.

ولكن…
ولكن لمَ رحلتَ دون وداع؟!
أم أنّكَ لا تحب النهايات، ولحظات الوداع والفراق؟
كلّا، لن أقولَ وداعًا؛ بل سأقول إلى اللقاء!
إلى اللقاءِ والسّلام عليكَ حتى ألتقي بك، لنا لقاء آخر عند بارئنا.
ما أتمناه بشدة هو أن يجمعني الله بكَ في الفردوسِ الأعلى، ألم تعلم بأن لكَ ابنة تُحبّكَ حقّ المحبة؟!
ملامحُكَ أبدًا لم تُفارق ذاكرتي!
فكيف لي أن أنسى من كان أنيسَ روحي، وحبيبَ قلبي؟!
تاللهِ، ما نسيتُك أبدًا!
ففي كُلِّ صلاةٍ، في كلّ ركعةٍ، في كلّ سجدةٍ، حتّى بين الأذان والإقامة أنتَ محطّ دُعائي، وفي كلّ مكانٍ وزمانٍ؛ لعلّي أكون مِن مَن قيل في حقّهم: "أو ولد صالح يدعو له"
أتعلم بأني حقًّا اشتقتُ لرؤيتكَ؟
اشتقتُ لسماع صوت ضَحِكاتك حينَ تُلاطفني وتلعبُ معي، يالها من لحظاتٍ لطيفة تُعمّم السّلام في روحي.
ألا تدرِ أنكَ قدوتي في هذه الحياة؟
فأنتَ فخرٌ لي، وسأظلّ أتباهى بكَ، وسأخلد اسمكَ، وأكون مثلكَ في كل شيء.
حسنًا... لن تصدق هذا!
ولكن وصلتني أخبار فحواها أنّه لي تصرفات تشبه تصرفاتكَ تمامًا، وكأنّ روحي مُقترنة بروحكَ، أو أنّ طيفكَ يأسرني ويرغمني على محاكاتكَ!
لا أخفي عليكَ أنّي سُعدتُ كثيرًا بسماع هذه الأخبار؛ فطباعي وصفاتي الجيّدة كلها إرث من شخصِكَ الجميل!
أتذكُر؟
أتذكر حينما كُنّا نُطعم الطّيْر معًا؟
لا زلتُ أذكر هذا وكأنه حصل بالأمس... كُنتَ تحملني على كتفيكَ الحنونتين؛ حتى أعلو إلى الثقب الذي يكمُن أعلى حائطِ المنزل، والذي كان يقِف عليه عُصفورٌ صغيرٌ بالعادة؛ لآتي وأُطعمه الخبز أو فُتاتًا من طعامٍ قد تركَتْه أُمّي لهذا الغرض. وإن كان غائبًا كنتُ أتركُ لهُ نصيبه من رزقه على ذلك الثقب، وأظلّ أترقبّ المكان ريثما يصِل عُصفوري الصغير المُحبّب بسلامٍ لِيَجد طعامه، بينما تُثني أنت عليّ وتُبدي إعجابكَ بتصرفي، ومدحِكَ لشخصي الطيّب حتى تحمرّ وجنتاي من فرط السعادةِ والخجل!
كم كنتَ تغمُرني حُبًّا وشغفًا، وكم كنتُ ابنتكَ المُدللة!
وأنا أيضًا سأغمركَ بالدعاءِ ما حيِيت.
حتماً وإن حاولتُ فلن أوفيكَ حقّكَ يا حبيبي، ولكنّني أرجو الله أن يتقبّل، وأسأله بلُطفهِ ورحمتهِ وعفوهِ أن يجبرني ويعوضني عن كل ذلكَ وإن كان لا يُعوّض. أنا أتوق لكَ، ولن تغب عنّي وأنتَ غائبٌ عنّي، فكيف إن لقيتكَ؟!
رحمة الله تغشاكَ إلى يوم يُبعثون، والحمدلله على أقداره.

- أروى عبد الله

هل أنتِ مثلي يعتريكِ الحنين؟
وهل اللقاء أم الهجر ما تعُدّين؟!

بالله قولي ما حيلتي وأنا أنا
وأنت بما فيك من شوقٍ تصدّين!

- حسين الأندلسي