قناة احمد علي على تيليجرام ( شروحات تقنية ، تطبيقات ، أفلام ومسلسلات ، خلفيات ، و المزيد )
Last updated 4 weeks, 1 day ago
يرمز تيليجرام إلى الحريّة والخصوصيّة ويحوي العديد من المزايا سهلة الاستخدام.
Last updated 1 day ago
- بوت الإعلانات: 🔚 @FEFBOT -
- هناك طرق يجب ان تسلكها بمفردك لا اصدقاء، لا عائلة، ولا حتى شريك، فقط انت.
My Tragedy Lies With Those Things That Happen in One Second And Remain
- @NNEEN // 🔚: للأعلانات المدفوعة -
Last updated 3 weeks ago
لو كان في عمري امتداد كامتداد بحر عكا الكبير أمام الناظرين..
ولو كان الحال غير الحال، والقلب غير القلب؛ لكتبتُ حاشية على السيرة الذاتية البديعة للشاعر العربي محمود درويش، التي سماها "في حضرة الغياب"، ولا يقل نثرُه عن شعره بل ربّما فاقه، فقد حشد فيها رموزا كثيرة لأشياء من واقع الحياة، من واقع البلاد والهزيمة، والحاضر والتاريخ، والحرب والسياسة وغير ذلك..
انظر إليه يقول: "ولا تندم على حربٍ أنضجتْكَ كما يُنضج آبُ أكواز الرمّان على منحدرات الجبال المنهوبة".
يريد – والله أعلم – منحدرات جبال صفورية، إحدى أكبر قرى الجليل المهجّرة، التي اشتهرت بالرمّان وكانت عامرة به قبل النكبة.
ويقول: "وحين تصحو لا تندم لأنّك كنت تحلم، ولم تسأل أحدًا: هل أنت من القراصنة؟ لكنّ أحدًا ما سيسألك: هل أنت من القراصنة؟ فكيف تزوّد البديهة بالوثائق والبنادق، وفيها ما يكفيها من محاريث خشبية، وجرارٍ من فخّار، وفيها زيت يضيء وإنْ لم تمسسه نار، وقرآن، وجدائل من فلفل وبامية، وحصان لا يحارب".
يريد الصهاينةَ الذين بدأوا بالتوافد إلى فلسطين بنيّة أخذِها، وهم أنفسهم سيسألونه – بعد احتلال البلاد عام 1948 - هو وآلاف غيره من الذين حاولوا الرجوع إلى فلسطين بُعيد النكبة: هل أنت من القراصنة؟ أي: هل أنت متسلل "غير شرعي" تريد العودة إلى منزلك؟! عاد درويش متسللا من لبنان مع أسرته وهو طفلٌ صغير، فوجدوا بلدتهم "البِرْوَة" حطامًا، فانتقلوا للعيش – متسلّلين مستخفين – إلى بلدة دير الأسد التي تبعد عنها مسافة قليلة.
ويشير درويش إلى مسألة مهمة: وهي سخافة تلك المحاولات التي تحاول إثبات أحقّيتنا بفلسطين من خلال الدلائل التاريخية، سواء كانت موغلة في التاريخ أو بريطانية المذاق! فما كان فيها وما زال من حياة حاضرة تعجّ بنا وبأشيائنا وبثقافتنا وحضارتنا ورموزها كافٍ، وهو "البديهة" التي لا تحتاج إلى دلائل!
ويقول عن أهل البلاد قبل التهجير: "وكانوا شجعانًا بلا سيوف، وعفويين بلا بلاغة، فانكسروا أمام الدبابات، وهُجّروا وبُعثروا في مهبّ الريح، دون أن يفقدوا إيمانهم بالشفاء من جرح التاريخ".
يريد ضعفنا المادي والدبلوماسي، كنا ضعفاء حقّا، لا نملك جيشا مدجّجًا بأحدث الأسلحة، ولا مشروعًا سياسيّا يرعاه دبلوماسيون حاذقون كما كان لدى الآخرين.
ويقول: "وبحثْنا عن علَمنا الوطنيّ، فأرشدنا بُعدنا القوميّ إلى بيت الشعر إيّاه، الذي أغدق على الألوان الأربعة أوصافًا قد تجافي الموصوف، ولكنّها تهيّج الحماسة".
