قيل أن داود عليه السلام لما كان يتوقف عن الذِّكر، يُسمعه الله تسبيح المخلوقات حوله ليستمر داود عليه السلام في التسبيح.

الله يغار على قلب عبده المؤمن الذي تعوّد على الذِّكر والدعاء ..
فإذا وجده الله قد فتَر قلبه، فلا يتركه فترة طويلة في هذا الفتور، وإنما يُغيث قلبه بأن يرسل إليه الرسائل التي تُنشّطه وتُعينه وتساعده على سرعة العودة.
وطبعًا لأنه يعرف ربه، إذن مباشرة يفهم رسائله سبحانه وتعالى ..

هذه معاملة الودود سبحانه لمن يُحبهم.

سمعتُ طفلة تشتكي وتقول صديقاتي ما يلعبوا معي لأنني لستُ جميلة وحلوة!

قلت سبحان الله!
ما هذا الوسواس الذي دخل قلبك الصغير يا صغيرتي؟!

وأهلها يقولون لها لازم يكون عندك ثقة في نفسك!

نهار أبيض! كمان زادوا البلاء بطلب الثقة بالنفس!!

هذا الوسواس الشيطاني يكبر مع البنت حتى تجدها امرأة متزوجة وتشكُّ في زوجها وأنك ما تحبني لأنني لست جميلة! ثم تبدأ تتجه ناحية عمليات التجميل وتكبّر وتنفخ وتصغّر وتُغيّر خلقة الله سبحانه!
وتأخذ من شعرات حاجبها وما يهمها لعنة ربنا لها..!

تدخل في حالة نفسية صعبة .. كله لأنها ما عرَفت ربنا الجميل سبحانه، ومن ثم ما رضيت بخلقتها، ومن سخط فله السخط من ربنا ..

يعني هي لو كانت عرفت الله أنه الجميل سبحانه، وأنه قادر على أن يُجمّلها في عين زوجها وأعين الناس جميعًا، كانت هدأت نفسيتها وازدادت جمالًا ..

معقول هذا الأمر ...؟
إي وربي ..

تعرفون لما نرَ أحدًا في مقاييس جمال البشر هو ليس جميلًا، لكن أول ما نراه يقع حُبه في قلوبنا، ونتمنى لو نبقى نتكلم معه وقتًا طويلًا، ويمر الوقت وتمر الساعات ونحن لا نشعر من استمتاعنا بالحديث معه ..
أكيد تعرفون هذا الأمر ..

هل فكرنا ما السبب ؟
لأن ذاك الشخص أقبل على ربه منكسرًا خاضعًا مطيعًا مستسلمًا، مُحبًّا، قد عرف أن ربه جميل في أفعاله وأن خِلقته هذه له أحسن خِلقة خلقه عليها .. فكان راضيًا عن مولاه ..

فكان الجزاء أن كساه الله جمالًا في وجه وأخلاقه وطيب كلامه، وكسا قلبه جمالًا باطنًا فصار لا غل فيه ولا حسد ولا كِبر ولا مَن ولا حقد ..

فلما صار جميلًا أَحَبّه الناس ..
صَوَّره الله في قلوبهم بأحسن صورة .. فكلما رأوه ازدادوا حُبًّا له وارتاحوا للكلام معه ..

فالله سبحانه وتعالى إذا صوّرك في قلب أحد، أحبَّك هذا الشخص حتى لو ماكان يعرفك ..

فصار الجمال كله منه سبحانه وإليه ..

نحن فُطرنا على حب الجمال، وحُب من كان جميلًا في خُلقه وخِلقته ..

فإذا عرف القلب أن الله سبحانه جميل .. أحبّه وتعلق به، فزاده الله جمالًا وجمّله في أعين الناس ..

الجميل سبحانه وتعالى

لا أجمل ولا أبهى منه في الوجود، سبحانه له الجمال التام الكامل من كل الوجوه، بل الجمال كله له، والجمال كله منه وبه ..

هو الجميل الذي جمَّل هذا الوجود بجمال لا ينفد، وحُسن لا ينتهي، وإبداع لا ينقضي.

كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صُنعته وجماله ..

هو الجميل الذي يحب الجمال في الأقوال والأفعال والأخلاق .. يحب الجمال وأهله ..

هو الجميل سبحانه الذي يُجمِّل من يشاء من خلقه في خِلقته وخُلُقه، كما في دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمرو ابن أخطب:
اللهم جمِّله وأدِم جماله.

هو الجميل سبحانه في ذاته وفي أوصافه وفي أسمائه وفي أفعاله ..
كلما عرفته باسمه الجميل أحببته حُبًّا عظيمًا وتعلقت به تعلُّقًا شديدًا ..

فيا صغيرتي ويا صديقتي .. لا تعصين الله طلبًا للجمال لأنه سيعاملك بعكس ما أردتِّ ويغلق قلوب الناس عن محبتك فلا ترى أعينهم أي جمال فيكِ مهما صنعتِ ومهما وضعتِ على وجهكِ ..

إنما الجئي للجميل سبحانه وخالق الجمال، واسأليه يهبكِ جمالًا في وجهك وفي قلبك وفي أخلاقك وأفعالك وأقوالك .. ثم انظري كيف سيُلقي حُبكِ في قلوب الناس ..

الشيخ صلاح البدير ، أحد أئمة الحرَم المدني المبارك ..

أُصيب نسأل الله السلامة والعافية بورم كبير في الرأس، أدّى إلى بروز عينيه للخارج ..

ذهب للمستشفى بالمدينة، ومن تواضعه ما قال لهم أنا إمام الحرم، لكن هم عرفوه ..

قال له الأطباء لابد تذهب لمستشفى تخصصي في الرياض لإجراء الفحوصات هناك ..

ذهب بالفعل، ولما وصل عرفوا أنه إمام الحرم، فأحضروا له ١٤ استشاري .. كلهم أجمعوا على أن الأمر خطير ولابد من جراحة في الرأس وشقّ الرأس لإستئصال الورم ..

قال لهم ممكن تتركوني أذهب أُصلّي ركعتين في مصلى المستشفى؟
قالوا نعم ..

ذهب، وصلّى ركعتين، ثم وضع يده على رأسه وألهمه الله الدعاء باسمه السلام، فقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام

وظل يكررها يكررها كثيرًا ..
فمنه سبحانه السلامة والأمان ..

لما عاد للأطباء، وجدهم قد اهتدوا إلى عمل منظار لسحب الورم بدلًا من الجراحة الكبيرة وشق الرأس ..
فسألوه بماذا دعوت؟
فأخبرهم.

فقالوا له: قد سلّمك السلام وأمّنك ?

فسبحانه السلام .. وكونه سالمًا إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيئ من العيوب في الماضي ولا في الحاضر ولا في الزمان المستقبل أبدًا،
فإنّ الذي يطرأ عليه شيئ من العيوب فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليمًا.

فسبحانه السلام سلّم عباده من أن يصدر منه قبيح أو شر أو ظُلم .. فكل أقداره خير عظيم حتى لو كرهناها في البداية ..

السلام سبحانه سلِم من عذابه أولياؤه.

السلام سلَّم على أنبيائه وأوليائه في الدارين.
فهو لازال يؤيدهم وينصرهم ويجبرهم ويطيّب خواطرهم ويُسلّمهم من كل هَم وحزن وكرب ..

فسلام منه كافٍ ومُغنٍ ومقرِّب من كل أمنية، وسلام منه تتم به النعمة ويُدفع به البؤس عن عبده المؤمن .

ولذلك جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
أُقْرِئْ خَدِيجَةَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ:
اللَّهُ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلِ السَّلَامُ.

يا الله!
عبد يعيش في الدنيا ويعلم أن ربه يُسلّم عليه!
أي خير وبركات سيذوقها في دنياه وأخراه!!

ولذلك بعد كل صلاة نستغفر الله ثلاثًا ثم نقول اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام.

فبعدما تشتكي كل همومك في الصلاة لرب العالمين، تخرج من الصلاة تسأل الله أن يسلّم صلاتك من ألّا تُقبل ويسلّمها من كل ما وقع فيها يسبب نقصان الأجر، ويسلّمك أنت من الدنيا التي ستعود تتعامل فيها بعد خروجك من الصلاة ..

فلابد نعيش معاني هذا الاسم المبارك في حياتنا وندعو ربنا به ..
فإنه سبحانه إذا أنزل على قلبك وبدنك السلام أمّنك من كل المخاوف ودفع عنك كل بلاء وأعطاك العطايا سالمة من كل ما يكدّرها ?

فلما ندعو ربنا بهذا الاسم، إن كان عندنا مريض مثلًا، نفعل كما فعل الشيخ حفظه الله ..

أو لو نقلق على محبوب مسافر .. ندعو ربنا بهذا الاسم ..

أو لو نخاف حسدًا أو عينًا .. ندعو ربنا اللهم أنت السلام ومنك السلام .. سلّمني يارب .. أنزل عليّ سلامك وأمانك ..

أخاف شيئ يضيع مني أو من أحد .. أدعو ربنا بهذا الاسم ..

وهكذا ..

اسم الله الجَوَاد

- الجُود هو التسمُّح بالشيئ وكثرة العطاء ..

وفي لغة العرب: الجود من المطر: هو الذي لا مطر فوقه في الكثرة.

- الجود من الجيد، وهو نقيض الرديئ.

- والجواد هو الطريق الممهد، مفردها جادّة وهي سواء الطريق ووسطه أو الطريق الأعظم التي تجمع الطرق.

فالرب سبحانه وتعالى كلما كان الناس إلى الشيئ أحوج، كان الرب به أجوَد.
وكلما كانوا إلى بعض العلم أحوج، كان به أجوَد.

وهو سبحانه وتعالى إذا وهبك هبةً، فإنه يجود عليك فيها، فيُكثِّر خيرها وبركاتها، ويجمع لك كل حاجاتك ورغباتك فيها عندما يجود عليك بها، بل فوق ما ترجو وتتمنى ..

وهو سبحانه لما يجود على عبده بعطاء، يكون ذاك العطاء أجوَد وأحسن ما يكون .. فيكون شيئًا رائعًا مزهلًا ممتازًا .. ليس رديئًا ولا فيه عيب .. بل العطاء جيد جدا ..
سواء كانت وظيفة، أو زوج، أو زوجة، أو ذرية، أو غرفة نوم، أو شنطة، أو حذاء، أو طعام، أو أي شيئ تسأله الجواد سبحانه ..

وهو الجواد الذي إذا سمح بالعطاء فإنه يُغدقه عليك .. لأنه سبحانه يده سحّاء الليل والنهار ..

تعرفون ماذا يعني أن يده سحّاء ؟

تعرفون لما نقول على أحد يبكي بشدة ولا نستطيع أن نوقفه عن البكاء والدموع، فنقول عنه: شغال يسح في دموعه!
يعني دموعه لا تتوقف ..

فعطاء رب العالمين إذا سمح به، فإن يده سحّاء يعني يُصَبّ عليك من الخيرات صبّا وكأنه انفتح ولا أحد من الخلق قادر أن يغلقه .. وهو عطاء جيد من الجواد سبحانه، كله نفع وبركة وخير .. تزداد به حُسنًا ورفعة وبركة ..

فلذلك كما سألته باسمه الوهاب أن يهبك كذا وكذا .. فزد على اسم الوهاب اسم الجواد، وقُل يارب جُد عليّ وأعطني كذا وكذا فإنك أنت الجواد ..

?
?
?

لنفهم أكثر معنى عفو الله سبحانه وتعالى، ننظر كيف تتكلم العرب:

العرب تقول:

١ - عفا مال فلان: يعني كثُر.

٢ - أعطيته من عفو مالي: يعني مِن أطيبه وأجوده وأحسنه وحلاله.

٣ - عفَت الريح الآثار: يعني مَحَتها وطمستها.

٤ - أعطيته عفوًا: يعني أعطيته من غير سؤال.

والقرآن نزَل بكلام العرب، فنفهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى إذا عفا عنك، محى سيئاتك تمامًا وأزال أثرها، وأعطاك عطايا كثيرة، بل يُعطيك من قبل أن تسأله، ويُعطيك أطيب العطايا وأحسنها وأجودها ..