﴿قالَ فَما خَطْبُكم أيُّها المُرْسَلُونَ﴾ [الذاريات: ٣١] .
قال ابن عاشور -رحمه الله-:
"وكان في الابتداء بذكر قوم لوط في هذه الآية على خلاف الترتيب الذي جرى عليه اصطلاح القرآن في ترتيب قصص الأمم المكذبة بابتدائها بقوم نوح ثم عاد ثم ثمود ثم قوم لوط أن المناسبة للانتقال من وعيد المشركين إلى العبرة بالأمم الماضية:
- أن المشركين وصفوا آنفا بأنهم في غمرة ساهون فكانوا في تلك الغمرة أشبه بقوم لوط إذ قال الله فيهم ﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ [الحجر: ٧٢].
- ولأن العذاب الذي عذب به قوم لوط كان حجارة أنزلت عليهم من السماء مشبهة بالمطر. وقد سميت مطرا في قوله تعالى: ﴿ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء﴾ [الفرقان: ٤٠] وقوله: ﴿وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل﴾ [الحجر: ٧٤].
-ولأن في قصة حضور الملائكة عند إبراهيم وزوجه عبرة بإمكان البعث فقد تضمنت بشارتها بمولود يولد لها بعد اليأس من الولادة. وذلك مثل البعث بالحياة بعد الممات!".

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْمَعُ التَّوْبَةَ سِتَّةُ أشْياءَ:
- النَّدامَةُ عَلى الماضِي مِنَ الذُّنُوبِ
- وإعادَةُ الفَرائِضِ.
- ورَدُّ المَظالِمِ
- واسْتِحْلالُ الخُصُومِ
- وأنْ تُذِيبَ نَفْسَكَ في طاعَةِ اللَّهِ كَما رَبَّيْتَها في المَعْصِيَةِ
- وأنْ تُذِيقَها مَرارَةَ الطّاعاتِ كَما أذَقْتَها حَلاوَةَ المَعاصِي.

يقول الطبري –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ ‌مِنْ ‌كُلِّ ‌مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 34].
"...وقرأ ذلك آخرون "وآتاكُمْ مِنْ كُلٍّ ما سألْتُمُوهُ" بتنوين كلّ وترك إضافتها إلى "ما" بمعنى: وآتاكم من كلّ شيء لم تسألوه ولم تطلبوه منه، وذلك أن العباد لم يسألوه الشمس والقمر والليل والنهار. وخلق ذلك لهم من غير أن يسألوه. ذكر من قال ذلك:... حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: "وآتاكم من كلّ ما سألتموه" يقول: أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سألتموها، صدق الله كم من شيء أعطاناه الله ما سألناه إياه ولا خطر لنا على بال!".

تعليق الشيخ موسى الدخيلة على كلام ابن جزي -رحمه الله- في (15 دقيقة).

**[لطيفة حول قصة بدر في سورة الأنفال، مختصرة من تفسير الجواهر في تفسير القرآن للشيخ طنطاوي جوهري -رحمه الله-]

قال الشيخ طنطاوي جوهري –رحمه الله-: "إنَّ قصة بدر قد فُصِّلَت تفصيلًا في مواضع مختلفة بحيث حللت تحليلًا مفصلًا ولكل جزء منها حكمة، ألا ترى أنَّه ذكر في أول السورة: (النعاس الذي اعتراهم، ونزول الماء عليهم، وتطهيرهم به، وزوال رجز الشيطان، وتثبيت القلوب، وإلهام الملائكة لهم بالتبشير وبعضهم شاهدهم، وكونهم بالعدوة الدنيا، والعدو بالعدوة القصوى، والركب جهة ساحل البحر، وكونهم حاربوا على غير استعداد، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في منامه قليلًا، وكون المسلمين رأوهم لما التقوا قليلًا، وكون الكفار رأوا المسلمين في أعينهم قليلًا. وجاء في سورة آل عمران** أن الله كثَّر المؤمنين في أعين المشركين -أي بعد احتدام وطيس الحرب- كما قال: (يرونهم مثليهم رأي العين) فصار المؤمنون الذين هم ثلث المشركين تقريبًا في أعين المشركين مثلي عدد المشركين).

فانظر أيها الذكي كيف ذكر القرآن (14) مسألة في غزوة بدر بحيث لم يذر نعاسًا يغشاهم، ولا مطرًا يسقيهم، ولا خاطرًا في نفوسهم، ولا رؤيا في منام نبينا -صلى الله عليه وسلم- ولا رؤية أعينهم ولا منزلهم الذين ينزلون فيه، ولا ترابًا يمشون عليه؛ إلا ذكره وأظهر حكمته! أليس هذا من العجب؟ أليس هذا التحليل يدلنا أن نفكر فيما يحصل لنا من العجائب في حياتنا الدنيا وأن نفكر فيما ينزل بنا من خير أو شر ثم نعرف حكمة الله فيه؟

إن أحوالنا كلها سلسلة متصلة شرّ وخير، ومرض وصحة، وآراء تعرض لنا؛ فعليك أيها العاقل أن تفكر في كل ما يصيبك وما تناله وأن تحللها كما حلل الله غزوة بدر، وتلتمس لكل حال حكمة وتسأل الله أن يعلمك حكمة ما حصل لك؛ فإن هذا يفتح بصائرنا، وينوِّر قرائحنا، ويشرح صدورنا، ويدلنا على عيوبنا، ويبصرنا بذنوبنا، ويرشدنا إلى طرق الصواب.

ولربَّ حادثة واحدة في حياتنا مزعجة تنير بصائرنا إذا تأملناها، وتفكر أيها العاقل فيما مرَّ عليك فستجد من حكم الله فيها ومن العجائب ما لا يشاركك فيها سواك، فلكل امرىء تاريخ لحياته مستقل عن سواه، وإياك أن تستهزىء بتاريخ حياتك! فلتعلم أنه مملوء من العجائب متى فكَّرت فيه، كما أن الزهرة الواحدة تحمل كنزًا من العلم للمتفكرين ولا يعرف لها معنى من لا يعقلون".

ما يمر به أهلنا في غزة الآن أشد مما سبق، والواقع عند إطالة البلاء لا يخلو من أمرين: الأول-نعوذ بالله منه-: إلف أخبارهم وما يقع بهم، واعتياد النظر إلى المشاهد المؤلمة فلا نقف معها، ولا تحرك فينا ساكنا. الثاني-نسأل الله التوفيق إليه-: أنه كلما طال البلاء عليهم كثر الدعاء لهم وتضاعفت سبل نصرهم، وتنافس الناس في البذل والعطاء بكل ما أوتوا من قوة لنصرة إخوانهم!
والله أسأل أن يجعلنا مع الذين ينصرون عباده المجاهدين، وأن يغفر لنا تقصيرنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..

«ومن أعظم التقصير نسبة الغلط إلى متكلم مع إمكان تصحيح كلامه»

- ابن تيمية رحمه الله

قال الهادي بن إبراهيم بن الوزير ـ مدافعا عن أخيه محمد بن إبراهيم ـ عندما تحامل عليه شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم، فقال:
"وجدته ـ أيده الله ـ قد نسب إلى محمد في بعض ما ذكره ما لم يقله، وفهم من أبياته ما لم يقصده .... فإن من حق الناقض لكلام غيره أن يفهمه أولا، ويعرف ما قصد به ثانيا، ويتحقق معنى مقالته، ويتبين فحوى عبارته، فأما لو جمع لخصمه بين عدم الفهم لقصده، والمؤاخذة له بظاهر قوله؛ كان كمن رمى فأشوى، وخبط خبط عشوا، ثم إن نسب إليه قولا لم يعرفه، وحمله ذنبا لم يقترفه؛ كان ذلك زيادة في الإقصا، وخلافا لما به الله تعالى وصى، قال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) وقال تعالى: (قل أمر ربي بالقسط) وقال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) إلى أمثالها من الآيات .... إلى أن قال: فأما مجرد البهت الصراح؛ فلا يليق بذوي الصلاح" اهـ.

من مقدمة المحقق لكتاب العواصم من القواصم (1/ 36/،40) ط/مؤسسة الرسالة.