يريد بيت صفيّ الدين الحلّي في قصيدته الرائعة عن معركة زوراء العراق ضدّ المغول:
بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا .. خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا
وهي الألوان التي شكّلت علم الثورة العربية الكبرى ثم علم فلسطين مع اختلاف في ترتيب الألوان. لكن هل العلم مستوحى فعلا من هذا البيت؟ ثمة معلومات تاريخية تتحدث عن رسمه بالتعاون مع شخصيات بريطانية، والموضوع يستحق البحث.
أراد درويش من نصّه أشياء، وأردتُ أنا أشياء في تأويلاتي له..
ولكنْ ما الذي نريده نحن في هذه الورطة التاريخية التي نعيشها؟
هل أقول: في هذا الذلّ؟ في هذه الخيمة التاريخية التي ملأتها ثقوب الوهن بماء الهزيمة؟!
ماذا فعلنا نحن المتنعّمون في عواصم هذا العالم الخربة؟
نحن الذين نتأفف من بللٍ قليل يلامس أجسادَنا حين يَزخُّ علينا الشتاء في الطرقات..
نعتذر لأمّهاتنا الصابرات في الخيام عن خطيئة وهْننا وهواننا.. ثم نمضي بوجوه متمعّرة مدركين أننا لم نفعل شيئا، ولكنّا نحاول إقناع ضمائرنا بأنّا عاجزون، وأنّ استياءنا كافٍ، وأنّ الحياة ستمضي رغم كل شيء..
بيد أنّ المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان لا ينفق عمره في شيء لا يرضي الله، ولا يسعى في مساعي اللهو والغفلة والفساد، ولا يضع الدنيا أمام ناظريه فيسعى إليها وهو يدرك في قراره قلبه أنّ هذا كان مبتدأ سقوطنا!
المعتذر عن خطيئة الوهن والهوان حين يرى رأس أمّته منكّسًا في التراب يهبّ لرفعه وليمسح عنه وحل الهزيمة والسفول، ولا يطؤه بقدميه وهو يزعم أنّه يبكي تأسّفًا عليه!
فماذا فعلنا نحن الذين تمعّرت وجوهنا لله – كما نزعم – كي نخرج من مستنقع نكساتنا ونكباتنا؟!
يقول الشيخ الفاضل: لم أجد أسبق من النبيّ صلى الله عليه وسلّم في إعطائه مكانة للمرأة.
أتدرون أين المشكلة؟
المشكلة ليست في النصوص التي سيحشدها من أراد لتعزيز هذا الموقف، ولا في القناعة بأنّ المنهج النبوي المحمّدي هو المنهج الأسمى في معاملة الخَلْق جميعًا بما فيهم النساء، فهذا ما أدين الله به.
المشكلة أنه تورّط باللجوء إلى النصوص الشرعية بمنظار غربي، أي أنّه حمل مفاهيم هذا العصر الغربية المركزية، ونظر من خلالها إلى نصوص الشريعة والسيرة.
مفهوم "تعزيز مكانة المرأة" مفهوم غربي بامتياز، له سياقاته التاريخية والدينية والفلسفية المعروفة لدارسي التاريخ الأوروبي، وحين نتّخذه مجهرًا نرصد من خلاله الشريعة والتراث لا يغدو مجرّد قالب أو مصطلح محايد نملؤه بمحتوانا الشرعي كما يظنّ بعض المتشرّعين، بل يصبح فاعلا ومؤثّرا في توجيه رؤانا وصياغة أهدافنا في الدعوة والكتابة والتنظير.
ومن طريف ما طالعتُ في كتب المتقدّمين قول الحكيم الترمذي في مقدّمة كتابه "الأكياس والمغترّون" (ونسبه الغزالي خطأً إلى محمد بن علي الكتاني في بدايات الإحياء)، حيث قال الحكيم: "الحمد لله وليّ الحمد وأهله. أمّا بعد، فإنّا وجدنا دين الله مبنيًّا على ثلاثة أركان: على الحقّ والعدل والصدق؛ فالحقّ على الجوارح، والعدل على القلوب، والصدقُ على العقول".
وبصرف النّظر عن موافقتنا للحكيم أو مخالفته في ذلك، ولكنّ الفكرة أنّه "نظر في دين الله" – كما قال - بغير منظار غربي أوروبي يرى فيه الدين قائمًا على العدالة والحرّية والمساواة كما نَظّر بعض المسلمين في هذا العصر!
