سِلْسِلْةُ تِبْيَانِ التَّوْحِيْدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبِيْدِ [03]

#الدرس_الثالث: أركان لا إله إلا الله.

بعدما عرفنا في الدَّرسِ السَّابق معنى وحقيقة لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأنها ليستْ مجرد كلمةٍ تقال باللسان، وأن لها أركانًا، وشروطًا لا بُدَّ من تحقيقها، ونواقضًا لا بُدَّ من اجتنابها وإلا فلن ينفع مجرد التَّلفُّظ بها، ولو كان مجرد التَّلفُّظِ بها يكفي في حصول الإسلامِ لما كانَ المنافقون في الدَّركِ الأسفلِ من النار مع أنهم يقولونها، ويصومون، ويصلون ويُزكون، وفي هذا الدرس سَنُبَيِّنُ:

⓵ تعريف الركن لُغةً واصطلاحًا.
⓶ أركانُ لا إله إلا الله.

❶ ⟦ ﺗَﻌْﺮِﻳْﻒُ اﻟﺮُّﻛْﻦِ: ﻟُﻐَﺔً ﻭَاﺻْﻄِﻼﺣًﺎ ⟧

✱ اﻟﺮُّﻛْﻦ ﻟُﻐَﺔً: ﻣِﻦ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْءٍ: ﺟَﺎﻧِﺒﻪ اﻷَْﻗْﻮَﻯ اﻟَّﺬِﻱ ﻳﺴْﺘَﻨﺪ ﺇِﻟَﻴْﻪِ.
فأﺭﻛﺎﻥُ اﻹِْﻧْﺴَﺎﻥ: ﺟَﻮاﺭﺣﻪ.
ﻭاﻷﺭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷَﻲْء: ﺟﻮاﻧﺒﻪ اﻟَّﺘِﻲ ﻳﺴْﺘَﻨﺪ ﺇِﻟَﻴْﻬَﺎ.
وفي اﻟﺼَّﻼَﺓِ: كل ﻣَﺎ ﺗﺒﻄﻞ الصلاة ﺑﺎﻹﺧﻼﻝ ﺑِﻪِ ﻋﻤﺪًا ﺃَﻭ ﺳَﻬﻮًا فهو ركنٌ فيها.

✱ اﻟﺮُّﻛْﻦ ﻓِﻲ اﻻِﺻْﻄِﻼَﺡ: ﻣَﺎ ﺗﻮﻗﻒ اﻟﺸَّﻲْء ﻋﻠﻰ ﻭُﺟُﻮﺩﻩ ﻭَﻛَﺎﻥَ ﺟُﺰْءًا ﻣﻦ حَقِيقةِ ذلك الشيء؛ كقراءة سورة الفاتحة ﻓِﻲ اﻟﺼَّﻼَﺓ ﻓَﺈِﻧَّﻬَﺎ ﺭﻛﻦٌ في الصَّلاة ﻟﺘﻮﻗﻒ ﻭُجود الصَّلاة على قراءة الفاتحة، ﻭَﻫِﻲ ﺟُﺰْء ﻣﻦ ﺣَﻘِﻴﻘَﺔ اﻟﺼَّﻼَﺓ.

↞ ﻭَﻫَﻜَﺬَا ﻛﻞ ﻣَﺎ ﻛَﺎﻥَ ﺭﻛﻨًﺎ ﻟﺸَﻲْء ﻓَﺈِﻥ ﺫَﻟِﻚ اﻟﺸَّﻲْء ﻻَ ﻳﻜﻮﻥ ﻟَﻪُ ﻭﺟﻮﺩ ﺇِﻻ ﺇِﺫا ﺗﺤﻘﻖ ﺫَﻟِﻚ اﻟﺮُّﻛْﻦ.

❷ ⟦ أَرْكَانُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ⟧

فمِن تعريفِ الرُّكنِ تَبيَّنَ: أنَّ أﺭﻛﺎﻥَ اﻟﺸَّﻲْء: ﺃﺟﺰاﺅﻩ التي ﻻ ﻳﺘَﺤَﻘَّﻖ ﺑِﺪُﻭﻧِﻬَﺎ.

↞ وَعَلَيْهِ: ﻓﺄﺭﻛﺎﻥُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ: ﻫِﻲَ ﺃﺟﺰاﺅﻫﺎ اﻟَّﺘِﻲ ﻻَ ﺗﺘَﺤَﻘَّﻖ ﺑِﺪُﻭﻧِﻬَﺎ ﻭَﻫِﻲ اﺛْﻨَﺎﻥ: ﻧَﻔﻲٌ، ﻭَﺇِﺛْﺒَﺎﺕٌ.

✱ الركن الأول: اﻟﻨَّﻔْﻲ: ويُمثِّل جُزء (لَا إِلَهَ) ﻭَاﻟْﻤﺮَاﺩ ﺑِﻪِ: ﻧﻔﻲُ استحقاقِ الألوهيَّة ﻋَﻤَّﺎ ﺳِﻮﻯ اﻟﻠﻪ تعالى ﻣﻦ ﺳَﺎﺋِﺮ اﻟْﻤَﺨْﻠُﻮﻗَﺎﺕ، وهو يُمثِّل: الكُفْرَ بالطَّاغوتِ.

