وَلَقَد وَطِئنَ عَلى المَشاعِرِ مِن مِنىً
حَتّى قَذَفنَ عَلى الجِبالِ جِبالا
فَاِنعَق بِضَأنِكَ يا جَريرُ فَإِنَّما
مَنَّتكَ نَفسُكَ في الخَلاءِ ضَلالا
مَنَّتكَ نَفسُكَ أَن تُسامِيَ دارِماً
أَو أَن تُوازِنَ حاجِباً وَعِقالا

"انني احاول ان اصل إلى شيء يحمل من أوله إلى آخره طابع القلب الكسير"

قال كثير بن عبد الرحمن لعبد الملك بن مروان : أخبرك يا أمير المؤمنين، بينما أنا أسير في بعض البوادي في ساعة الهاجرة في يوم شديد الحر، إذ رفع لي شخص في مفازة ليس بها أنيس، فذعرت منه ، ثم ملت إليه، فإذا هو شاب حسن الوجه جعد الشعر فقلت : إنسي أنت أم جني؟ قال بل إنسي فقلت : ما أخرجك في هذه الساعة إلى هذه البرية؟ قال : نصبت شركا للظباء . قلت ـوقد قرمت(اشتهيت) إلى اللحم يا أمير المؤمنين ـ : تجعل لي نصيباً إن أقمت عليك؟ قال نعم ونعمة عين، فأقمت، عنده حتى اقتنص ظبية كأحسن ما يكون من الظباء، ثم قبض على قرنها وأقبل ينظر في محاسنها ويقول :
أَيا شِبهَ لَيلى لا تُراعي فَإِنَّني , لَكِ اليَومَ مِن بَينِ الوُحوشِ صَديقُ
ثم أطلقها وجعل ينظر في أثرها ويقول :
أقول وقد أطلقتها مِن وثاقها , فأنت لليلى إن شكرتِ عتيقُ.
فعيناك عيناها وجِيدك جيدها, سوى أن عظم الساق منكِ دقيقُ.
وكادت بلاد الله يا أم مالِكٍ, بما رحُبت منكم عليّ تضيقُ.

اقتربنا نحو مدى الصوت، وبما أن السفينة السريعة باتت قريبة شاهدتها الحوريات بحماس، غنين أغنيتهن المتناغمة...
هكذا غنّين، صدحنَ بصوتهن الجميل، قلبي يريد الاستماع إليهن،وبحركة من حاجبي،أشرت إلى أصحابي أن يطلقوني، ولكنهم زادوا من قوة التجذيف... وبعد أن ابتعدوا عنهن، ولم نعد نسمع أصواتهن وغناءهن، نزع أصحابي الأعزاء الشمع من آذانهم وأطلقوا سراحي.

هوميروس| الأوديسة

لماذا السعدونية خطر على الإنسان العراقي؟
السعدونية، هي محاولة ترميم للنفس وللثقافة العراقيتين. حاول الكثيرين من صنع نفس مؤطرة، لكنهم فشلوا، أن كان الأمر فكري أو تجريبي سياسي. وكل المحاولات السابقة هي امتداد سعدوني، لهشاشة الثقافة العراقية الهزيلة، التي يخوض العراقيون فيها حرباً، لمحاولة التعبير الوجداني،سياسياً، ثقافياً، نفسياً، الخ. لكن في كل مرة تطل (السعدونية) برأسها بأشكال متعددة، فينهزم العراقي، ويعلن استسلامه، بعد كل جولة واحدة في كهف الفكر، الذي أفجع بعدم قدرته على استكشافه، وبعدها يعلن عدميته :التي هي عبارة عن ابتذال كوميدي، لتسخيف الحاضر، أو رومانسية متطرفة :يتمنى من خلالها العيش بسلام، وقد تكون مفردة:عزة شوكت نعيش بسلام؟ تختصر الفكر السياسي العراقي الرومانسي الهزيل. أو مفردة:هذا مثقف عظيم، لكن دون معرفة ما يريد من القارى أو المستمع، وهل يملك فكر رصين، يتبع درجات صلبة، وصل فيها اخيراً لقمة (الحكم الفكري على الأشياء من حوله؟).

السعدونية هي ثقافة هشة، مدفوعة بشغف الإطلاع عند العامة. ولا ترتكز على المنطق أو حركة التاريخ، ولا السعدوني قادر فعلاً على تعريف نفسه، هل هو يمين أم يسار، ليبرالي، أم رجعي، الخ. وما يحاول المثقف السعدوني بيانه للجميع، أنه بلا أعداء، أو أعداء محددين بحكم سياسي مسبق، لكنه لا يريد أن يكون عدو للعامة، والمثقف الجريء هو من يحرك المياه الآسنة، التي يطفو عليها الجميع، لكنه لا يستطيع أبداً محاربة مصدر رزقه:الجمهور.

إن الكلمات والنصوص تُضفي على هذه المشاعر طابعًا عقليًّا تصوريًا؛ فالكلمات هي الأغلال التي تكبل المشاعر..

روبرت شومان