ليس كل من يذكر في طبقات الشافعية شافعيا (4)ترجم السبكي ليحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم أبو المظفر الشيباني، الوزير عون الدين، (ت560هـ) صاحب كتاب الإفصاح في طبقاته الوسطى (4/210) وقال : "لم يكن شافعي المذهب، وإنما ابن الرفعة نقل عنه غرائب حكاها عن بعض علمائنا، فذكرتُه لأنبه على أنه ليس من أصحابنا" وعنه نقل ابن الملقن ص521 ، والخيضري في اللمع الألمعية 3/386

وهو من أئمة الحنابلة، ترجم له ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/107)، وابن مفلح في «المقصد الأرشد» (3/105) وانظر : معجم مصنفات الحنابلة 2/231

قال ابن المبرد في كتابه (معجم الشافعية) مخطوط الظاهرية (4551) تعليقا على ترجمة المزي: " قلت : ولم يوجد لأحد من طباق السماع على الأجزاء ما وجد لخمسة : أحدهم: المزي، والثاني : الحافظ أبو محمد عبد الله بن المحب، والثالث : ولده الحافظ أبو بكر محمد بن المحب، والرابع : علي بن نفيس الحلبي ، الحافظ ضياء الدين المقدسي".

وهذه فائدة نفيسة، والحافظ المزي والضياء المقدسي معروفان مشهوران.

وعلي بن نفيس الحلبي هو نور الدين أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي (ت704هـ) (نماذج من خطوط العلماء ص381)

وال المحب أسرة شهيرة ، اشتهر منهم :
محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السعدي الصالحي المقدسي الحنبلي (ت737هـ)
وولده شمس الدين أبوبكر محمد بن عبد الله بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت (ت789هـ) (نماذج من خطوط العلماء ص281 وص494)

وكتبه/ محمد عمر الكاف

وتحديدُ رأيِ النوويِّ النهائيِّ في كُلِّ مسألةٍ، وتوجيهُ كلامِه حال الاختلافِ، شغل طَبَقَةَ (النُّظَّار) كثيراً في مُؤَلَّفاتِهم في عصرِ (شروح المنهاجِ)، وهو أمرٌ يحتاجُ إلى تتبُّعٍ وبحثٍ، وهو من الأبحاثِ المفيدةِ التي تستَحِقُّ أن تشغلَ طُلّابَ الشافعيَّةٍ خدمةً للمذهبِ وتلخيصاً لأقوالِ المتأخِّرين، لأن هذا يُشَكِّلُ خُلاصَةَ أبحاثِ (المعتمدِ) لدى الشافعيَّةِ حالياً .
وقد اهتَمَّ الفقهاءُ في هذا الصَّدَدِ بـ«المنهاج»، وبَيَّنوا الأقوالَ التي رَجَّحها النووي مخالفاً فيهِ لِكُتُبِه الأخرى، وتقديمُ الكتب الأخرى عليه حسبَ ضابطِ ابن حجرٍ المُتَقَدِّمِ .
وللباحثِ السَّيِّدِ مصطفى حامد بن سميطٍ بحثٌ قَيِّمٌ في هذا المجال بعنوان «المسائل غيرُ المعتمدةِ في المنهاجِ»( ) أحصى فيه 46 مسألة ضعَّفَها شُرَّاحُ «المنهاجِ»، وأغلَبُها يرجِعُ لتطبيقِ ضابطِ الشهابِ ابنِ حجرٍ المتقدِّمِ.
* أمثلةٌ :
1- كراهةُ قتلِ الكلبِ :
قال ابنُ الورديِّ(ت749هـ) (قلتُ : لا يَغتَرَّ أحدٌ بقولِ النَّووِيِّ في «الروضةِ» : يُكرَهُ قتلُ الكلبِ الذي ليس بِعقورٍ كراهةَ تنزيهٍ( )، فإن المُصَنِّفين مُصرِّحون بالتحريمِ، حتى النوويَّ في «شرح المهذب»( ) قال : وقال إمامُ الحرمينِ : والأمر بقتلِ الكلابِ منسوخٌ ) ( ).
اختلف كلام النووي «المجموع» و«الروضة»، فقُدِّمَ ما في «المجموع» .
2- حكم النَّفضِ في الوضوء:
النفضُ مكروهٌ، كما في «المجموع»( )، و«الروضة» ( ) .
وأما في «التحقيق»، فهو خلاف الأولى( ) .
فعلى ضابط ابن حجرٍ يُقَدَّمُ ما في «التحقيق».
3- أكثرُ الضحى :
في «الروضة» : أفضلُها ثمانٍ وأكثرها ثنتا عشرة ( ).
ونقل في «المجموع» عن الأكثرين : أن أكثرها ثمانٍ ( ) .
فيقدم ما في «المجموع» على ما في «الروضة».
4- من قصد مَكَّةَ لا لِنُسُكٍ استُحِبَّ له الإحرامُ، وفي قولٍ : يَجِبُ .
قال الشربينيُّ في «مغني المحتاج» :
(ومن قصد مكَّةَ أو الحَرَمَ لا لِنُسُكٍ استُحِبَّ له أن يحرم بِحَجٍّ إن كان في أشهُرِه ويُمكِنُه إدراكُه،أو عمرةٍ قياساً على التحية، هذا ما في «المجموع»( ) عن الأكثرين، وعن نَصِّ الشافعيِّ في عامة كُتُبِه .
وفي قول : يَجِبُ، وهو منصوصُ «الأُمِّ»، وجعله في «البيانِ» الأشهرَ،وصحَّحَه جمعٌ منهم المُصَنِّفُ في«نُكَتِ التنبيه» ) ( ).
فيقدم ما في «المجموع» على ما في «نكت التنبيه»
5- من دَمِيَ سلاحُه فأمسكَه وصلَّى به، تَصِحُّ صلاتُه، وهل عليه القضاءُ ؟
في «المنهاجِ» : لا قضاء عليه ( ).
وفي «المجموع»( ) و«الروضة» ( ): عليه القضاءُ.
فيقدم ما في المجموع» .
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ لا أُطيلُ بذكرها، فليست هي محلَّ بحثِي، ولكن تصلُحُ مجالاً لأطروحاتٍ جامعيَّةٍ، تتناولُ تحديدَ رأيِ النوويِّ في المسائِلِ التي اختلفَ فيها كلامُهُ، وتطبيقَ ضابطِ الشهابٍ ابن حجرٍ عليها .

