°○.

••  بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ  ••

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصَحبِه ومَن تَبِعَ هُداه، وبعد:

فإنه قد كانَ فُتِحَ عليَّ في سِنٍّ مُبَكِّرَة العِلْمُ بكُتُبِ أهلِ الكتابِ وأخبارِهم، فكنتُ أقرأ فيها وأحمدُ الله على نَعمَةِ القرآن لمَا أجِدُه عندهم مِن تَحرِيف وتَبدِيل.

وكُتُبُهم -أعني المطبوعة المنشورة المشهورة- ليست هي الكُتُبَ التي أنزلها الله -حتى على القولِ بتَحريفِها- وإنما هي كُتُبٌ كَتبُوها بأيديهم دَوَّنُوا فيها تاريخَهم معَ أنبيائهم، وزعموا أنهم إنما كَتبُوها بإلهامٍ مِن اللهِ وتأييدٍ منه، وقالوا: "هيَ مِن عندِ الله" وسَمّوا ما كان منها قبلَ المسيح: «التَّورَاة» وما بعدَه: «الإنْجِيل»، ونَسبُوا فيها إلى الله سُبحانَه وإلى أنبيائه ما لا يَلِيق، فقاتلَهُم الله أنّى يُؤفَكون!

فصَدَقَ فيهم قولُ اللهِ ﷻ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: ٧٩]

إلا أن العالِمَ بصُحُفِهم هذه لا يَخفَى عليه كثيرُ الحَقِّ الذي سُطِّرَ فيها مِمَّا نقلوهُ عن الله وأنبيائه، وقد أعلَمَنا الله ﷻ -بنَصِّ التَّنزِيل- عن إخفائهم أشياء مِن الحَقِّ يَجِدونَها عندهم، ويَضِيقُ المَقامُ عن بَسطِ الآيات.

• ثم إنَّ نصارى العربِ فشت فيهم الأُمِّيَّة، وأكثرهم لا عِلمَ لهم بلُغَةِ الكتاب، ففَسَّرُوه [تَرجَمُوه] لهم إلى العربية، واشتُهِرَت في عَصرِنا تَرجماتٌ أحسبُ أنَّ الدؤلي لو أدركها لفُقِعَت مَرارَتُه؛ فهي مِن أشَدّ ما يكون مِن العُجمَةِ والطُّمطُمانِيَّة! وهي فوقَ هذا مُحَرَّفَة، وليسَ أصحابُها أمناء.

← وإنه مِمّا أنعمَ اللهُ عليَّ به: العِلمُ بِلُغَةِ أهلِ الكتاب، وذلكَ كشفَ لي كثيراً مِن لَعِبِ هؤلاءِ الكَفرَةِ بالنُّصوص، وعَزَمَ ليَ اللهُ فتحَ هذه القناةِ بعدَ أن طلبَ إليَّ بعضُ الفُضَلاءِ الإفادَة، فاستخرتُ اللهَ ﷻ وعَقَدتُ على أَمْرِهَا، فما كان فيها فمِن تَرجَمَتِي أو صِياغَتِي -فليست ترجماتُهم موثوقة-
.

قال الله ﷻ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• وكَتَبَ الفقير إلى عفو ربه:
أبو الأدهم ابن بدران الهاشمي

°○.

● جَهلُ أبي حنيفةَ بالسِّيَر والمَغازِي.

❒- قال محمد بن الحسن بن زياد بن المقري: حدثنا ابن خزيمة -بنيسابور-، عن المزني، عن الشافعي، قال:
.

مَضى أبو يوسف ليَسمَعَ المَغازِي مِن ابن إسحاق أو مِن غَيرِه، فأخَلَّ بمَجلسِ أبي حنيفة أياماً.

فلمّا أتاهُ قال له أبو حنيفة: يا أبا يوسف، مَن كان صاحبُ رايَةِ جالوت؟ [يَقصِدُ الاستهانةَ بالسِّيَر والمَغازِي]

قال له أبو يوسف: إنكَ إِمَامٌ، وإن لمْ تُمْسِك عن هذا سألتُكَ واللهِ على رؤوسِ الملأ: "أيُّمَا كانت أوَّلاً: بدراً أو أحُداً؟" فإنكَ لا تدري أيهما قَبْل!

فأمسكَ عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الجليس الصالح الكافي للمعافى: (صـ٣٩٧)، والجامع لأخلاق الراوي: (جـ٢ صـ١٩٥ ر١٥٩٢).

°○.

● إجماعٌ نَفِيس في الرد على الفَانِيَّة.

❒- قال أبو عمر الطلمنكي: «أجمعَ المسلمونَ على أنَّ الجنة والنار ‌مَخلُوقَتانِ بعد، وعلى أنَّ اللهَ قد أعَدَّهُمَا لأهلهما.

- وكذلكَ أجمَعُوا على أنهما لا تَبِيدَانِ ولا ‌تَفنَيان.

- وأجمَعُوا على أنَّ الجنةَ التي كان فيها آدمُ إلى أن خرجَ عنها هي جنةُ الخُلْدِ التي يَدخُلهَا المؤمنون يوم القيامة.

- فمَن قالَ غير ذلك: فهو داخلٌ في جُملَةِ الزّائِغين».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفات لابن المحب: (جـ١ صـ٢٤٨ ر٤٣٢).
• #عقيدة #الجنة_والنار

°○.

● براءَة عامَّة أهل الجزيرةِ الأندلسية مِن مذاهبِ المُتَكَلِّمينَ إلى أزمنةٍ متأخرِة.

- اعلمْ أنَّ عامَّةَ أهل الأندلس كانوا على مُبايَنةِ أهل الكلامِ والمنطق، وذلك إلى أزمنةٍ متأخرة، خِلافَ قولِ مَن زعمَ أنهم كانوا على عقائد المتكلمين!

• وممن شَهِدَ بهذا الأمر المُتَمَنطِق المُتَزندِق ابن طملوس، وهذا تَلْخِيصٌ لكلامه:

"إنَّ علماءَ الإسلامِ في الأندلس لم يَترُكُوا عِلْماً إلا هَذَّبُوهُ وصَنَّفُوا فيه، إلا صناعةَ المَنْطِق؛ فإنها كانت مرفوضةً عندهم مطروحةً لديهم، لا يُحفَلُ بها، ولا يُلْتَفَتُ إليها، يَنفُرونَ عنها، ويَرمُونَ المُشتَغِلَ بها بالبدعةِ والزندقة، وقد اشتركَ في هذا الأمر عامَّة الناسِ وعلماؤهم.

وجزيرةُ الأندلسِ عندما دخلها المسلمونَ أيامَ بني أمية كانت تحتوي على طوائف مِن العرب، والبرابر، ومُصَالَحُوا النصارى، وكل هؤلاءِ لا عِلْمَ عندهم إلا بما اضطروا إليه مِن أحكامِ الشريعةِ العَمَلِيَّة التي تَلقَّوها عن التابعين وتابعيهم، ولكونِ الناسِ مُحتاجِينَ إليها عَظُمَ حاملوها وجَلَّ مِقدَارُهم، وكانوا عندَ الناس هم العلماء بإطلاق.

ولم يَظهَر للناسِ في الأندلس عِلْمٌ سِوَاه، وكانوا يَعتَقِدُونَ أنَّ عِلْمَهم إنما يأخذونَه عن الأئمةِ عن رسول الله ﷺ عن الله تعالى، فكانت الرِّيَاسَةُ في ذاكَ الزمانِ بهذا العِلْم.

ثم ما لبثَ الناسُ حتى اتَّصَلَ بهم عِلْمُ الكلامِ مِن المشرق، فاعتَقدُوا فيه الكفرَ والزندقة، ولذلكَ قال القحطاني:

… يا أشعَرِيَّةُ يا زَنادِقَةَ الوَرى …

فعَدُّوهُم كُفّاراً وزنادقة، إلا أنَّ بعضهم طالَعُوا عِلْمَ الكلامِ وتَمَهَّرُوا فيه حتى كانوا أئمةَ هذا الشأن، ولكن بقي في نفوسِ أربابِ المسائلِ استِنكارٌ إلى قريبٍ مِن زماننا هذا"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
⑴. مقدمة المدخل لصناعة المنطق.