✱ الركن الثاني: اﻹِﺛْﺒَﺎﺕُ: ويُمثِّل جُزء (إِلَّا اللهُ) ﻭَاﻟْﻤﺮَاﺩ ﺑِﻪِ: ﺇِﺛْﺒَﺎﺕُ الألوهيَّة اﻟﺤﻘﺔ ﻟﻠﻪ ﻭَﺣﺪﻩ ﻻَ ﺷﺮﻳﻚ ﻟَﻪُ ﻓِﻲ ﻋِﺒَﺎﺩَﺗﻪ ﻛَﻤَﺎ ﺃَﻧﻪ ﻻَ ﺷﺮﻳﻚ ﻟَﻪُ ﻓِﻲ ﻣﻠﻜﻪ ﻓَﻬُﻮَ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ ﻭَﺗَﻌَﺎﻟَﻰ اﻹِْﻟَﻪ اﻟْﺤﻖ ﻭَﻣَﺎ ﺳِﻮاﻩُ ﻣﻦ اﻵْﻟﻬَﺔ اﻟَّﺘِﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻟْﻤُﺸْﺮﻛُﻮﻥَ ﻛﻠﻬَﺎ ﺑَﺎﻃِﻠَﺔ.

#يتبع... ⟦ شرح: الركن الأول ⟧

@Rag_AlSanabek585

رَهْجُ السَّنابكِ : @Rag_AlSanabek585

رَهْجُ السَّنابكِ .. : @Rag_AlSanabek58

جزاه الله خيراً كل من نشر وعم قناتي ?

﴿ﺃَﺟَﻌَﻞَ اﻵﻟِﻬَﺔَ ﺇِﻟَﻬًﺎ ﻭَاﺣِﺪًا ﺇِﻥَّ ﻫَﺬَا ﻟَﺸَﻲْءٌ ﻋُﺠَﺎﺏٌ﴾ [ص: 5].

ﻓﻌﺮﻓﻮا ﺃَﻥ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﺗَﻘﺘَﻀِﻲ ﺗﺮﻙ ﻋِﺒَﺎﺩﺓ ﻣَﺎ ﺳِﻮﻯ اﻟﻠﻪ ﻭﺇﻓِﺮاﺩﻩ ﺳُﺒﺤَﺎﻧﻪُ ﻭﺗَﻌﺎﻟَﻰ ﺑﺎﻟﻌِﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺃَﻧﻬﻢ ﻟَﻮ ﻗَﺎﻟُﻮﻫﺎ ﻭاﺳﺘﻤﺮُّﻭا ﻋﻠﻰ ﻋِﺒَﺎﺩﺓ ﻣَﺎ ﺳِﻮﻯ اﻟﻠﻪ ﻟﺘَﻨﺎﻗَﻀﻮا ﻣَﻊَ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻭﻋُﺒَّﺎﺩ اﻟﻘُﺒُﻮﺭ وغيرهم اﻟﻴَﻮﻡ لا ﻳَﺄْﻧَﻔُﻮﻥَ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘَّﻨﺎﻗُﺾ، ﻓﻬﻢ ﻳﻘُﻮﻟُﻮﻥَ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﺛُﻢَّ ﻳﻨﻘﻀﻮﻧﻬﺎ ﺑﻌِﺒﺎﺩﺓ اﻷﻣْﻮَاﺕ ﻭاﻟﺘَّﻘﺮُّﺏ ﺇِﻟَﻰ اﻷﺿﺮﺣﺔ ﺑﺄﻧﻮاﻉ ﻣﻦ اﻟﻌِﺒَﺎﺩَاﺕ.

❸ ⟦ تَحْقِيْقُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ⟧

وأما تحقيق كلمة لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ فيقتضي: ﺃَﻥ ﻻَ ﻧﻌْﺒﺪَ إلا اﻟﻠﻪ ﻭَﺣﺪﻩ ﺑﺎﻟﻘَﻠﺐِ ﻭاﻟﻠِّﺴَﺎﻥ ﻭﺳَﺎﺋِﺮ اﻟﺠَﻮَاﺭِﺡ ﻣَﻊَ ﻧﻔﻲ اﺳْﺘِﺤْﻘَﺎﻕ ﺃَﻱِّ ﻣَﺨْﻠُﻮﻕٍ ﻷﻱِّ ﻧﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺃَﻧْﻮَاﻉِ اﻟﻌِﺒﺎﺩﺓ اﻟﺘﻲ لا ﺗﺼﺢ إلا ﻟﻠﻪ، قال اﺑْﻦُ تيميَّة -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى: «ﻭﺑﺎﻟﺠُﻤْﻠﺔِ ﻓﻤَﻌْﻨﺎها ﺃﺻَﻼﻥ ﻋَﻈِﻴﻤﺎﻥ: ﺃَﺣﺪﻫﻤَﺎ: ﺃَﻥْ لَا ﻧَﻌْﺒُﺪَ إلَّا اﻟﻠﻪُ، ﻭَاﻟﺜَّﺎﻧِﻲ: ﺃَﻥْ لَا ﻧَﻌْﺒُﺪَﻩُ ﺇِﻻَّ ﺑِﻤَﺎ ﺷَﺮَﻉَ، ﻻَ ﻧَﻌْﺒُﺪَﻩُ ﺑِﻌﺒَﺎﺩَﺓٍ ﻣُﺒْﺘَﺪَﻋﺔ، وﻫَﺬَان اﻷﺻْﻼﻥ ﻫﻤﺎ: ﺗَﺤْﻘِﻴﻖ ﺷَﻬَﺎﺩَﺓ ﺃَﻥ لَا ﺇِﻟَﻪ إلَّا اﻟﻠﻪ ﻭﺃَﻥَّ ﻣُﺤَﻤَّﺪًا ﺭَﺳُﻮﻝ اﻟﻠﻪ». انتهى كلامه.

❹ ⟦ ﻣَﺘَﻰ ﻳَﻨْﺘَﻔِﻊُ اﻹِْﻧْﺴَﺎﻥُ ﺑِﻘَﻮْﻟِﻬَﺎ ⟧

ﻳﻨْﺘَﻔﻊ اﻹِْﻧْﺴَﺎﻥ ﺑﻘﻮﻝ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﺇِﺫا ﺣَﻘَّﻖَ ﺃَﺭْﻛَﺎﻧﻬَﺎ ﻭﺷُﺮُﻭﻃﻬﺎ -كما سيأتي بيانه لاحقًا- ﻭَﻣَﺎﺕَ ﻋﻠﻰ ﺫَﻟِﻚ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﻧﺎﻗﻀًﺎ ﻣﻦ ﻧﻮاﻗﻀﻬﺎ.

✱ ⟦ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ ⟧

ﺑﺬﻟﻚ ﻳَﺰُﻭﻝ اﻟﻮَﻫْﻢ اﻟﺬﻱ ﺗﻌﻠَّﻖَ به ﺑﻌﺾُ الناس وهو: ﺃَﻥَّ ﻣُﺠَﺮَّﺩَ اﻟﺘَّﻠَﻔُّﻆ بهذه الكلمة يكفي أخذًا بظاهر ﺑﻌﺾ اﻟﻨُّﺼُﻮﺹ ﻛﻘﻮﻟﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه ﻭﺳﻠﻢ- ﻓﻴﻤﺎ ﺭﻭاﻩ اﻟﺒُﺨﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺘْﺒَﺎﻥ: «ﺇِﻥَّ اﻟﻠﻪَ ﺣَﺮَّﻡَ ﻋَﻠَﻰ اﻟﻨَّﺎﺭِ ﻣَﻦ ﻗَﺎﻝَ لَا إِلَهَ إِلَّا اﻟﻠﻪ ﻳَﺒْﺘَﻐِﻲ ﺑِﺬَﻟِﻚَ ﻭَﺟْﻪ اﻟﻠﻪِ».

ﻭﺣﺪﻳﺚ ﺃﻧﺲٍ كما في صحيح البُخاري: «أنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ علَى الرَّحْلِ، قالَ: يا مُعاذُ قالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ (ﺛَﻼَﺛًﺎ) قالَ: مَا مِن عَبْدٍ يَشْهَدُ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللهُ علَى النَّارِ».

وحديث أبي هُريرة كما في صحيح مسلم أنهم كانوا مع النبي في غزوة ﺗَﺒُﻮك وفيه: قال ﺭَﺳُﻮﻝ اﻟﻠﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه وﺳﻠﻢ-: «أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فِيْهمَا إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ». وغيرها.

ﺇِﺫْ اﻟﻤُﺮَاﺩ بهذه اﻟﻨُّﺼُﻮﺹ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ: ﻣَﻦ ﻗَﺎﻝَ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻘﻘًﺎ ﺃَﺭْﻛَﺎﻧﻬَﺎ ﻭﺷُﺮُﻭﻃﻬﺎ، ﻭَﻣَﺎﺕَ ﻋﻠﻰ ﺫَﻟِﻚ لم يرتكب ناقضًا من نواقضها.

ﺇِﺫ اﻟﺮُّﻛﻦ: ﺃﺳَﺎﺱٌ، ﻭاﻟﺸَّﺮْﻁ: ﻻ ﻳَﺼﺢ اﻟﻤَﺸْﺮُﻭﻁ إلا به، ﻭاﻷﻋﻤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺨﻮاﺗﻴﻢ ﻓَﻠَﻮ قالها ﻣﺤﻘﻘًﺎ ﺃَﺭْﻛَﺎﻧﻬَﺎ ﻭﺷُﺮُﻭﻃﻬﺎ ﻟَﻜِﻦ اﺭْﺗﻜﺐ ﺑﻌﺪ ﺫَﻟِﻚ ﻧﺎﻗﻀًﺎ ﻣﻦ ﻧَﻮاﻗﻀﻬﺎ ﻭَﻣَﺎﺕَ ﻟﻢ ﺗَﻨْﻔَﻌﻪُ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃَﻥ ﻳَﻤُﻮﺕَ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﻧﺎﻗﻀًﺎ ﻣﻦ ﻧﻮاﻗﻀﻬﺎ بدليل حديث أبي ذر -رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: قال ﺭَﺳُﻮﻝ اﻟﻠﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه ﻭﺳﻠﻢ-: «ﻣَﺎ ﻣِﻦ ﻋَﺒْﺪٍ ﻗَﺎﻝَ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﺛُﻢَّ ﻣَﺎﺕَ ﻋَﻠَﻰ ﺫَﻟِﻚ ﺇِﻻَّ ﺩَﺧَﻞَ اﻟْﺠَﻨَّﺔ».

⊙ تنبيهٌ: جميعُ ما سبقَ من شرحٍ في هذا الدرسِ سِوى البدايةِ منقولٌ من كتاب شروط لا إله إلا الله لمؤلفه عواد بن عبد الله المعتق بتصرفٍ قليلٍ وإضافاتٍ مِنِّي حتى يتضح المعنى أكثر.

#يتبع... ⟦ بيان: أركان لا إله إلا الله ⟧

@Rag_AlSanabek585

سِلْسِلْةُ تِبْيَانِ التَّوْحِيْدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبِيْدِ [02]

#الدرس_الثاني: معنى: لا إله إلا الله.

بعد أن بيَّنا في الدرس السابق التَّوحيدَ، وأقسامهُ الثَّلاثة، وبيَّنا كُل قسمٍ، وقُلنا أنَّ توحيدَ الرُّبوبية الذي هو إفرادُ الله بأفعالهِ كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها، وهذا التوحيدُ يُقِرُّ به كُفَّارُ قُريش وغيرهم من أهل الجاهلية كما بيَّنا، وإنما النِّزاع والقِتَال الذي حصل بَيْنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل الجاهلية وقع في توحيد الألوهية الذي هو توحيدُ العبادة الذي يوجب: إفراد الله بالعِبادات كالصلاة، والصيام، والنذر، والذبح، والرهبة، والرغبة، والخوف، وغيرها، وقُلنا أنَّ توحيدَ الألوهية هو معنى: لا إله إلا الله، واليوم سَنُبيِّنُ:

⓵ معنى كلمة لا إله إلا الله.
⓶ حقيقة كلمة لا إله إلا الله.
⓷ تحقيق كلمة لا إله إلا الله.
⓸ متى ينتفع الإنسان بها.

❶ ⟦ مَعْنَى: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ ⟧

ﺃﻣﺎ ﻣَﻌْﻨَﺎﻫَﺎ: ﻓَﺈِﻥَّ ﻣﻌﻨﻰ لَا ﺇِﻟَﻪ ﺇِﻻَّ اﻟﻠﻪ: ﻫُﻮَ: ﻻَ ﻣﻌﺒﻮﺩ ﺑِﺤَﻖ إلَّا اﻟﻠﻪ ﻭَﺣْﺪﻩ لَا ﺷﺮﻳﻚ ﻟَﻪُ.

❷ ⟦ حَقِيْقَةُ: لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪُ ⟧

ﻓﺘﻀﻤﻨﺖ ﻫَﺬِﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻈِﻴﻤَﺔ ﺃَﻥَّ ﻣﺎ ﺳِﻮﻯ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺳَﺎﺋﺮ اﻟﻤﻌﺒﻮﺩاﺕ ﻟَﻴﺲَ ﺑﺈﻟﻪٍ ﺣﻖ ﺑﻞ ﺇِﻧَّﻪ ﺑَﺎﻃِﻞ، ﻭَﺃَﻥَّ اﻹِْﻟَﻪَ اﻟْﺤﻖُّ ﺇِﻧَّﻤﺎ ﻫُﻮَ اﻟﻠﻪ ﻭَﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟَﻪُ ﻛﻤﺎ ﻗَﺎﻝَ ﺗَﻌﺎﻟَﻰ: ﴿ﻭَﻣَﺎ ﺃَﺭْﺳَﻠْﻨَﺎ ﻣِﻦْ ﻗَﺒْﻠِﻚَ ﻣِﻦْ ﺭَﺳُﻮْﻝٍ إِلَّا ﻧُﻮْﺣِﻲ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺃَﻧَّﻪُ لَا ﺇِﻟَﻪَ ﺇِﻻ ﺃَﻧَﺎ ﻓَﺎﻋْﺒُﺪُﻭﻥِ﴾ [الأنبياء: 25]. مع ﻗَﻮﻟﻪ ﺗَﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻭَﻟَﻘَﺪْ ﺑَﻌَﺜْﻨَﺎ ﻓِﻲ ﻛُﻞِّ ﺃُﻣَّﺔٍ ﺭَﺳُﻮْلًا ﺃَﻥِ اﻋْﺒُﺪُﻭْا اﻟﻠﻪَ ﻭَاﺟْﺘَﻨِﺒُﻮا اﻟﻄَّﺎﻏُﻮْﺕَ﴾ [النحل: 36].

ونحوهما ﻣﻦ اﻵﻳﺎﺕ ﻭﻣَﺎ ﺻَﺢَّ ﻣﻦ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺘﻲ فيها بيان حقيقة هذا الكلمة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ ﻭﻣﻘﺘﻀﺎﻫﺎ.

ﻭﻣﻤﺎ ﻳَﺸْﻬﺪ لهذا المعنى: ﺃَﻥَّ اﻟﻨَّﺒﻲَّ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه وسلم- ﻟﻤَّﺎ قال ﻟِﻜُﻔَّﺎﺭِ ﻗُﺮﻳﺶٍ: «ﻗُﻮﻟُﻮا لَا ﺇِﻟَﻪَ إلَّا اﻟﻠﻪ» ﻗَﺎﻟُﻮا: ﴿ﺃَﺟَﻌَﻞَ اﻵﻟِﻬَﺔَ ﺇِﻟَﻬًﺎ ﻭَاﺣِﺪًا ﺇِﻥَّ ﻫَﺬَا ﻟَﺸَﻲْءٌ ﻋُﺠَﺎﺏٌ﴾ [ص: 5].

ﻓﻔَﻬِﻤﻮا ﻣﻦ ﻫﺬِﻩ الكلمة ﺃَﻧَّﻬَﺎ ﺗُﺒﻄﻞ ﻋِﺒﺎﺩﺓ اﻷﺻْﻨَﺎﻡ ﻛﻠﻬَﺎ ﻭﺗﺤﺼﺮ اﻟﻌِﺒَﺎﺩَﺓ ﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ.

وﻣِﺜْﻞُ ﺫﻟِﻚ ﻗﻮﻡ ﻫُﻮﺩٍ -عليه السلام- ﻟﻤﺎ ﺩﻋﺎﻫﻢ ﻫﻮﺩ ﺇِﻟَﻰ ﻗَﻮﻝ لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ؛ ﻗَﺎﻟُﻮا: ﴿ﺃَﺟِﺌْﺘَﻨَﺎ ﻟِﻨَﻌْﺒُﺪَ اﻟﻠﻪَ ﻭَﺣْﺪَﻩُ ﻭَﻧَﺬَﺭَ ﻣَﺎ ﻛَﺎﻥَ ﻳَﻌْﺒُﺪُ ﺁﺑَﺎﺅُﻧَﺎ﴾ [الأعراف: 7]. وهذا هو معنى: لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ.

فبهذا يتبيَّن: ﺃَﻥ ﻣﻌﻨﻰ لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ، ﻭﻣُﻘْﺘَﻀَﺎﻫَﺎ: ﺇِﻓْﺮَاﺩُ اﻟﻠﻪِ ﺑﺎﻟﻌِﺒﺎﺩﺓِ، ﻭَﺗﺮﻙُ ﻋِﺒﺎﺩﺓ ﻣَﺎ ﺳِﻮاﻩُ، ﻭﺃَﻥَّ ﻣﻌﻨﻰ اﻹِْﻟَﻪ: ﻫُﻮَ اﻟﻤَﺄْﻟُﻮْﻩُ: ﺃَﻱْ: اﻟﻤَﻌْﺒُﻮﺩ؛ ﻓﺈﺫا ﻗﺎﻝَ اﻟﻌَﺒﺪُ لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ: ﻓﻘﺪ ﺃﻋﻠﻦَ ﻭﺟﻮﺏَ ﺇِﻓْﺮَاﺩ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻌِﺒﺎﺩﺓِ ﻭبطلاﻥ ﻋِﺒﺎﺩﺓ ﻣَﺎ ﺳِﻮاﻩُ ﻣﻦ اﻷﺻْﻨَﺎﻡ ﻭاﻟﻘُﺒﻮﺭ ﻭاﻷﻭﻟﻴﺎءِ، والطَّواغِيتِ، ﻭﻏَﻴﺮﻫﻢ.

ﻭﺑﻬﺬا ﻳﺒﻄﻞ: ﻣﺎ ﻳَﻌْﺘﻘِﺪﻩُ ﻋُﺒَّﺎﺩ اﻟﻘُﺒُﻮﺭ اليوم ﻭﺃﺷﺒﺎﻫﻬﻢ ﻣﻦ ﺃَﻥَّ ﻣﻌﻨﻰ لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ: ﻫُﻮَ اﻹﻗْﺮَاﺭُ ﺑِﻮُﺟُﻮﺩِ اﻟﻠﻪ فقط دون إفْرَادهُ بالعبادة، وتركِ عِبادةِ ما سِواه ﺃَﻭ ﺃَﻧَّﻪ ﻫُﻮَ اﻟْﺨَﺎﻟِﻖ اﻟْﻘَﺎﺩِﺭ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﺮاﻉ ﻭﺃَﺷْﺒَﺎﻩ ﺫﻟِﻚ، ﻭﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃَﻥ ﻣﻦ اﻋْﺘﻘﺪ ﺫَﻟِﻚ ﻭَﻓﺴَّﺮ ﺑﻪِ لَا إِلهَ إلَّا اﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﺘَّﻮْﺣِﻴﺪ اﻟْﻤُﻄﻠﻖ، ﻭَﻟَﻮ ﻓﻌﻞ ﻣَﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ﻋﺒَﺎﺩَﺓ ﻏﻴﺮ اﻟﻠﻪ ﻛﺎﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺎﻷﻣﻮاﺕِ، ﻭاﻟﺘَّﻘَﺮُّﺏ ﺇِﻟَﻴﻬِﻢ ﺑﺎﻟﺬَّﺑﺎﺋﺢ ﻭاﻟﻨُّﺬُﻭﺭ ﻭاﻟﻄَّﻮاﻑ ﺑﻘُﺒﻮﺭِﻫﻢ ﻭاﻟﺘَّﺒَﺮُّﻙ ﺑﺘﺮﺑﻬﻢ.

ﻭﻣَﺎ ﺷَﻌَﺮَ ﻫَﺆلاءِ ﺃَﻥَّ ﻛُﻔَّﺎﺭَ قُريشٍ، وغيرهم من أهل الجاهلية ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓِﻲ هذا اﻻِﻋْﺘِﻘَﺎﺩ ﻭﻳُﻘِﺮُّﻭﻥ ﺑﺄﻥَّ اﻟﻠﻪَ ﻫُﻮَ اﻟﺨَﺎﻟِﻖ اﻟﻘَﺎﺩِﺭ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﺮاﻉ والدليل قوله تعالى: ﴿ﻭَﻟَﺌِﻦْ ﺳَﺄَﻟْﺘَﻬُﻢْ ﻣَﻦْ ﺧَﻠَﻖَ اﻟﺴَّﻤَﺎﻭَاﺕِ ﻭَاﻷَﺭْﺽَ ﻟَﻴَﻘُﻮﻟُﻦَّ ﺧَﻠَﻘَﻬُﻦَّ اﻟْﻌَﺰِﻳﺰُ اﻟْﻌَﻠِﻴﻢُ﴾ [الزخرف: 9].

ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻣَﺎ ﻋﺒﺪُﻭا ﻏَﻴﺮﻩ إلا ﻟﺰﻋﻤِﻬﻢ ﺃَﻧﻬﻢ ﻳُﻘﺮِّﺑﻮﻧﻬﻢ ﺇِﻟَﻰ اﻟﻠﻪ ﺯُﻟﻔﻰ ﻛﻤﺎ ﻗَﺎﻝَ اللهُ ﻋَﻨﻬُﻢ: ﴿وَالَّذِیْنَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِ أَوْلِیَاۤءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى اللَّهِ زُلۡفَىٰۤ﴾ [الزمر: 3].

فأهل الجاهلية: ما عبدوا الأصنام والآلهة لأنهم يخلقون ويرزقون وإنما ليُقرِّبوهم إلى الله منزلة وليشفعوا لهم عند الله كما روى ابن جرير عن قتادة -في تفسير هذه الآية- قال: «قالوا: ما نعبدُ هؤلاء إلا ليقرِّبونا، إلا ليَشفعُوا لنا عندَ الله».

ولو ﻛﺎﻥَ ﻣﻌﻨﻰ لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ ﻣَﺎ ﺯﻋﻤﻪ ﻫﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑَﻴْﻦَ الرسُول -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه وسلم- ﻭﺑَﻴْﻦَ اﻟْﻤُﺸْﺮِﻛِﻴْﻦَ ﻧِﺰاﻉٌ ﺑﻞ ﻛﺎﻧُﻮا ﻳﺒﺎﺩﺭﻭﻥ ﺇِﻟَﻰ ﺇﺟَﺎﺑَﺘﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ عليه وﺳﻠﻢ- ﺇِﺫْ ﻳﻘُﻮﻝ ﻟَﻬُﻢ -ﺑﺰﻋﻢ عُبَّاد القُبور ومن على نهجهم- ﻗُﻮﻟُﻮا لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ بمعنى: لا ﻗَﺎﺩﺭَ ﻋَﻠَﻰ اﻻﺧﺘﺮاﻉ إلا اﻟﻠﻪ؛ ﻟَﻜِﻦ اﻟﻘَﻮْﻡ -أهل الجاهلية- ﻭﻫﻢ ﺃﻫﻞ اﻟﻠِّﺴَﺎﻥ اﻟﻌَﺮَﺑﻲ ﻓَﻬِﻤﻮا ﺃَﻧﻬﻢ ﺇِﺫا ﻗَﺎﻟُﻮا لَا إِلَهَ إلَّا اﻟﻠﻪ: ﻓﻘﺪ ﺃﻗﺮُّﻭا ببُطلان ﻋِﺒَﺎﺩﺓِ اﻷَْﺻْﻨَﺎﻡ، ﻭَﻟِﻬَﺬَا ﻧﻔﺮﻭا ﻣِﻨﻬَﺎ ﻭﻗَﺎﻟُﻮا:

ألاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الفَتاةُ هَجِينَها
ألاَ قَضَبَ الرّحْمَنُ رَبّي يَمِينَها

❸ ⟦ النَّوْعُ الثَّالِثُ: تَوْحِيْدُ الأُلُوهِيَّةِ ⟧

المَبنيُّ على إخلاصِ التَّأَلُّهِ لله تعالى، من المَحبةِ، والخوفِ، والرَّجاءِ، والتَّوكلِ، والرَّغبةِ والرَّهبةِ، والدُّعاءِ لله وحده، ويَنبَني على ذلك إخلاص العِباداتِ كلها ظاهرها وباطنها لله وحدهُ لا شريك لهُ، لا يجعل فيها شيئًا لغيره، لا لمَلَكٍ مقرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مرسلٍ، فضلًا عن غيرهما.

وهذا التَّوْحِيْدُ هو الذي تضمنه قوله تعالى: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ﴾ [الفاتحة: 5]. وقوله تعالى: ﴿فاعْبُدْهُ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ﴾ [هود: 123]. وقوله تعالى: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيْمِ﴾ [التوبة: 129]. وقوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِيْنُ﴾ [الحجر: 99].

وهَذا التَّوْحِيْدُ هُو أول الدِّين وآخره، وبَاطنهُ وظَاهِره، وهُو أول دَعوة الرُّسل وآخرها، وهُو معنى قول: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) فإنَّ الإلَهَ هُوَ: المَأْلُوه، أيْ: المَعْبُود بالمَحبة، والخَشية، والإجلال، والتَّعظيم، وجَميع أنواع العِبادة، ولأجل هذا التَّوْحِيْدُ خُلقتِ الخليقة، وأُرسِلتِ الرُّسل، وأُنزلتِ الكُتب، وبه افترقَ النَّاسُ إلى مُؤمِنينَ وَكُفَّار، وسُعداء أهل الجَنَّة وأشقياء أهل النَّار.

✱ قال الله تعالى: ﴿يَا أيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ [البقرة: 21].

فهذا أول أمر في القرآن.

✱ وقال تعالى: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوْحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: 23].

فهذا دعوةُ أول رسول بعد حُدوث الشِّركِ.

✱ وقال هود لقومه: ﴿اعْبُدُوْا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 65].
✱ وقال صالح لقومه: ﴿اعْبُدُوْا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [هود: 61].
✱ وقال شعيب لقومه: ﴿اعْبُدُوْا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 85].
✱ وقال إبراهيم - عليه السلام - لقومه: ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيْفًا وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِكِيْنَ﴾ [الأنعام: 79].
✱ وقال تعالى: ﴿وَمَا أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُوْلٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لَا إلَهَ إلاَّ أنَا فاعْبُدُوْنِ﴾ [الأنبياء: 25].

↞ وفي الصحيحين: قال هِرَقْلُ لأبي سفيان لما سأله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ماذا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وحْدَهُ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا».

↞ وفي الصحيحين أيضًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى أهل اليمن: «إنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أهْلَ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ: شَهَادَةُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ» وفي رواية للبخاري : «فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا الله».

↞ وفي الصحيحين أيضًا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ».

⊙ تنبيهٌ: جميعُ ما سبقَ من شرحٍ في هذا الدرسِ سِوى البدايةِ منقولٌ من كتاب تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد لمؤلفه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بتصرفٍ قليلٍ وإضافاتٍ مِنِّي حتى يتضح المعنى أكثر.

#يتبع... ⟦ بيان معنى: لا إله إلا الله ⟧

@Rag_AlSanabek585

سِلْسِلْةُ تِبْيَانِ التَّوْحِيْدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبِيْدِ [01]

#الدرس_الأول: ماهية التوحيد.

بَعدَ أنْ عرفنَا في المُقدمة أنَّ الغايةَ مِن خلقِ الجِنِّ والإنسِ هي: التَّوْحِيْدُ؛ وفي هذا الدَّرس سَنعرف ماهية التَّوْحِيْدُ الذي خَلقَنا الله من أجلِهِ.

التَّوْحِيْدُ: مصدر وَحَّدَ يُوَحِّدُ تَوْحِيْدًا، أيْ: جَعلهُ واحدًا، وسُمِّي دِينُ الإسلامِ تَوحِيدًا؛ لأنَّ مَبناهُ على أنَّ الله: وَاحِدٌ في مُلكِهِ وأفعالِهِ لا شَريكَ لهُ، ووَاحِدٌ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ لا نَظيرَ لهُ، ووَاحِدٌ فِي أُلوهيَّتهِ وعِبادتِهِ لا نِدَّ لهُ، وإلى هذهِ الأنواع الثَّلاثة ينقسمُ توحيد الأنبياءِ، والمُرسَلينَ الذين جَاؤوا بهِ من عندِ اللهِ، وهِيَ مُتَلازمِة، كُلُّ نَوعٍ لا يَنفك عَن الآخر:

❶ ⟦ النَّوْعُ الأوَّلُ: تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ وَالمُلْكِ ]⟧

وهُو: الإقرارُ بأنَّ اللهَ تعالى رَبُّ كل شيءٍ ومَالكهُ وخَالقهُ ورَازقهُ، وأنَّه المُحيي المُميت النَّافع الضَّار المُتفرد بإجابة الدُّعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبِيَده الخَير كله، القَادرُ على ما يشاء، لَيسَ لهُ في ذلك شَريكٌ، ويدخل في ذلك الإيْمَانُ بالقَدَر، وهذا التَّوْحِيْدُ لا يكفي العَبدَ في حُصُول الإسْلامِ، بل لا بًدَّ أنْ يأتي مع ذلك بِلازِمِهِ مِن توحيدِ الأُلوهِيَّة، لأنَّ اللهَ تعالى حَكَى عن المُشركينَ أنَّهم مُقِرُّون بهذا التَّوحِيد للهِ وحَده، والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن یَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاۤءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن یَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن یُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَیُخُرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن یُدَبِّرُ الْأَمْرَۚ فَسَیَقُولُونَ اللَّهُۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31]. وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].

فهُم كانوا يَعلمُون أنَّ جَميعَ ذلك لله وحده، ولم يَكُونوا بذلك مُسلمينَ بل قال تعالى: ﴿وَمَا یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُّشْرِكُوْنَ﴾ [يوسف: 106].

روى ابن جرير وابن أبي حاتم: عن مُجَاهِدٍ في الآية: «إيْمَانُهم بالله قَولَهم: إنَّ الله خَلقنا ويَرزقنا ويُميتنا، فهَذا إيْمانٌ مع شِركُ عِبادتِهِم غَيْره».ورُويَ عن ابن عباس وعطاء والضحاك نحو ذلك.

فَتبيَّن أن الْكُفَّارَ يَعرِفون الله، ويَعرِفون رُبُوبيته، ومُلكه وقهره، وكَانُوا مع ذلك يَعبُدونه ويُخلِصون له أنْواعًا من العِباداتِ كالحَجِّ والصَّدقةِ والذَّبحِ والنَّذرِ والدَّعاء وقت الاضطرار، ونحو ذلك، ويدَّعون أنَّهم على مِلَّة إبراهيمَ -عليه السلام- فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِیْمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصْرَانِیࣰّا وَلَكِن كَانَ حَنِیْفࣰا مُّسْلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِیْنَ﴾ [آل عمران: 67].

وبعضهم يؤمن بالبعث والحساب، وبعضهم يؤمن بالقدر، كما قال زهير بن أبي سُلمى:

يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ
لِيَوْمِ الحِسَّابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَـمِ

وقال عنترة بن شداد:

يَا عَبْلُ أَينَ مِـــنَ المَنِيَةِ مَهرَبي
إِنْ كَانَ رَبِّي في السَّمْاءِ قَضَاهَا

فوَجب علَى كُلِّ مَن عَقَلَ عن الله تعالى أن يَنظرَ ويَبحثَ عن السَّبب الذي أوجبَ سَفك دِمائهم، وسَبي نسائهم، وإباحة أموالهم، مع هذا الإقْرَار والمَعرفة، وما ذاك إلا لإشْراكِهم فِي توحيدِ العِبادةِ الذي هُو مَعْنَى: لا إله إلا الله.

❷ ⟦ النَّوْعُ الثَّانِي: تَوْحِيْدُ الأسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ]⟧

وهو إثباتُ ما أثبَتهُ اللهُ لنفسِهِ في كِتابهِ وما أثبَتهُ له رسُول الله في سُنتهِ على الحقيقةِ؛ من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ، أيْ: الإقرار بأنَّ اللهَ ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِیْمٌ﴾ و﴿عَلَىٰ كُلِّ شَيْءࣲ قَدِیْرٌ﴾ وأنه ﴿الْحَيُّ الْقَیُّوْمُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةࣱ وَلَا نَوْم﴾، له المَشيئة النَّافذة، والحكمة البالغة، وأنه ﴿سَمِیعُۢ بَصِیْرࣱ﴾، ﴿رَءُوْفࣱ رَّحِیْمࣱ﴾، وأنه ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾، وعلى المُلْكِ احتوى، وأنه ﴿المَلِكُ القُدُّوْسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ﴾، إلى غير ذلك من الأسماء الحُسنى، والصِّفات العُلى.