الإيضاح في الفقهومن المتون الفقهية الشافعية مجهولة المؤلف والتي تعددت نسخها في خزائن المخطوطات، هذا المتن الذي وقفت على نسخة منه أثناء عملي في فهرس دار المخطوطات الإسلامية بالجامعة القاسمية، والذي لفتني فيه أنه يوجد بين الأسطر شرح لهذا المتن بلغة غير عربية، وبعد البحث اتضح انها اللغة (الملايوية) القديمة التي كانت تكتب بالحروف العربية.

وهذا المتن حقق في رسالة ماجستير في جامعة الشريف هداية الله بجاكرتا – اندونيسيا من قبل الطالب سلطان فطاني عام 2015م، وقد بذل الطالب فيه جهد واضحا في تتبع نسخ المتن ودراسة نسخه التي وقف عليها بنفسه، وتوصل إلى أن للكتاب 18 نسخة ، منها 8 في هولندا و9 في إندونيسيا، ونسخة في تريم حضرموت وهي في فهرسهم 1/256، وأضيف لهم نسخة دار المخطوطات الإسلامية بالجامعة القاسمية الجزء الثاني برقم 1265 فتكون 19 نسخة، وهناك نسخة من النسخ مترجمة للغة الهولندية.

ويرجح الباحث أن المتن ألفه عالم إندنونيسي، ومن خلال فحصه للنسخ تبين له أنها ما بين القرنين (السابع عشر الميلادي إلى التاسع عشر الميلادي) فهو من المتون الفقهية (المحلية) .

ومن المثير للغرابة فيه قوله في مقدمته " أما بعد، فإني لما رأيت تقاصر الهمم وعدول طالبي العلم عن المختصرات المرجحة إلى كتاب التبصرة في الفقه جمعت مسائلها في هذا الكتاب مع بيان مطلقها وتدارك مهملها وزدت عليها في أكثر الأبواب ورجحت ما رجحه معظم الأصحاب ليسهل تناوله على الطلاب ويستغنوا به عن طلب الترجيح من غيره من كتاب وسميته (الإيضاح في الفقه) راجيا بذلك جزيل الثواب وحسن المآب"

ولا يعرف كتاب في المذهب اسمه (التبصرة) يمكن أن يكون هذا المتن اختصارا منه، فلعله من الكتب المشهورة في تلك النواحي، ودليل على وجود مؤلفات وحركة فقهية شافعية هناك في تلك الأزمنة.

ختام المخطوط

المفتاح في الفروع للسعد التفتازاني (ت792هـ)من المتون الفقهية النادرة التي يؤلفها من له تمكن في المذهبين الشافعي والحنفي، ووقع النزاع بين المترجمين في نسبة التفتازاني هل هو من الشافعية أم من الحنفية، والقرائن كثيرة على نسبته لكلا المذهبين، مع أني لم أظفر بترجمة له في تراجم أي من طبقات الشافعية أو الحنفية، وهذا دليل على عدم اشتهار نسبته، ومن خلال الكتب التي نسبت له يظهر أن التصاقه بكتب الحنفية أقوى، فقد نسب له من الكتب الفقهية الحنفية (شرح تلخيص الجامع الكبيرللخلاطي) و(اختصاره) و(شرح خلاصة الكيداني) و(شرح السراجية) و(الفتاوى الحنفية) : انظر : مصادر الدراسات الإسلامية الفقه الحنفي أصولا وفروعا للدكتور يوسف المرعشلي، القسم السابع ص177 وما بعدها.

وهذا المتن (المفتاح في الفروع) متن شافعي نسب إليه، مذكور في مصادر ترجمته ومسرد مؤلفاته، وصلتنا منه نسخة يتيمة في مكتبة برلين PM365 منسوخة في سنة 859هـ وفي حرد متن هذه النسخة الفريدة معلومات تفصيلية مهمة جدا، أن الكتاب شرع فيه المصنف سنة 782هـ بسرخس أي في آخر عمره، ولم يتمّه ، وأتمّه حفيده يحيى بن محمد بن مسعود التفتازاني شيخ الإسلام وهو والد شيخ الإسلام الشهيد أحمد بن يحيى الهروي التفتازاني المعروف بـحفيد السعد صاحب الحواشي المعروفة.

وهذا المتن من خلال النظر فيه، يشبه المتون المختصرة من كتاب المحرر للرافعي، وقد ألفت في فترة من عمر المذهب الشافعي لم يستقر الاعتماد فيها على كتب النووي، وقد تكلمت سابقا عن متنين شبيهين به وهما (الإيجاز) للكرماني و(المعتمد) للفاروثي، وهذا المتن (المفتاح) للتفتازاني، شبيه بهما، ولعل أحدا من الباحثين ينهض لدراسته وربطه بمؤلفات السعد التفازاني الأخرى، ودراسة هذه المرحلة من تاريخ التأليف في المذهب.