من السمات البارزة في ظاهرة الغلو في الوقت الراهن، التعالم والغرور، وادعاء العلم في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بدهيات العلم الشرعي، والأحكام وقواعد الدين، أو قد يكون عنده علم قليل بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ورأي سديد، ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين، فيستقل بغروره عن العلماء، عن مواصلة طلب العلم فيهلك بغروره ويُهلك. وهكذا كان الخوارج الأولون يدعون العلم والاجتهاد.

وإلزامهم بما لا يلزمهم به الشرع (السهل)، وعدم مراعاة قدراتهم وتفاوتها، وطاقاتهم و(استطاعتهم)، وتباينها، (وأفهامهم واختلافها،) فيخاطبونهم بما لا يفهمون، ويطالبونهم بما لا يستطيعون. ومن أسباب التعسير: الورع الفاسد، والجهل بمراتب الأحكام، والجهل بمراتب الناس، وأما مجالاته وصوره وأشكاله، إيجاب النظر والاستدلال على الجميع، وتحديث الناس بما لا يعرفون، وترك الرخص والإلزام بما لم يلزم به الشرع.

من مظاهر الغلو في هذا العصر: الخروج عن منهج الاعتدال في الدين، الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". والتشدد في الدين كثيراً ما ينشأ عن قلة الفقه في الدين، وهما من أبرز سمات الخوارج، أعني التشدد في الدين وقلة الفقه، وأغلب الذين ينزعون إلى خصال الخوارج اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين. ومن مظاهر الغلو التعسير وترك التيسير، مطالبة الناس بما لا يطيقون.

فالواجب على المكلّف الحذر والتوسط في الأمور، والحذر من الميل إلى غلو وإطراء، أو إلى جفاء وتفريط، وهذا هو الحقّ

‏﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾

?ﻻ ﺗﻐﺮُﻧّﻜُﻢ ﺻﻔﺤَﺘِﻲ ﻭﻛﺘﺎﺑﺎﺗِﻬَﺎ ، ﻭﻻ ﻣﻨﺸُﻮﺭَﺍﺗِﻲ ﻭﻛﺜﺮَﺓِ ﺍﻟﻤﻮﺍﻋِﻆ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋِﺪِ ??

ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻲَ ﺗﺬﻛﺮﺓ ﻟﻨﻔﺴِﻲ ﻗﺒﻠﻜُﻢْ ، ﻓَـﺄﻧﺎ ﺃﻭّﻝ ﺍﻟﻤُﻘﺼّﺮﻳﻦَ ، ﻭﺃﻭّﻝ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ ﻟِـﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﻋﻆ ?

ﻭﻟﻮ ﺃﻧّﻲ ﺃﺣﻔَﻆُ ﻭﺃﻃﺒّﻖُ ﻛُﻞّ ﻣﺎ ﺃﻛﺘُﺐُ ، ﻷﺻﺒﺤْﺖُ ﻣﻦ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻌﻠﻢِ ﻭﺧﺎﺻّﺘِﻬﻢْ!،

ﺃﻧﺎ ﻓﻘﻂ ﺃﺣﺎﻭِﻝُ ، ﻭﺃﺟﺎﻫﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﻌﺖُ ، ﻭﻻﺯﻟﺖُ ﻓِﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔِ ﺍﻟﻄّﺮِﻳﻖِ . .
ﺃﺗﺬﺑﺬَﺏُ ﺑﻴﻦ ﻓﺘُﻮﺭٍ ﻭﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔٍ . .
ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻗﻮﻝُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴِﻲ: ﻟﻌﻞّ ﺍﻟﻠّٰـه ﻳﻘﺒِﺾُ ﺭُﻭﺣِﻲ ، ﻓَـﺄﺟِﺪُ ﻣﺎ ﻛﺘﺒْﺖُ ﺻﺪﻗﺔً ﺟﺎﺭﻳَﺔً . .
ﻗﺪ ﺗﻨﻔﻊ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺃﻭ ﻗﺪ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬَﺎ ﺁﺧﺮ ، ﻭﻟْـﻨﺘﺬﻛّﺮ ﺩﺍﺋِﻤﺎً ﺑﺄﻥّ ﺣﺴﺎﺑﻨَﺎ ﻓِﻲ ﺃﻱّ ﺑﺮﻧﺎﻣَﺞٍ ﺟﺰﺀٌ ﻣﻦ ﺻﺤِﻴﻔﺘِﻨﺎ . .
ﻓﻼ ﻧﺘﻬَﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮِ ، ﻭﻻ ﻧﺘﺴَﺎﻫﻞ ، ﻭﻧﺘﺮُﻙ ﺧﻠﻔَﻨَﺎ ﺫﻧُﻮﺑﺎً ﺟﺎﺭيةً ، ﺗﻬﻮى ﺑﻨَﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺓِ ﻭﺍﻟﺨُﺬﻻﻥِ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫُ باللّٰـه . . ?
كلنا مقصرون مذنبون نطلب من الله الستر والهداية والعفو والعافية.
اللهُمَّ اهدِنا واهدِ بِنا واجعلنَا سَبباً لِمَن اهتَدى .. ?

لن تتيسر أمورك إلا بطاعة ربك .

فلن يجد الراحة من ضيع صلاته، ولن يجد السعادة من عق والديه، ولن يجد التوفيق من ترك الدعاء، ولن يجد أحد البركة إن ترك القرآن، ولن يجد أحد الحلال إن انتهك حرمات الله .

استقم لله كما أمرك، يرزقك حينها الفلاح والتوفيق والسداد، وانشراح الصدر وسعادة قلب .

لا تجعل هذا القلب يتعلق بأمور زائلة، لا تعلقه بالدنيا وزينتها، علقه بربه، حينها لا يضيق ولا يصيبه الهم والغم، ولا يتحسر على شي زائل، بل تجده دائمًا فرح مسرور لعلمه بما عند ربه من نعيم في الجنة .

وكما ورد في الحديث : فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر .

أكثروا من الصلاة ومن الصيام وقراءة القرآن والناس نيام، وبر والديكم وصلوا أرحامكم ومن له حقٌ عليكم .

ادفعوا بالتي هي أحسن واعفوا واصفحوا، تغافلوا وتجاوزوا الزلات واتركوا الشحناء والبغضاء، والغيبة والنميمة وخالقوا الناس بخلق حسن، لا تجرحوا أحدًا بكلامكم ولا تعيروا أحدًا بذنبه، ولا تستحقروا أحدًا من الناس، فلا فرق بيننا إلا بالتقوى والعمل الصالح .

وكما قال تعالى :
" يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ".

فتحلُّوا بالتواضع والحكمة في أقوالكم وأفعالكم، اجبروا القلوب ما استطعتم، واعدلوا في كل أموركم وإياكم والظلم إياكم والظلم، واخلصوا أعمالكم وإياكم ومنكرات الأخلاق .

واتقوا الله في السر والعلانية، فالتقوى التقوى يا غاليات
وكما قيل : من غير تقوى لن تقوى .

صاحبوا الأخيار واتركوا الأشرار، فالصاحب كما قيل ساحب .

استغلوا نعمة هذه المواقع في الخير، فإنها سلاحٌ ذو حدين .

وجعل الله ألسنتنا عامرة بذكره، وقلوبنا بخشيته، وأسرارنا بطاعته .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .