتي، و لكن الآن أصبحت بحاجة لإغلاق هذا الفصل، و التركيز على أمور أخرى في حياتي
أريد أن تظل الذكريات الجميلة هي ما تبقى بيننا، و ألا يتحول هذا المكان إلى مجرد مساحة فارغة من التواصل.

أعرف أن هذا القرار قد يأتي مفاجئًا، لكنني أؤمن أن كل شيء في الحياة له بداية و نهاية. أنا ممتن لكل لحظة شاركناها معًا، و لكل كلمة تفاعلت معها، و لكل شخص كان هنا، لكن اليوم، أقولها بصدق: حان الوقت لأغادر.
ليس بحقد، بل برغبة في السلام الداخلي و الراحة إن وجدت.

أرجو أن تتفهموا قراري، و أن تحتفظوا بالذكريات الطيبة، سَأبقى ممتنًا لكل واحد منكم، و سَأظل أذكر هذه اللحظات بكل حب و تقدير. شكرًا لكم على كل شيء، و أتمنى لكم كل التوفيق في حياتكم القادمة.

وداعًا.

فترة صلاحيتي كمواطن صالح انتهت، و ما عدت أستطيع الاستمرار في لعبة التوقعات التي وضعتها على عاتقي، أصبح كل شيء ثقيلًا، و كل خطوة أشعر بها كأنها تقودني إلى مكان آخر، إلى شخص آخر، كنتُ أعيش وفق قواعد معينة، لكن هذه القواعد لم تعد تروق لي بعد الآن. سئمت من كوني الشخص الذي يتوقع منه الجميع أن يكون دائمًا في المسار الصحيح، بينما في أعماقي كنتُ أبحث عن شيء غير هذه المظاهر.

اليوم، أنا في مرحلة جديدة، لا أستطيع إنكارها ولا أريد.
فترة صلاحيتي تلك انتهت، و ما تبقى هو فقط الحقيقتي التي يجب أن أعيشها.

فترة صلاحيتي كمواطن صالِح انتهت.

في حد راشش صلع وراثي في الجوّ.

لا أحد يحبك على طبيعتك يا إنسان. تصنّع!

عزيزي النوم، كافي تتدلل علينا.

أنا حزين و غاضب .. و إن أستمر هذا المزاج ساعة إضافية .. سأرتكب مصيبة تجعل الشيطان يقف على قدميه و يصفق لي بحرارة.

‏تحدّثوا مع الله، لا تتراجعوا عن البكاء، عن البحث في ظلمة الليل من نورِ طمأنينته، لا تُحاولوا أن تُرتبوا الكلمات، و تستهلكوا وقتًا في الصمت، إنه يسمع جميع اللغات، اللهجات، الحسرات، الأوجاع، الخدوش، النزاعات، لا تفرضوا معادلات غريبة و صعبة للوصول إليه، ستجدونه في كل مكان.

في الليل، ثمة ربُ فاتحُ ذراعية يجوب السموات الآن، يملكُ أقداحًا من الضوء ينثرها على التائهين،

هو الله بكامل جلالته باحثًا عنكم في هذه اللحظات الساحرة، توقفوا عن الشرود الفارغ هنا، توقفوا الآن و اذهبوا للبكاء، ألا تشعرون برغبةٍ حادة لترطيب قلوبكم، جرّبوا البكاء الليلة، لا شيء يُحررنا من الوهن سوى الدموع، لا شيء يطهرنا سوى الحزن،
انكسروا الآن بين يديه لتسعيدوا عافية أرواحكم.

أنت يا صديقي أيّها المهزوم اهمس بهدوء: أنا ضعيف يا رب أنا ضعيف و مهزوم، امنحني القوة أيّها الكبير، امنحني القوة كي أحبك، كي أنتصر بك، و امنحني النور كي أصلَ إليك.

لا تنسوا تنظيف أسنانكم قبل النوم. تصبحون على خير.