من أهم الخصائص التي تميز المخطوط عن المطبوع "صناعة الهامش" فصانع الكتاب المخطوط يعلم قيمة الهوامش لذلك يصنعها صناعة متقنة محسوبة تحسبا لما سيكتب فيها
ويظهر هذا جليا في نساخة المتون أو الكتب المدرسية فيجعل الناسخ فراغات بين الأسطر وحول النص تحسبا وربما تشجيعا على كتابة الشروح والحواشي

وفي كثير من الحالات يسطر الهامش ويجعل التسطير من مستويين رأسيين قسم للتخريجات والتصحيحات وقسم للشروح والتعليقات

#تقاليد_النساخة_العربية
#المخطوطات_العربية
#علم_المخطوطات

في كثير من الأحيان تكون هوامش التحقيق كاشفة لقيمة النسخة، وفاضحة لعمل المحقق من جهة أخرى

في تحقيق كتاب اتخذ المحقق إحدى النسخ أصلا وهي مكونة من ٢١ ورقة
ذكر في هوامشه 95 خطأ في هذا الأصل!
يعني في كل ورقة أكثر من ٤ أخطاء
وهذه الأخطاء تنوعت بين سقط وزيادة وأخطاء نحوية فجة وأخطاء في قراءة الناسخ

هذا الأمر يبين الخلل المنهجي في معايير اختياره للأصل
كما أنه لم ينوه بأي من تلك الأخطاء في وصف النسخ، وهذا خلل آخر في أمانته، وربما لتعجله في وصف النسخة قبل العمل والاكتفاء بهذا الوصف الظاهري الذي لا يبين عن قيمة النسخة إبانة صادقة

لهذا قد تمكننا الهوامش من تقييم النسخ الخطية من دون أن نراها، وتمكننا من تقييم التحقيق وتقييم المحقق نفسه

لذلك يحسن بالمحقق أن يعيد وصف النسخ الخطية ويعيد النظر في تقييمها بعد الانتهاء من التحقيق وفق ما يجده مم القيمة الحقيقية للنسخة اعتمادا على تلك الهوامش

#أدوات_البحث_في_التراث
#تحقيق_النصوص
#المخطوطات_العربية

الإسناد عند نشأته الأولى هو سؤال المصادر في مفهومنا المعاصر

مشهور قول الإمام التابعي ابن سيرين رحمه الله (ت١١٠هج): "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، ويُنْظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم"
والتابعون هو الطبقة التي تلي طبقة الصحابة ومعروف من هم الصحابة
وابن سيرين أخذ عن عدد من الصحابة المكثرين كأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهما
فعندما يروي تابعي على شاكلة ابن سيرين عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مصدر رفيع
شخص معروف لالحفظ والضبط وطلب العلم يروي عمن شهد الواقعة

لذلك يقول لم يكونوا يسألون عن الإسناد لبيانه ومعرفة أصله وفصله
لكن عندما وقعت الفتنة وشارك فيها طوائف دون هؤلاء في الديانة وتحصيل العلم ظهر شيء من التقول بدافع من التعصب
هنا ظهر لدى العلماء ضرورة السؤال عن المصدر

وهذا في عصرنا الحديث يقابل ما يقع عند دراسة التاريخ
عندما ينقل الجبرتي واقعة عاصرها وشاهدها لا نسأله عن المصدر
لكن عندما ينقل لما واقعة في عصر الممالك هنا نتوقف للنظر في مصادره
ثم نقابل بينها بين المصادر الأخرى وسهود العيان ونعمل الآلة النقدية

وبقول موجز يمكن القول بأن ما فعله هؤلاء الأوائل هو سقف المنهج العلمي في نقل الأخبار

حررته ضحى يوم الخميس
٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٦

#تاريخ_الأفكار
#أدوات_البحث_في_التراث

بمناسبة نشر كتاب مفتاح السعادة بتحقيق علمي في مؤسسة الفرقان، ونشر الطبعة الثانية من كتاب كشف الظنون في الفرقان أيضا

فإن هذين الكتابين في غابة الأهمية لكل مشتغل بالتراث وقارئ له

لأن كل من يعمل في أي باب من أبواب التراث على سبيل التخصص لا بد له من الاطلاع على أمرين:

أولا موضوعات العلوم التي ألف فيها المسلمون
ثانيا مصطلحات الفنون المختلفة

وكل منهما كتبت فيه مؤلفات مخصوصة

والحد الأدني في موضوعات العلوم كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبري زاده

والحد الأدني لمصطلحات الفنون كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي
وهذا هو الحد الأدني ومن قرأهما سيعرف بمفرده طريق الاستزادة

ويمكن إلحاق كشف الظنون بهما لأن كتاب مفتاح السعادة اهتم بموضوعات العلوم ولكنه اقتصر على ذكر كتاب واحد في كثير من الأحيان في كل علم، لكن حاجي خليفة اهتم برصد الكتب مع وضع جميع ملحقات الكتاب تحت الكتاب نفسه، يعني يذكر مثلا الجامع الصحيح في حرف الجيم، ثم يضع تحته جميع الكتب التي ألفت حوله كالشروح وشروح الشروح والمختصرات وغير ذلك
فمن أراد فتح الباري فليذهب للجامع الصحيح ويبحث تحته وهكذا
كما أنه يضع فتح الباري في حرف القاء ويقول سبق ذكره
وتلك الطريقة لم يسبق إليها
وتمكن الباحث من الوقوف على جميع المتعلقات بكتاب ما

وأجزم جزما قريبا من اليقين أنك مهما كان مستواك في العلم ستجد بعض العلوم التي لم تسمع عنها من قبل

#أدوات_البحث_في_التراث
#تاريخ_الأفكار

هل الدراسة في الغرب أمر لازم لكل باحث؟

عندما نشرت مقالة طويلة حول دراسة العلوم الإسلامية والعربية في الجامعات الغربية حاولت التدقيق في تفاصيل لا يعرفها أغلب الباحثين العرب
وقد يخيل للبعض بعد قراءة المقال أن الدراسة في الغرب أمر لازم لا بد منه ولا غنى عنه، فهل هذا صحيح؟

هل الدراسة في الغرب أمر لازم وضروري لكل باحث؟
أم هناك سُبُل لتحصيل هذه المعارف من دون السفر للخارج؟
ومن قبل ذلك هل تحصيل المنتج العلمي الغربي أمر ضروري؟

الجواب الإجمالي:

الدراسة في الخارج أمر مهم لكنها ليست لازمة، ويمكن تحصيل أكثر المعارف المنتجة في الجامعات المختلفة حول العالم من دون سفر، وفي الوقت نفسه تحصيل هذه المعارف أمر واجب على الباحث.

فيما يتعلق بأمر السفر فإن الباحث في أيامنا هذه يمكن أن يطالع الإنتاج العلمي من دون أن يخرج من بيته، لذلك ليست هناك ضرورة حتمية لسفره، وإن كان السفر سيمنحه خبرات أخرى على هامش العملية التعليمية، لكن أيضا الباحث النابه يستطيع تحصيل أكثر ذلك في وجود اتصال بالإنترنت، مع بعض الحرص على التعلم والتحصيل.

وفيما يتعلق بوجوب تحصيل المعرفة المنتجة في الجامعات الغربية أو الشرقية في تخصصه، فهناك أمثلة لا حصر لها على خطورة الإخلال بذلك، لأن الباحث العربي قد يعمل على فكرة لسنوات وسنوات من دون أن يدري أن تلك الفكرة قد قتلت بحثا، وتجاوزها العلم بالكلية، وهذا مشاهد.. نحن جميعا نلاحظ أنه بعد أن ينطفئ بريق مدرسة أو منهج في العالم كله يبدأ بعض الباحثين عندنا في النقاش والتأليف حولها! كما يحدث في "العمانية" و"البنيوية" و"التفكيكية" .. إلخ

وسأضرب مثالا واقعيا يبين خطورة هذا الانقطاع المعرفي..

حاضر د خالد حسان في آخر شهر أغسطس الماضي في الصالون الثقافي بمعهد المخطوطات، وكان اللقاء بعنوان "تراث العربية اللغوي في النقوش المبكرة رؤية تحليلية مقارنة"، و د خالد أستاذ في النحو والصرف وله عناية بالتطور اللغوي ومعرفة بالقراءات القرآنية وكلها موضوعات مرتبطة بموضوع النقاش، المحاضر لديه معرفة قوية بتاريخ البحوث في هذا الموضوع خاصة المدرسة الألمانية، وأنا أعني تماما قولي "تاريخ المسألة"، لكن هناك انقطاع معرفي وفجوة هائلة بينه وبين الواقع المعرفي اليوم..

على سبيل المثال أكثر المحاضر جدا جدا جدا من الاستشهاد بالمستشرق الألماني برجشتراسر وقد مات (1933م)، وبالمستشرق الألماني أيضا بروكلمان وقد مات (1956م)

وقد أصابني ذلك بصدمة (تروما) لتوقف الاستشهاد عند هؤلاء!
لأن دراسة النقوش المبكرة الآن (ترند) في الجامعات الغربية، أو كما يقال (hot topic) خاصة في العقدين الأخيرين مع كثافة البعثات الميدانية وكشف عشرات الآلاف من النقوش (نعم عشرات الآلاف) التي تؤرِّخ لتطور الكتابة العربية بصورة لم يُعرف لها مثيل من قبل
وهناك أساطين معاصرين في هذا الباب لهم عشرات البحوث والمساهمات العلمية التي غيرت الكثير من المعارف السابقة.. على رأس هؤلاء العالم الإنجليزي مايكل ماكدونالد وتلميذه النجيب الأردني الأمريكي أحمد الجلاد والعالم الفلسطيني الأصل محمد مرقطن وغيرهم كثير، والأستاذ مرقطن له محاضرات كثيرة بالعربية وهو عالم ميداني شارك في العديد من الاكتشافات، وأحمد الجلاد مع صغر سنه لكنه أستاذ كرسي وله جهود كبيرة في المجال..

