صوم رمضان محكٌّ للإرادات، وقمع للشهوات الجسمية، ورمز للتعبُّد في صورته العليا، ورياضة شاقة على هجر اللذائذ والطيِّبات، وتدريب منظم على حمل المكروه من جوع وعطش وسكوت، ودرس مفيد في سياسة المرء لنفسه، وتحكُّمه في أهوائها، وضبطه بالجدِّ لنوازع الهزل واللغو والعبث فيها، وتربية عملية لخلق الرحمة بالعاجز المعدم، فلولا الصوم لما ذاق الأغنياء الواجدون ألم الجوع ولما تصوروا ما يفعله الجوع بالجائعين وفي الإدراكات النفسية جوانب لا يغني فيها السماع عن الوجدان، ومنها هذا؛ فلو أنَّ جائعًا ظلَّ وبات على الطوى خمسًا، ووقف خمسًا أخرى يصوِّر للأغنياء البِطان ما فعل الجوع بأمعائه وأعصابه، وكان حاله أبلغ في التعبير من مقاله، لما بلغ في التأثير فيهم ما تبلغه جوعةٌ واحدةٌ في نفس غنيٍّ مترفٍ.

[محمد البشير الإبراهيمي]

في كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم، ولعقله، وإرادته، ودع عنك الأركان الخمسة، فالامتحان فيها واضح المعنى بيِّن الأثر؛ وجاوِزْها إلى أُمَّهات الفضائل التي هي واجبات تكميلية، لا يكمل إيمان المؤمن إلا بها:
كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في القول والعمل،
والصبر في مواطنه،
والشجاعة في ميدانها،
والبذل في سبله،
فكلُّ واحدة، أو في كلِّ واحدة منها امتحان تكميلي للإيمان، تعلو فيه قِيَمٌ، وتهبط قِيَمٌ،
وفي التوحيد امتحان لليقين،
واليقين أساس السعادة،
وفي الصلاة امتحان للإرادة، والإرادة أصل النجاح،
وفي الحج امتحان للهمم بالسير في الأرض، وهو منبعُ العلم،
وفي الصوم امتحان للصبر، والصبر رائد النصر.

[محمد البشير الإبراهيمي نشر عام (1948)]

من ابتلي بشيء من مصيبات الدنيا من فقد حبيب أو تغير نفس أو مرض جسد، فليتأن على نفسه، ولا يتعجل على نقاهتها وعودتها كما كانت.
ولا يزهق أمله بالمقارنة بين يومه وغده فيجمع عليه حسرة المقارنة وألم المصيبة..!
وهذه الدنيا وإن أوهمتك أن أيامها متشابهة فهي ليست كذلك، ففي طياتها من لطف الله وتربيته أنواع وتقدير في كل يوم لك منه نصيب.

واعلم أن هناك أمورًا لا تعوّض مهما حاولت التعويض عنها، تُجبَر بغيرها لكن لا تحل محلها، فلا تنهك قلبك بالبحث عن بديل!

ومن رحمة الله أن جعل بعض هذه الأمور فروعًا للعيش ليس أساسه فيهلك المرء بدونها إن ذهبت أو ضعفت!
وكم من أمورٍ ظننا أنها الحياة، فذهبت وما زلنا..!
ومع هذا فلا يُنكَر أن هجوم ذكراها شديد وآثارها ظاهرة، وتبعاتها سيّالة عليك وعلى من حولك!
لكن من العجب أنها مع طول المدة تصير عوارض، وتذهب عن أصالتها يوم كانت..
فتحتملها النفس وتتصبر تحت وطأتها متعللة أنها سويعات وتنقضي!

سويعات كطرق السنديان لا يصمد تحتها إلا أهل الإيمان، وكل شيء ينهار مهما اشتد بأسه إلا ما اتصل بالسماء:
(فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا)

"فينبغي للإنسان أن يتذكر دائمًا الموت لا على أساس الفراق للأحباب والمألوف؛ لأن هذه نظرة قاصرة، ولكن على أساس فراق العمل والحرث للآخرة، فإنه إذا نظر هذه النظرة استعد وزاد في عمل الآخرة."

-ابن العثيمين -رحمه الله-.

•••??
أسلوب القُرآن حين يُسجّل مشهد الأعين؛ له وقعٌ وجمال، وحسٌ لا يصفه البيان، حين قال تعالى: ‏﴿وإذا سمِعوا مآ أُنزل إلى الرَّسولِ ترىٓ أعيُنَهُمْ تَفيضُ منَ الدَّمعِ ممَّا عرفوا مِنَ الحقِّ﴾.

- تفيضُ من الدمع، بهذه الصّورة ينقل لنا القرآن مشهد من مشاهد رقّة القلب، الرقّة التي بسببها تفيض العين بالدّمع، ولكنّ القرآن يُسجّل مشهد الدمع الإيماني، وتلك اللحظة التي يعرف بها المؤمن الحقّ؛ فيلين قلبه، وترقّ مشاعره، يسجّل القرآن هذه اللحظة ليعلم المؤمن أنّ مشاعره عند الله ليست بمنسيّة، فكيف لو كانت تلك المشاعر إيمانية، والعين إنّما هي ترجمان لما في القلب، بقدر ما يعرف المؤمن الحقّ يتأثر، فالعين (تفيض)… (ممّا عرفوا).. بقدر المعرفة، تحصل الخشية!‏

﴿ربّنا آمنّا فاكتُبنا معَ الشّاهِدين﴾
﴿وما لَنا لا نؤمنُ بالله وما جآءنا منَ الحقّ﴾..
وما لنا لا نؤمن بالله؟

??

"أيها الناس!
من ألمّ بذنب فليستغغر الله وليتب، فإن عاد فليستغغر وليتب، فإن عاد فليستغغر وليتب، فإنما هي خطايا مطوّقةٌ في أعناق الرجال، وإنّ الهلاك كل الهلاك، الإصرار عليها".

[من خطب عمر بن عبد العزيز]

"إن التعلق بالوحي وملأ النفس به، والصلة بالله، عبودية ومحبة وافتقارا، وقيامًا بالأمر والنهي والصلاة والذكر والصلة، ونفع الخلق:
كفيلة بسد حاجة الناس عن كل باب من أبواب اللهو ومتع الفن والجمال أو حتى التعلق بالخلق.

وإن النفس لا تطلب نعيمها ولا سرورها ولا سعادتها من جهة غير جهة الله إلا لنقصها عن مراتب الكمال".