وانظروا إلى مفردة "الصدق" في كلام الحكيم، هل فكّر أحد اليوم من أولئك المتحدّثين في مقاصد الدين وغاياته العظمى فأدرجوا فيها غايات الثورة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية.. هل فكّروا في قيمة الصدق باعتبارها قيمة تميّز هذا الدين وغاية عظمى ينشد تحقيقها السالكون فيه؟!
ولا شكّ أنّ الحكيم الترمذي وكل كاتب متأثرٌ بثقافة عصره غيرُ قادر على الاستقراء المجرّد، فلا وجود لإنسان مجرّد عن ملابسات بيئته وثقافته.. ولكنْ ثمّة فرق بين من يكون الميراث الشرعي واللغوي هو المحرّك الأساسي لاستقرائه، وبين من يكون استقراؤه نابعًا من مؤثّرات حديثة ودوافع واضحة في تقديم الدين متصالحًا مع ثقافة العصر الجاهلية بطابعها، وتلك أسوأ رسالة نقدّمها عن هذا الدين!
ووردَ عليّ كتابك يا أخي، وكتابٌ بعد كتاب، ووكّدتَ في ذكر عيوب النفس في باب المعرفة. فإنْ قدرتَ يا أخي ألّا تشتغلَ بذكر العيوب - وكلّ هذا سوى الله تعالى - فافعل؛ فإنّ لله عبادًا عرفوه معرفةً وأنكروا كلَّ شيءٍ دونه، واتّقوا من ذكر النفس وخافوه، فكأنّهم إذا ابتُلوا بذِكرها تَدور بأحدهم معدته حتى يكاد يقيء!
وكيف يقدر مَن جال في بساتين الورد والياسمين والنسرين أن يرتع في بقاع الشوك؟! أم كيف يقدر من صار ذكر الجليل له غذاءً أن يستمع إلى ذِكر غيره؟!
العلم بالله، والمعرفة لله، والعقل عن الله: مَن حَوى هذه الثلاث حَيِيَ قلبُه بالله تعالى، ونعم بالُه، وطابَ روحُه، وصحّتْ عبودته، وظفر بالحرّية من رِقّ نفسِه، وعلتْ رتبته، وبرزتْ منزلته، وسادَ أشكالَه، وكرم على مولاه، ونال منه فوق أمله في العاجل والآجل.
(من رسالة لأبي عبد الله الحكيم الترمذي إلى أبي عثمان النيسابوري، أحد أكبر شيوخ الملامتية في عصره)
من المعضلات الكبيرة والأمراض الخطيرة التي تقف حائلًا أمام نهضة هذه الأمة كما يرى الشيخ الأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله ما يسمّيه "الشخصية الإيحائية"، وألخّص لكم بشيء من التصرّف بالعبارة ما قاله في سلسلة صوتيّة قدّمها في تسعينيات القرن الماضي.
قال رحمه الله: إنّ خامة الأخلاقيات العامة في المجتمعات الإسلامية الحالية رديئة، يتأثر فيها الإنسان بالإيحاء، ويرى أنّ هذا يعود إلى عناصر عديدة تراكمت عبر مدة طويلة من الاغتراب واللامبالاة والخضوع للحكام وعدم الرغبة في التغيير والاستخفاف {فاستخفّ قومَه فأطاعوه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} والإذلال طويل المدى والبُعد عن المشاركة والاستبداد بالحكم.
وقال إنّ الناس في مصر ظلّوا مدّة طويلة مثلا يصدّقون بأنّ الملك فاروق يأتي بأربعة ديوك رومي تُضغَط له حتى يأخذها في فنجان شوربة!
وقال إنّ هذا المثال وغيره سببه أنّ الشخصية "إيحائية"، تسير بروح القطيع وليس بروح الفريق، يفكّر المرء بعقل جمعي، ولذلك قال الله تعالى: {قلْ إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مَثنى وفُرادى ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم مِن جِنّة إنْ هو إلّا نذير لكم بين يدَي عذابٍ شديد} كي يبعدهم عن عقلية القطيع والعقل الجمعي الذي يفكّر بالإيحاء أو يتأثر بالإيحاء دون أن يفكّر في صحّة التوجّه الذي هو ذاهبٌ إليه؛ هل هو صحيح أم خطأ؟ فهو يسير مع القطيع ملغيًا عقلَه، كالبغل يركب القضيب ويُسحب منه فيسير ولا يعرف إلى أين يذهب!