هؤلاء أعادوا تأريخ اللغة العربية المنطوقة والمكتوبة..
على سبيل المثال بعض النقوش العربية تضمنت مفردات عربية اطرد أكثر المفسرين القدامى على التصريح بأنها من المعرّب، ولكنها الآن وُجدت في بعض اللهجات العربية..
وهذا غير مستغرب في الحقيقية، ولا يقدح في علم النحاة أو المفسرين لأن اللغة العربية لا يحيط بها إلى نبي كما هو معلوم، والعلماء دونوا ما دونوه وفق ما بلغهم من العلم

وفي مسألة الخلاف الكبير حول تأريخ نقط الإعجام، فهناك نقوش فيه نقط واضح قبل الإسلام بقرنين على الأقل..

هذه أمثلة..
ويمكنك القياس على ذلك لإدراك حجم الفجوة المعرفية إن لم يتابع المتخصص كل جديد في تخصصه

ومما استغربته أيضا بجانب الاستشهاد بمصادر قديمة أصحبت جزءا من تاريخ العلم وليست من العلم نفسه، عدم عرض أي صورة للنقوش! واستنكر ذلك بعض المتداخلين واستغربه كما استغربته..

لذلك يتوجب على الدارس أن يطالع كل جديد حول تخصصه في كل مكان، ويُحدِّث معلوماته يوميا، ولا يستسلم لمعارفه مهما بذل فيها من جهد ومهما كانت ثقته بها

#أدوات_البحث_في_التراث
#تاريخ_الأفكار

من أسوأ آفات البحث وبالأخص في الرسائل الجامعة أن يتبنى الطالب الدفاع عن المؤلف الذي يحقق كتابه، وينبري طوال بحثه للدفاع عنه وعن أطروحاته
وكأنه يريد أن يقول: هذا الكتاب يستحق الدرس والبحث ويستحق أن يكون موضوعا لنيل درجتي العلمية (ماجستير أو دكتوراه)، وهذا المؤلف من أعظم العلماء في التاريخ!

وهذا المسكين لا يعلم أن ذلك ليس من وظيفته أصلا، إنما وظيفته أن يخبرنا بأن هذا المؤلف مدلس إن كان مدلسا، أو هذا الكتاب مجرد مجموعة من النقول إن كان ذلك كذلك
يخبرنا بذلك مبرهنا على كلامه بأدلة وبراهين قاطعة من خلال بحثه ودرسه للكتاب والمؤلف وبكل إنصاف وأمانة

وبهذا يكون قد أضاف لنا علما جديدا

ومن الآفات أيضا أن يظن الباحث الذي تخصص في دراسة أحد العلماء أنه لا يحق لغيره الكلام في هذا العالم من دون الرجوع إليه

#تاريخ_الأفكار
#تحقيق_النصوص
#أدوات_البحث_في_التراث

نظام التعليم الجامعي حجب العلماء عن طلبة العلم الحقيقيين
فكم من عالم فحل يجلس في الفصل الجامعي ليدرس خمسين أو ستين يرغبون عن هذا التخصص وما أوصلهم إليه إلا معدل درجات الثانوية، ولا يتعدى طلاب العلم بينهم بضعة أنفس

وقد جمعتي جلسة مع د السعيد عبادة رحمة الاه عليه الأستاذ المعروف بكلية اللغة العربية وقتها وذلك في ٢٠١٢ تقريبا بمكتبي في معهد المخطوطات وقد تناقشنا يومها في طلب العلم فذكرت له أني طلبت العلم على الطريقة القديمة على المشايخ، فالشيخ عنده طلاب كبار يعلمون الطلاب الجدد ويتدرج الطالب في العلم وهكذا
فكان مشدوها من حديثي هذا
وقال لي: لم أكن أتصور أن هذه الطريقة موجودة، وطلب مني أن أحدثه بالتفصيل، وكان سعيدا جدا بسماع ذلك مني وطلب مني أن أكتب تجربتي تلك، وقال لي بحسرة ما نصه: لو عاد بي الزمان أو كنت صغيرا لعلمت الطلاب بتلك الطريقة.