وهذا أيضًا لا يَكفي في حُصُول الإسلامِ، بل لا بُدَّ مع ذلك من الإتْيانِ بِلَازِمِهِ، من توحيدِ الرُّبُوبيَّة والأُلوهيَّة، والكفار يُقِرُّون بجنسِ هذا النَّوع، وإن كان بعضهم قد ينكر بعض ذلك، إما جهلًا، وإما عنادًا، وقد وُجِدَ في بعض أشعار الجاهلية تسمية الله بالرَّحمن.

قال سلامة بن جندل التميمي -من شعراء العصر الجاهلي-:

عَجِلتُم عَلَينا حِجَّـتَـينِ عَلَيكُم
وَما يَشَأِ الرَحمَنُ يَعقِد وَيُطلِقِ

وقال الآخر -وهو من شعراء العصر الجاهلي أيضًا-:

سِلْسِلْةُ تِبْيَانِ التَّوْحِيْدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبِيْدِ [00]

#مقدمة_مهمة.

الحمدُ للهِ الوَاحد الأحد؛ الفَرد الصَّمد؛ الذي لَمْ يكن لَه شَريكٌ ولَمْ يتخذ صاحبةً ولا ولَدًا، والصَّلاة والسَّلام على مَن بُعثَ بالتَّوحيدِ ليُخرجَ الناسَ من عِبادةِ الأصنامِ والأوثانِ إلى عبادة الرَّحمانِ.

أما بعد:

إن الله تعالى لم يَخلُقْ الخَلقَ لعبًا ولا لهوًا كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاۤءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا لَاعِبِیْنَ لَوْ أَرَدْنَاۤ أَنْ نَّتَّخِذَ لَهْوࣰا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَّدُنَّاۤ إِنْ كُنَّا فَاعِلِیْنَ﴾ [الأنبياء: 16-17].

وَإنما خَلقَ اللهُ الخَلْقَ لغَايةٍ عَظيمةٍ خُلقتْ لأَجلِهَا جَميعُ المَخلُوقاتِ، وبِها أَرسلَ الله رُسلهُ، وَأَنْزلَ كُتبَهُ، وشَرَعَ شَرَائعهُ، ولِأَجلهَا نُصِبتِ المَوازينُ، ووُضِعتِ الدَّواوِينُ، وقَامَ سُوقُ الجَنَّةِ والنَّارِ، وبِها انقَسمتِ الخلِيقةُ إِلَى المؤمِنينَ والْكُفَّارِ والأَبرارِ والْفُجَّارِ، وعلَيهَا نُصِبتِ القبلةُ، وعَليها أُسِّستِ المِلَّةُ، ولِأَجلهَا جُرِّدتْ سُيوفُ الْجِهَادِ، وهيَ حقُّ الله عَلى جَميعِ العِبادِ، وأكثرُ النَّاسِ اليوم قَد أشغلتْهُم الدُّنيا والعَيش عَن تَعلُّم الغَاية التي خلقهم اللهُ مِن أجلِها، وباتَ أكْثَرُهم يَعتقد أنَّ اللهَ خلقه لِكي يأكل ويَشرب ويَتَزَاوَج ويعمل فقط، ولا يعلم أن الحَيْوانات تُشاركه فِي هذا الفَعل، فهي تأكل وتشرب وتَتَزَاوَج.

ولكن الله -لهُ الحَمدُ- لم يَتْرُكْنَا هَملًا تائِهِينَ لا نعلم شَيئًا بل بعثَ إليْنَا رَسُولًا مِنَّا يُعلِّمنا الغَاية التي خَلقنا اللهُ من أجلِها، وأَنْزَلَ عَلَيْنا القُرآنَ العظيم تبيانًا لكُلِّ شَيءٍ كما قال -عز وجل-: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَیْكَ الْكِتَابَ تِبْیَانࣰا لِّكُلِّ شَيْءࣲ وَهُدࣰى وَرَحْمَةࣰ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِیْنَ﴾ [النحل: 89].

وقد بَيَّنَ اللهُ لنا في القُرآنِ العظيمِ الغاية التي خَلَقَ من أجلِها الجنَّ والإنْسَ أيما تبيان، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُوْنِ﴾ [الذاريات: 56].

✱ قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ (ت/204 هـ): مَعْنَى قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا لِیَعْبُدُوْنِ﴾ أيْ: إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ.

↞ فالتَّوْحِيْدُ: هو الغَايةُ التي خَلقَنا اللهُ من أجلِها.

#يتبع... ⟦ بيان: ماهية التوحيد ⟧

@Rag_AlSanabek585

قيلَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ رحمه الله : « الرَّجُلُ يَصُومُ ويُصلِّي ويَعتكفُ أَحَبُّ إليكَ أوْ يَتكَلَّمُ في أهلِ البدعِ ؟
فقالَ : إذا قامَ وصلَّى واعتكَفَ فإنما هوَ لنفسهِ ، وإذا تكلَّمَ في أهلِ البدعِ فإنما هو للمسلمينَ ، هذا أفضَلُ »
@Rag_AlSanabek585

كُن في الجانب الذي فيه الله ورسوله وإنّ كان الناس كلّهم في الجانب الآخر .

[إبن القيم] -رحمه الله-
@Rag_AlSanabek585

إن الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة

|سيد قُطب| -رحِمهُ الله-
@Rag_AlSanabek585