يستمر الشيخ موضّحا: قد يكون له عقل وذكاء، ولكن لا يقوم بتشغيله لأنّه تربّى على سياسة القطيع والإيحاء، يأتي إليه أحد ويهيّجه بكلمتين كأنْ يقول: يا جماعة.. إلخ.. فيسير خلفه. وإذا أراد أن يقول كلاما مخالفا لهذا التوجّه الذي سارت به الجماعة فإنّ الباقين سينزعجون منه، وهو لا يريد أن يُغضب أحدًا، فيسير معهم.
ويستطرد الشيخ في الحديث عن "الحرمان العاطفي" وعدم استقرار الأسرة وما ولّده من إغراق عاطفي ضمن الجماعات الإسلامية وخوف الفرد من الحرمان من هذا الإغراق فينصاع للتيّار.
لكنّ الفكرة أنني عدت إلى كلام الشيخ رحمه الله هذا حديثًا (وكنت قد سمعته منذ سنوات طويلة) حين شعرت في الآونة الأخيرة بشدّة "تأثير الإيحاء" هذا، ووجدت شواهد له عبر شهور طويلة في أكثر من موقف، وأيقنت بشدّة أنّ هذا المرض يحتاج إلى معالجة كثيفة وإلى توارد المعالجات من أكثر من جهة وبأكثر من أسلوب، فهو عائق كبير أمام أي تفكير حكيم وجاد، ووجدتُ من سماته التي تعيش بيننا أن النّاس تقتنع بما يروي رغباتها وعواطفها، فالأطروحة التي تقدّم لها مستقبلًا مزهرًا أو نصرًا أو بشريات قريبة غير واقعية تلقى رواجًا لما تصادفه من رغبات في نفوس الناس، لا بما تقدّمه من مستندات شرعية أو واقعية!
بل وجدت الكثير من الباحثين يتوجّهون إلى كتاب الله وإلى السنّة النبوية وإلى السيرة بروح "إيحائية" إن جاز التعبير، تبحث عمّا يُرضي العاطفة الجمعية أكثر مما تبحث عمّا يصلح عقول الناس وقلوبهم وسلوكهم.
والحديث يطول في هذا الباب، ولعلي أنشط قريبًا للكتابة فيه بتفصيل أكثر، والله الموفق.
من مظاهر ازدواجية معاييرنا أننا نبذل كل جهد في محاولة نفي وجود شعب يهودي، ونردد السرديات اليسارية الغربية حول اختراع الصهيونية المسيحية لفكرة الدولة اليهودية وأنها لم تكن موجودة في الدين اليهودي (وهو طرح مغلوط)، ونستشهد بكتابات شلومو زاند حول "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل"..
لكنْ حاولْ أن تخبر أحد هؤلاء بأنّ الشعب الفلسطيني شعب مخترع، وأنّ الدولة الفلسطينية لم تكن يومًا موجودة، وأنّ بريطانيا هي التي اخترعتها.. سيحدّثك الأخ عن "الأمر الواقع"، وسيجلب لك شواهد غير ذات صلة من النصوص الدينية ليثبت أصالة الهوية الفلسطينية!
إذا كانت القضية قضية "أمر واقع" فلا حاجة لكلّ هذا التنظير، وإذا تبنّينا نوعا من التنظير فعلينا الالتزام بمقتضياته سواء كان في صالحنا أو ليس في صالحنا، فالحقيقة دائما في صالحنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}.
قل لي يا أخي ما نفع علمك إذا كنت تفخر بطاغيةٍ عدوٍّ للمسلمين أو تعترف بشرعيّته الساقطة أو لا تبالي بمدحه؟!
العلم قبل كل شيء مواقف أخلاقية، فإذا كنت لا أستسيغ أخذ العلم عن رجل ممتلئ بالعلم النظريّ ولكنّه قليل المروءة فاحش الخلق بذيء اللسان، فلا آخذه أيضًا عن موالٍ للطغاة المجرمين، مزيّنٍ لهم في عيون النّاس ولو بشطر كلمة.
من أخطر ما تمرّ به الأمة اليوم أنّ أوضاعها السياسية – الناظمة لأوضاعها الأخلاقية والتشريعية – ليست بيدها، ومن أوجب الواجبات على العلماء؛ أولي الأمر الذين يُرتجى منهم قيادة الأمّة إلى برّ الأمان، أن يساهموا في تغيير هذه الأوضاع لتكون في يد الصالحين من أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، كي يستضيء الناس بأنوار العلم بعد إزالة أثقال الظلمة التي تنخر عقولهم وقلوبهم في النظام التعليمي والإعلامي والتشريعي والاقتصادي وغيرها، وكلّها بيد الدولة.
فكيف إذا كان العالم أحد أدوات السلطة الفاسدة المفسدة أو أحد المصفّقين لها أو المزيّنين لها في عقول النّاس؟!
نلقاكم غدا في السادسة بإذن الله
التغريبة الغزاوية الحالية هي أسوأ أنواع التغريبات، وتعبّر عن الحضيض الذي بلغته هذه "الحضارة" المهيمنة على العالم اليوم.
في كل التغريبات يفرّ الناس من مناطق الحروب والقتل والقصف إلى مناطق آمنة، يسيحون في البلدان المختلفة أو في البلد نفسه الذي يكون كبيرا فيتسنّى لهم العثور على "مناطق آمنة" بعيدة عن القتل والقصف..
لكنّ أهل قطاع غزة وحدهم محشورون منذ عقود في هذا السجن الضيّق الذي يسمّى "قطاع غزة"، ونحو ثلثيهم مهجّرون إليه من مناطق أخرى في فلسطين! ومنذ عشرة أشهر وهم يتحرّكون فيه من شماله إلى وسطه وجنوبه وأحيانا العكس دون قدرة على الانسياح في أرض الله الواسعة، ولم يخرج من القطاع سوى مائة ألف أو يزيدون قليلا، وبصعوبة بالغة ومبالغ خيالية يفرضها تجار الحرب الجشعون!
كما لم تحدث هذه التغريبة بتكتّم وتعتيم إعلامي، بل بالبثّ المباشر ونقلٍ رديف كثيف لمواقع التواصل، ومتابعات يومية للخسائر البشرية والعمرانية، على مرأى ومسمع العالم المتحضّر منذ عشرة أشهر، لا يقدر أحدٌ على إيقافها أو لا يريد أحدٌ إيقافها!
هل نقول "جحيم غزة"؟
لا نقول إلّا ما يرضي الله، ونقول: تفرّجوا على هذا العالم المريض المأزوم ومآلات حضارته الوغدة.. ولا تتفرّجوا على أهل غزة فهم ليسوا "فرجة" لكم!
العالم مريض محتاج إلى الشفاء المحمّدي، وكلامه صلّى الله عليه وسلّم هو العلم الذي فيه حياة القلوب، اللهم أعنّا على تدارس كتابك وسنّة نبيّك عليه أفضل الصلاة والتسليم.
لا ينبغي لمسلم عاقلٍ أن يخلط على النّاس مرجعيّاتهم، فيحدّثهم عن "واجبٍ وطني" يزاحم الواجب الشرعي، ثم يتفلسف في جعل الوطني مأطورًا بالشرعي، عوضًا عن إرشاد النّاس إلى المعين الصافي، إلى المحجّة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وكأنّ خطاب الشريعة لا يكفي مرجعًا حتى نستحدث – متأثّرين بالخطابات القومية الغربية – مرجعيّات جديدة عمياءَ إنْ فركتَها لم يعلق في يدكَ شيءٌ من القيم والأخلاق!
وكذلك الأمر مَن يوجّه النّاس إلى التخلّق بمكارم أخلاق العرب الجاهليين التي ظهرت في آدابهم وأشعارهم، فإنّما بُعث نبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم ليتمّمَ مكارم الأخلاق، وما وُجد عند العرب من مكارم الأخلاق فهو ناقص لا محالة، لأنّه لم يكن مرتبطًا بالوحي والتوحيد، وإذا أشدنا بشيء منه فهو نظرًا إلى عدم اتّصالهم بالوحي والنبوات، فأمّا وقد أكرمنا الله بالإسلام وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذقنا المنبع الصافي الذي يغني عمّن سواه، وارتوينا بالأخلاق المحمّدية المصطفاة.
