قال الجاحظ:
وقال ابن صديقة لرجل رأى معه خفّا: ما هذه القلنسوة؟ فاحتكموا إلى عرباض، فقال عرباض: هي قلنسوة الرّجلين!
وقيل رأى قوم مع رجل خفًّا فقالوا: ما هذا؟ فقال: قلنسوة، فضحكوا منه، فقال عياض: صدق، هذه قلنسوة الرجل.
-البيان والتبيين - الجاحظ
قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ ... يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
فَتَقُولُ عَائِشَةُ واللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ شِعْرٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ قَطُّ وَمَا ارْتَابَ فِي اللَّهِ مُذْ أَسْلَمَ وَلَقَدْ تَرَكَ هُوَ وَعُثْمَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَكِنْ قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي كِلَابٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا هَذَا الْكِلَابِيُّ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ رثا بِهَا أَهْلَ بَدْرٍ حِينَ قُتِلُوا ... وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
تُحَيِّي بِالسَلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قَالَتْ عَائِشَةُ فَنَحَلَهَا النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ
-أحاديث الشعر - عبدالغني المقدسي
جابر بن حيان الصوفي الكوفي كَانَ متقدماً فِي العلوم الطبيعية بارعاً منها فِي صناعة الكيمياء وَلَهُ فِيهَا تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة وَكَانَ مع هَذَا مشرفاً عَلَى كثير من علوم الفلسفة ومتقلداً للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام كالحارث بن أسد المجاشي وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم .. وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشاط الاصطرلابي الأندلسي أنه رأي لجابر بن حيان بمدينة مصر تآليفاً فِي عمل الاصطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير لَهُ.
-إخبار العلماء بأخبار الحكماء -لـ؛ علي بن يوسف الشيباني (ت646هـ)
فصل في ذكر من حجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
قال ابن سيده: الحجم: المصّ. يقال: حجم الصبى ثدي أمه إذا مصه.
والحجام: المصاص. قال الأزهري: يقال للحاجم حجّام لامتصاصه فم المحجمة. وقد حجم يحجم حجما، وحاجم حجوم وفتق أحجم.
وقد ورد أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اثنان، هما: أبو طيبة مولى بنى حارثة، واسمه نافع، وقيل: ميسرة، لم يشهد بدرا
وأبو هند عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها
-إمتاع الأسماع للمقريزي
أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا
هو عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري.
وصاحبته هي ريا بنت الغطريف السللي. علقها بمسجد الأحزاب يوم منتزه، وأصل ذلك أن عبد الله بن معمر القيسي حين دخل المدينة قال بينما قد زرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً وجلست إذا أنا بشخص ينشد بصوت شجي ولا أراه:
أشجاك نوح حمائم السدر ... فاهجن منك بلابل الصدر
يا ليلة طالت على دنف ... يشكو الفراق وقلة الصبر
أسلمك من تهوى لحرّ جوى ... متوقد كتوقد الجمر
ما كنت أعلم أنني كلف ... حتى تلفت وكنت لا أدري
فالبدر يشهد أنني كلف ... مغري بحب شبيهة البدر
فتبعت الصوت فرأيت شاباً حرقت الدموع خده، فقال لي اجلس أحدثك أنا فلان كنت يوماً بمسجد الأحزاب إذا بنسوة يتنزهن، فيهن جارية لم أر مثلها، وقفت علي وقالت ما تقول في وصل من يطلب وصلك، ثم مضت فلم أعرف خبرها، ثم غشي عليه ساعة فلما أفاق أنشد:
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... تراكم تروني في القلوب على البعد
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم ولو ... كنت في الفردوس أو جنة الخلد
فشرعت في تسليته، فقال هيهات، قال عبد الله فلما طلع الصبح قلت له قم بنا إلى مسجد الأحزاب فأنشد:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النوى طربا
ما أن يزال غزال فيه يظلمني ... يهوى إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر هيمه ... أو أنه طالب للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثواباً ما أتى ظهراً ... مضمخاً بفتيت المسك مختضبا
فمضينا إلى المسجد فحيناً صلينا الظهر أقبل النسوة ولم نر الجارية فيهن، فقلن له ما ظنك بمطالبة وصالك، فقال وأين هي، قلن له مضى بها أبوها إلى السماوة فأنشد:
خليليّ ريا قد أجدّ بكورها ... وسارت إلى أرض السماوة عيرها
خليليّ قد غشيت من كثرة البكى ... فهل عند غيري عبرة استعيرها
فقلت له قد وردت بمال جزيل أريد به الحج، وقد عزمت على أن أبذله في حاجتك فهل لك أن تسير معي إلى قومها وأبيها، فقال نعم فسافرنا إلى أن وافينا أباها، ففرش لنا الانطاع ونحر لنا النحائر، فحلفنا ألا نأكل له طعاماً أو يقضي حاجتنا، فقال اذكروها فأعلمناه بخطبة عتبة، فقال من عتبة، فقلنا من الأنصار، قال ذاك إليها فقلنا له أخبرها، فدخل عليها وأعلمها فشكرت عتبة فقال قد نمى إلي أمرك معه وأقسم لا أزوجك به، فقالت إن الأنصار لا يردون رداً قبيحاً فإن كان ولا بد فاغلظ عليهم المهر، فقال نعم ما أشربت به، ثم خرج فقال قد أجبت ولكن على ألف دينار وخمسة آلاف درهم هجرية ومائة ثوب من الابراد والخز وخمسة أكراس من العنبر، فضمنا له ذلك وقلنا له إذا أحضرناها أجبت قال فاحضرنا ذلك، فأولم أربعين يوماً ثم أخذناها ومضينا، فحين قاربنا المدينة خرج علينا خيل كثيرة حسبنا وهم بأمر أبيها فقاتلناهم زماناً، فجاءت طعنة في نحر عتبة فسقط ودمه يفور، فجاءتنا النجدة فإذا هو ميت فحين علمت الجارية بموته جاءت حتى انكبت عليه وأنشدت:
تصبرت لا إني صبرت وإنما ... أعلل نفسي أنها بك لاحقه
ولو انصفت روحي لكانت إلى الردى ... أمامك من دون البرية سابقه
فما أحد بعدي وبعدك منصف ... خليلاً ولا نفس لنفس موافق
ثم شهقت شهقة فماتت فواريناهما معاً.
