من الصحابة الذين ينبغي أن تُتأمل وصاياهم ويُفتَّش في كلامهم ومقاصدهم به: أبو الدرداء رضي الله عنه، فقد كان طويل الفكرة حَسن الإبانة، وجدير بمن هو كذلك أن تجد مضامين الوحي في طيَّات كلامه، ونور الحكمة في أحواله.

سُئلت أم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: «التفكر والاعتبار».

وقال رضي الله عنه: «تفكر ساعة خير من قيام ليلة».

«وقد جربت على نفسي مرارًا أن أحصرها في بيت العزلة، فتجتمع هي، ويضاف إلى ذلك النظر في سير السلف، فأرى العزلة حميةً، والنظر في سير القوم دواء، واستعمال الدواء مع الحمية عن التخليط نافع؛ فإذا فسحت لنفسي في مجالسة الناس ولقائهم، تشتت القلب المجتمع، ووقع الذهول عما كنت أراعيه، وانتقش في القلب ما قد رأته العين، وفي الضمير ما تسمعه الأذن، وفي النفس ما تطمع في تحصيله من الدنيا، وإذا جمهور المخالطين أرباب غفلة، والطبع بمجالستهم يسرق من طباعهم، فإذا عدت أطلب القلب، لم أجده، وأروم ذاك الحضور فأفقده، فيبقى فؤادي في غمار ذلك اللقاء للناس أيامًا، حتى يسلو الهوى».

ابن الجوزي.

«عجبت لمن تَرك الأصول وطلب الفصول».

أبو عبيد القاسم بن سلام.

القدَر سَلوة البائس، وحتفُ المغرور.

من لطف الله بعباده أن أخفى عنهم أقدارهم، فلا يزال العبد يسعى ويطرق الأبواب وهو محسن الظن بربه، فإما أن يُفتح له أو يُدَّخر له الجزاء في الآخرة، وفي كل خير، وما عند الله خير وأبقى.

والعجب من رجلين: رجلٌ يائس، ورجلٌ مغرور متَّكلٌ على عمله، ووراء كل منما قدَر مجهول.

«وأمامنا من حرب الإنكليز والترنسفال أكبر شاهد وأعظم دليل على أن السلاح إذا كان في أيدي الذين لم يترقوا في المدَنية غلبوا به أضعافًا مضاعفة من هؤلاء الغربيين الواصلين إلى أقصى غاياتها، وسواء انتهت هذه الحرب بالانتصار أو الانكسار لأهل الترنسفال، فقد تبين لنا منها أن أمة مؤلفة من مائتي ألف نفس فيهم الشيوخ والنساء والأطفال قد قاوموا مثل عددهم من جيوش دولة تملك ثلث العالم، فكسروه وهزموه وفتكوا برجاله وقواده مدة من الزمن، وفقدت فيه إنكلترا من الضباط برتبة الميرالاي وحدهم ستة عشر ضابطاً وكل ما عندها منهم في جيوشها خمسة وأربعون فذهب بذهابهم الثلث، وأنفقت ثلاثة وعشرين مليونًا من الجنيهات في بضعة أشهر وسقط اسمها من عالم القوة الحربية وطمع فيها من كان يخشاها.
وما ذلك كله إلا من تأخر أهل الترنسفال في تلك المدنية وبعدهم من كثرة احتياجاتها وقربهم من عيش البداوة وما ينشأ عنه من صحة الأجسام وجلد النفوس، فالبويري كالتركي والبدوي والكردي قليل الحاجة خفيف الحركة في الحرب يحمل كل قوته في خريطته، والجندي الإنكليزي يحتاج إلى المراكب كالبلاد تنقل له أسواق المطاعم والمشارب وفضول العيش ثم تسير العجلات وراءه بها كالأعلام والأطواد إن نقصه شيء منها نقص بقدر ذلك من صبره وجلده وإقدامه وقوة ثباته».

إبراهيم المويلحي (ت ١٩٠٦).

الإسلام دينٌ عملي، بمعنى أن الفعل "عامة" مقدَّمٌ على الترك "عامة"، وهذا أمرٌ مبثوث في فروع الشريعة وتفاصيلها، فالمخالط للناس الصابر على أذاهم أفضل من المنعزل عنهم، والكلام بعلمٍ مقدم على السكوت زهدًا وورعا، والاجتهاد مع القدرة عند احتمال الخطأ مقدَّم على تركه لخوف الخطأ، وهكذا إذا تتبعت فروع الشريعة وجدتها متضافرة على هذا المعنى.

وهذا المعنى راجع إلى أصل جامع، وهو أن العدم المحض لا مَدح فيه، وإنما يُمدَح العدَم إذا كان بملاحظة وجودٍ ما، كترك الظلم، فإنه لا يمدح عند العجز عنه؛ فذلك عدم محض (لا شيء)، وإنما يُمدح إذا تُرِك مع القدرة.

إذا تبين هذا الأمر، تبين خطأ من يحصر الحكمة السياسية في عدم الفعل، في الانتظار والترقب وإطالة الحسابات بغير فائدة، ولوم من أقدم على فعلٍ ما بظنٍ راجح منه مع أخذ استعداداته ولو بحسب ظنه هو، ولا يمنع ذلك من نقد بعض الجزئيات لكن لا يُسحب الخطأ على أصل الفعل.

بعض الناس لا يتحركون إلا تحت غطاء النتيجة الحتمية لصالحهم، أما غير ذلك فهم ساكنون ساكتون يدَّعون الحكمة ويلومون الفاعلين، ولو تبِعهم الفاعلون ما قامت للدين قائمة!

«وفي الاستغفار والإكثار منه فائدة عظيمة، وهي أنه يؤدي بالعبد آخرًا إلى التوبة والإقلاع عن الذنب -وإن كان يقع كثيراً من العبد مع الغفلة- فإنَّه في نفسه حسنة وشكر، وهو يقتضي المزيد، فقد يكون ذلك المزيد التوفيق إلى التوبة: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا…

"أسأل الله أن يبلِّغني أملي فيك، فإنها دعوة على قصرها طويلة".

الحسن بن وهب.

«فالقليل مما تسمح به النفس، ويأتي به الطبع خير من الكثير الذي يُحمل فيه عليها».

ابن وهب الكاتب.

كل عام وأنتم وأحبابكم بخير وعافية، تقبل الله منا ومنكم، وأعاده علينا وعليكم باليمن والبركات والنصر للصابرين الصادقين ووحدة كلمة المسلمين.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.