يؤسفُني أنَّ الخَياراتِ أمامَنا تشملُ ما لم نُرِده، وأنَّ ما أردناهُ فعلًا؛ لم يختَرنا بعد.

- عابِدة كدّور

على هذا الحالِ نحنُ جميعًا يا فريد، نبكي قبلَ أن ننام، لا تصدِّق أنَّ وسادةً ما لا تبلَّلُ قبل النَّوم، أو أنَّ أحدَنا يغفو بمجرَّدِ أن أغمضَ عينَيه. الصُّدورُ ممتلئةٌ يا فريد، مَن لم يبكِ في يقظتِه، بكى في منامِه، أو ركضَ طويلًا طويلا، دون أن يصلَ لأيِّ أرض. الجميعُ هنا يقاتِل، وأنا أخشى بعد قدومِك، أن ترى البقاعَ ساحةَ حرب، وأن تملَّ وأقرانُك سريعًا، كما مللتُ أنا وأقراني ممَّا لم نعتد عليهِ بعد. تصيبُنا دهشةُ الفجيعة، رغمَ معرفتِنا بوقوعِها، لكنَّ قلوبَنا ما زالت تئنُّ وتخشى، من أن تفقدَ عن جديد. وأنتَ يا فريد، كيف حالكَ في البعدِ عنِّي، وقد جالت بيننا مسافاتٌ لا تُطوى، وكبُرت ما بيننا مشاعرُ لا تُكوى، وانقطعتِ السُّبل. وكيف حالُ الوسائدِ في ديارِكم، هل تبلَّلت كليالِينا، أم أنَّ القمرَ ساهرٌ عندكم، يؤنسُ ما تبقَّى؟ تخيَّل، أنا أكتبُ لمن لا أعرفُه، وتتسرَّب الكلماتُ ضمن الرَّسائل، وأخشى يا فريد، أخشى أن تضلَّ العناوينُ عن الهداية، وأن يضيعَ ما أحببتُ إيصالَه إليك، كما ضاعَ ما كان في السَّابق، أو أن يملَّ السَّاعي على الدَّربِ فيغيِّرَ وجهتَه، وأعيشَ أنا، على أملِ الانتظار. الحمدلله على نِعمةِ الليلِ يا فريد، كي يسترَ الواحدُ منَّا أوجاعَه، ويلتحفَ مخاوفَه، وينامَ على قلق، وإلَّا، فأين يذهبُ المنطفِؤون، لو أنَّ الصَّباحَ دائم؟

- عابِدة كدّور

"وليس البؤس في الانطفاء، بل في أنك تتذكر وجهك القديم."

على موعدٍ يا فريد، بأن أقصَّ عليكَ الحَكاوي كلَّها. العباراتُ لا زالت عالقةً في جوفي، تنتظرُ أن يُؤذنَ لها فتخرج. أنا أعرف بأنَّ الأيَّام ما رحمَتنا، وأنَّ الطَّريق تعبَ من الخطاوي، وأنَّنا على قيدِ عقاربِ السَّاعة، التي لا ندركُ متى ستدقّ. أمشي بثِقلٍ قديم، أحملهُ معي حيث حللت، وهنا القضيَّة، لو كان الثِّقلُ جديدًا، لتغيَّرَت نوع معاناتي يا فريد، لكنَّه يكرِّر نفسَه، بكلِّ مرَّةٍ أظنُّ أنِّي نجَوت، يعيدُني الثِّقلُ لقبضةِ قلبٍ قديم، أعرفه، وحفظتُه، وأرحِّب قبل أن يقع، بالخذلانِ الجديد. أتخيَّل الأيَّامَ لو كانت دون رحمةِ الله يا فريد، وأقفُ كلَّ يوم، على حافَّةِ سريري، ومع أذانِ الفجرِ الَّذي يوقظني لأجلهِ أبي، وأطلبُ من الله عونَ مَن لم يعد لديهِ حيلة، وأقفُ على الصَّلاة، أكبِّرُ والهمومُ ورائي، إمامًا مثقَلا، بكلِّ ما قد عانَيت. أدعو كثيرًا كثيرا، حتى أكادُ أذكرُ بائعًا لمحته في الشَّارع، وبقي حِمله مُلقًى على كتفي، ولعلَّ هذا ما يؤرِّق مضجَعيَ وهدأةَ نَومي، أنِّي أرى جبر الخواطرِ واجبًا عليّ، لكن لا أستطيع. يؤلمني عجزيَ عن إزاحةِ همِّ كلِّ ذي قلب، وأعلم بأنَّني أكثر عجزًا عن إزاحةِ همِّ قلبي، لذا تراني أبحثُ عن حلولٍ لهُنا وهناك، وأدفن في ثرى نفسي مشكلَتي. فريد، أن يكونَ الأحبَّةُ بخير، هذا ما أريد، وأن أخبرَك عن حواراتِ الليلِ التي لا تنتهي، والشُّهب الَّذي أنتظرُه كي يمرَّ ولا يمرّ، وعَيني الَّتي طُرِحَت صفحةً على الغَيم، والأسماء.. آهٍ من الأسماء، شيءٌ ما ضاه في الهويَّة، كلٌّ يُكَنَّى بوجعِه، يخفيهِ أم لا يخفيه، لكنَّه دون إدراكٍ يُنادى: يا صاحبَ الصَّبرِ الطَّويل.

- عابِدة كدُّور

"يمكنك التقوّس على نفسك كجنين، ولكن العالم لن يتحول إلى رحم أم."

مسا الخير
عملت شاورما
بنكهة البؤس

لم أبحث يومًا عن شيء مثالي، كلّ ما أردته هو شخص أعود إليه دائمًا وأنا منهك، كالرجوع للديار.

- أحمد خالد توفيق

"ليس ثمة أسوأ مِن أن تكون مهدورًا في وجود لا يشبهك، مِن أن تكون محاطًا بغربة عميقة في الرّوح، ببرد داخلي لا ينفك عن تذكيرك بأنّك لا تنتمي إلى شيء أبدًا.."

القارئ: فايح الحارثي _ رحمه الله_

لا تقرأيني من خلال ملامحي
إن الملامح لا تضيء صفاتي
بي كبرياء الآلفين جراحهم
والمثقلين بحكمة السنوات
الجالسين على رماد قلوبهم
والواقفين بحافة المأساة
الهابطين إلى جحيم نفوسهم
والصاعدين إلى اكتشاف الذات
السائرين إلى بعيد بعيدهم
والمبحرين بغير طوق نجاة
نحن - الصباحيّين - عشاق المسا
نختار نصف الضوء والعتمات
نأوي إلى دمع يخص عيوننا
وإلى ابتسام ساطع القسمات
لا تقرأيني من خلال ملامحي
إن الملامح كذبة المرآة

- أحمد بخيت