من جميل ما قاله "ابن سلّام الجمحي" في مقدمة كتابة الشهير"طبقات فحول الشعراء" قال:
"وفى الشّعْر مَصْنُوع مفتعل مَوْضُوع كثير لَا خير فِيهِ وَلَا حجَّة فى عَرَبِيَّة وَلَا أدب يُسْتَفَاد وَلَا معنى يسْتَخْرج وَلَا مثل يضْرب وَلَا مديح رائع وَلَا هجاء مقذع وَلَا فَخر معجب وَلَا نسيب مستطرف
وَقد تداوله قوم من كتاب إِلَى كتاب لم يأخذوه عَن أهل الْبَادِيَة وَلم يعرضوه على الْعلمَاء
وَلَيْسَ لأحد إِذا أجمع أهل الْعلم وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة على إبِْطَال شئ مِنْهُ أَن يقبل من صحيفَة وَلَا يرْوى عَن صحفى "
صخر بن عمرو وزوجته وأمه
قال الأَصْمَعِيّ: التقى صَخْرُ بْن عَمْرو السُّلَمِيّ وَرجل من بني أَسد، فطعن الأسدي صخرًا فَقِيل لصخر كَيفَ طَعَنَك، قَالَ: "كَانَ رُمْحُه أطولَ من رُمْحِي بأُنْبُوب"،
فضمن صخرٌ مِنْهَا فطال مَرضه، وَكَانَت أُمّه إِذا سُئلت عَنْهُ، قَالَتْ: "نَحْنُ بخيرٍ مَا رَأينَا سوادَه بَيْننَا"، وَكَانَ امْرَأَته سُلَيمَى إِذا سُئِلت عَنْهُ، قَالَتْ: "لَا حَيٌّ فُيْرجَى وَلا مَيِّتٌ فيُنْعَى".
فهَمَّ صَخْرٌ بِقَتْلِ زَوْجَتِهِ مِنَ الغَيْظِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْمِلَ السَّيْفَ.. فأنشد شعرًا في ذلك.. وقيل: طعنه ربيعة الأسدي، فأدخل حلقات من حلق الدّرع في جوفه، فضمن منها زمانا ثم كان ينفث الدم وينفث تلك الحلق معها، فملّته امرأته، وكان يكرمها ويعينها على أهله، فمرّ بها رجل وهي قائمة، وكانت ذات خلق وأوراك، فقال: أيباع الكفل؟ قالت: عمّا قليل. وكل ذلك يسمعه زوجها صخر، فقال: لئن استطعت لأقدّمنّك أمامي، وقال لها: ناوليني السّيف أنظر هل تقلّه يدي، فإذا هو لا يقلّه. فقال صخر:
أرى أمّ صخر لا تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
فأيّ امرىء ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلا في أذى وهوان
لعمري لقد نبّهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغترّ بالحدثان
فللموت خير من حياة كأنّها ... معرّس يعسوب برأس سنان
-من كتاب التذكرك الحمدونية لابن حمدون البغدادي.
وللخنساء في رثاء أخويها صخر و معاوية ما هو معروف ومشهور من الشعر.
هامش: قَوْله "فضمن" مَعْنَاهُ سَقِم وبَلِي جِسْمه، يُقال: بفلان ضمانٌ أي سقامٌ، وضمانةٌ مثل زَمَانة، قَالَ ابْن الدُّمَيْنة:
أُمَيْم بقلبي مِنْ هَوَاكِ ضمانةٌ ... وأنتِ لَهَا لَو تَعلمين طبيب
يقول ابن قيم الجوزيَّة: "وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون، الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك؛ لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات".انتهى كلامه.
وأعظم ما يحتاج إليه الحزين والمكتئب والخائف والقلق هو السكينة. وتأملوا هذه الآية العظيمة مليًا. قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على هؤلاء منحتهم السكينة، وهي من أعظم ما يناله العبد من الخير.
ومن أيسر وأعظم الطرق إلى هذه السكينة: كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال في الحديث الصحيح: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً).
منقول
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد