سينشر رابط المحاضرة مسجلة لاحقا

تذكير بمحاضرة ندوة التفسير اليوم

? غادرنا مكة المكرمة بعد الظهر، وأنا أردد أبياتًا سابقة لي مطلعها:
اتركوني في أرض مكة يومًا ...
أغسل الهم عن فؤادي الحزينِ
وذهبنا إلى عروس البحر الأحمر جدة، ولم أزرها منذ سنوات، ولنا فيها أحباب وأصحاب... تجولنا في جدة القديمة التي كانت داخل السور، وزرنا بيت الوجيه محمد نصيف، وهو الآن متحف، وفي بابه شجرة معمرة قيل: لم يكن في جدة سواها، وصلينا العشاء في مسجد الشافعي، وهو من أقدم المساجد فيها، ورأينا بعض أبوابها كباب جديد، وجلسنا في بيت الكتّاب لتناول عصائر محلية، وهو بيت تراثي كان زاوية، والعناية بتراث المدينة كبيرة، وعبق المدن العتيقة ظاهر فيها، ولجدة تاريخ واسع... وزرنا بعض العلماء الأجلاء المقيمين فيها، وأخيرًا كان العشاء في "مندي ورد"... وعدنا إلى الفندق وقد امتلأتْ نفوسنا ببخور الماضي، وعطر الحاضر.
يوم السبت ٩/ ١١/ ٢٠٢٤

?يقال:
مكة رمضان، والمدينة العيد.
مكة تطهير، والمدينة تعطير.
مكة جلال، والمدينة جمال.
مكة تشذيب، والمدينة تهذيب.
وللجلال السيوطي: "الحجج المُبينة في التفضيل بين مكة والمدينة".
كنا قرأناه في مجلس في مكة المكرمة.

وصلنا عشية الخميس إلى مكة المكرمة والحمد لله على نعم لا تعد ولا تحصى.

? لم أر زحامًا في المدينة النبوية المنورة كما رأيتُ هذه الأيام، كأنها في موسم الحج، وحين يؤذن للصلاة ترى حشود الناس من كل وجهة، وبعد الصلاة يتوجه الكثيرون للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفوف مكتظة طويلة جدا على امتداد واسع، يحدوهم الشوق والحنين، وبلُّ غليل الحب للجناب الكريم...
ما الذي جاء بمئات الألوف هذه من الرجال والنساء؟ ما الذي جعلهم ينفقون هذا الإنفاق بهذا السخاء؟ لم جاؤوا بأولادهم حتى الصغار؟
إنه الإيمان والتصديق واليقين بحقية هذا الدين...
وها هم المسلمون المعتصمون بكتاب ربهم، المرتبطون بنبيهم الأكرم صلى الله عليه وسلم يضربون بعرض الحائط كل دعاوى الشبهات، ودواعي الشهوات.

? لا تحصى فوائد زيارة الحرمين، ففي كل بقعة بارقة توقد الإيمان، وفي كل سانحة شارقة تمتع الوجدان، وفي كل صلاة درجات وترقيات، وفي كل خطوة قربات وحسنات، والحمد لله على أركان الإسلام، وعلى شُعب الإيمان، وعلى أنْ جعلنا من أمة هذا النبي الخاتم، صلى الله عليه وسلم.
وهنا ندرك لمَ كان غيابُ القادر عن الوفود إلى هذا المكان، مِن غبن النفس والحرمان.

? من فضل الله تعالى علينا وجليل نعمائه أن أقام لنا ثلاثة مساجد في ثلاثة مدن، جعل فيها من المدارج والمعارج والمباهج ما لا نظير له عند أي أمة من الأمم، وفيها يلقي المسلم عن كاهل نفسه ما تراكم من شجون الدنيا، ويعيش أياما وليالي هي حقا أعراس الدنيا...