فإذا أراد أحدنا التوجيه فليوجّه إلى مكارم الأخلاق والحكمة التي في الكتاب والسنّة، وهي غزيرة عالية لا يدانيها في هذه الدنيا كلام. فإنْ أراد التوسّع والاستئناس فليطرُق آثار الصالحين من السلف في القرون الثلاثة المفضّلة الأولى، فإنّ فيها من المكارم وتطبيق ما في الكتاب والسنّة والمحاسن ما لا يوجد عند أمّة من الأمم، ولا يبلغ ما كان عند العرب في جميع قرونهم الجاهلية عشر معشاره، فإذا أراد المزيد من مكارم الأخلاق في صورة الأدب الجميل فعليه بآداب الصالحين والتائبين والعابدين والزاهدين من فحول الأدب والعربية، ودواوينُ الإسلام مغمورة بها.
أمّا أن يوجَّه إلى شعر العرب الجاهليين منبعًا للامتلاء بمكارم الأخلاق فهو مسلَكٌ غير قويم، وإنما تُدرس هذه الأشعار في سياق الأدب لتقويم اللسان ومعرفة الثقافة العربية وطرائق العرب في تعبيرهم وتصويرهم؛ لِما في ذلك من أهمية لكلّ متعلّم لدين الله، فبها يتوغّل في معرفة العربية، وبمعرفتها تُعرف فضائل الرسالة ويُفهم كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتقارَن مضامينُها ومكارمها الدنيا بمكارم الإسلام العالية.
وأُمثّلُ لذلك بقول حاتمٍ الطائي:
أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِكٍ .. وَيا اِبنَةَ ذي البُردَينِ وَالفَرَسِ الوَردِ
إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ .. أَكيلًا فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي
أَخًا طارِقًا أَو جارَ بَيتٍ فَإِنَّني .. أَخافُ مَذَمّاتِ الأَحاديثِ مِن بَعدي
فأنت قد تجد هنا بادي الرأي نُبلًا ومروءةً، ولكنّك حين تمعنُ النَّظرَ تجد أنّ الرجل المشهور بكرم أخلاقه وسخائه عند العرب قبل الإسلام كان يخاف "مذمّات الأحاديث"، فهو يخاف النّاس، وخُلقه النبيل هذا مرتبط بالنّاس لا بالله وحده، فهو خُلق "ناقص" جاء الوحي ليتمّمه وليصل هذه الأخلاق النبيلة بالله سبحانه، ويسبلَ عليها قيمة الإخلاص، ويمسحَ عنها الرياء وخوف النّاس.
أما الأخلاق العالية الصافية الحقيقة بالاقتداء في هذا الباب فتجدها في مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9). فالذي نزلت فيه هذه الآية من الأنصار لم يفعل ذلك مخافة النّاس أو رياءً بل حبّا لله، فأين الثرى من الثريّا؟ ومن ذاق الماء العذب الزلال لِمَ يشرب من الماء الموحل الملوّث؟!
وهكذا الأمر في سائر أخلاق العرب الجاهليين، فإذا وجدنا لهم مكرمة في حقّ المرأة طغتْ عليها مفاسد أخلاقية ومظالم كثيرة في حقّها، وإذا تلمّسنا لهم رذاذَ حكمة باهتةٍ في الموت، وجدنا الغالب عليهم فساد الاعتقاد والسلوك فيما يخصّ هذا الباب. ولهذا فلا مناص من نفي آدابهم عن أن تكون مرجعًا للتخلّق بمكارم الأخلاق، بل تكون للزاد الأدبي على النحو الذي ذكرنا، وموضعًا للاعتبار حين تقارَن بأخلاق الوحي السامية العالية التي أَخرجتْ {خيرَ أُمّةٍ أُخرجتْ للنّاس}.
ولنا في كتاب الله تعالى خير نصيحة: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 224-227).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "أصدق بيت قاله الشاعر: ألا كلّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ" (صحيح البخاري).
قناة احمد علي على تيليجرام ( شروحات تقنية ، تطبيقات ، أفلام ومسلسلات ، خلفيات ، و المزيد )
Last updated 4 weeks, 1 day ago
يرمز تيليجرام إلى الحريّة والخصوصيّة ويحوي العديد من المزايا سهلة الاستخدام.
Last updated 1 day ago
- بوت الإعلانات: 🔚 @FEFBOT -
- هناك طرق يجب ان تسلكها بمفردك لا اصدقاء، لا عائلة، ولا حتى شريك، فقط انت.
My Tragedy Lies With Those Things That Happen in One Second And Remain
- @NNEEN // 🔚: للأعلانات المدفوعة -
Last updated 3 weeks ago