أن يأتينا من نطمئنُ معهُ
هذا أعظمُ عوض من الله .♥️

مرحبًا عزيزتي،

أثق أن يومًا ما سوف يزول كل هذا، المعاناة، الحروب، الخلافات، وكل شيء.

في الحقيقة، أحتاج جلسة طويلة معك. ربما أريدك أن تتكلمي لي عن الوطن: كيف بدأ وأين سيذهب، أو عن المسافات والحواجز. تكلمي لي عن المسافات واكشفي لي أسرارها، عن كيفية بناء البشر مقهى لهم في الخيال ولقائهم مع من يحبون.

أتعلمين، عزيزتي؟ بت أشعر بتشابه كبير بين البشر. فربما باتت الأشياء التي تكسرنا هي نفسها، لكن أسباب سعادتنا مختلفة فقط. أصبح الفقد اعتياديًا، والحب اعتياديًا، والسفر اعتياديًا أيضًا. نشعر جميعًا أننا مألوفون لبعض رغم أننا غرباء، بسبب أن الأمور ذاتها تكسرنا.

وجميعنا مدمنون على الخيال. كما قال محمود درويش: "ولنا في الخيال حياة". أشعر أحيانًا أن الخيال هو شيء مثل عمل خيري، يأخذنا إلى عالم يسعدنا حين يحاصرنا واقع بائس.

لقد رسمت في خيالي بعيدًا عن الواقع وعن المسافات، مقهى في مكان عالٍ يطل على دمشق، فارغ ليس به إلا نحن، وفيه فيروز تغني دائمًا، مكانه بعيد جدًا عن واقعنا، أنتظرك هناك، لا تتأخري،
أحبك.

عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٤,١٢,٢٦

الأغنية بقلبي ♥️♥️

في بدايات الصباح، وبعد ليالي المعاناة والسهر، يتمثل صباحي منذ سنين بفنجانين قهوة بدون سكر، وفيروز،

أحياناً أفكر كم هو جميل أن تكون وفياً، ربما لحب، وربما لعادات جميلة، وربما لأغنية أحببتها ولم تسمح لنفسك أن تمل منها رغم مرور الزمن، أبقى أستمع إليها دائماً، رغم صدور آلاف الأغاني بعدها، حتى مع وجود بدائل أكثر لذة في زمننا الحديث، أجد نفسي متمسكًا بعادتي، بفنجان القهوة، وبأغاني فيروز التي لم أمل من تكرارها معها بصوتي النشاز،

وأنتِ، هكذا تماماً، لا أمل في تكرارك. لا أمل في التفكير بكِ في الصباح مع فنجان قهوتي، أنتِ الذاكرة بحد ذاتها، ومصدر السعادة التي تجعل من كل صباح موعداً مع الجمال، كل رشفة من القهوة تذكرني بكِ، وكل نغمة من أغاني فيروز تأخذني إلى عالمكِ حيث تبقى الذكريات حية ومشرقة،

أنتِ تلك العادة التي سأحافظ عليها بكل حب، ذلك الحضور الذي يُشعرني بالأمان والسكينة. فمع كل شروق شمس، أستقبل الصباح بفنجان قهوتي وفيروز، وأستنشق ذكراكِ كعطر يملأ المكان، ليصبح الصباح جزءًا من أسطورة أرويها بنصوصي.

عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٤,١٢,٢٠

صباح الخير لكِ، لتلك العينين الجميلتين، فمنذ رأيت عيناكِ، أصبحتُ مدركًا أنهما ستبقيان في ذاكرتي محفورتين للأبد، وثم، صباح الخير لباقي تفاصيلك الفاتنة، التي تضيء هذا الكوكب بألوانها لا أنكر أنكِ مدهشة وملفتة، كأطول سنبلة في الحقل وأكثرهن إرتواء، غارقة بإزدهارها وإشراقها.

وكلما تحدثتُ إليك، أزدتِ جمالاً يُذهلني، وينطقُ قلبي بتعجب: يا سبحان الله، الذي تفنن في خلق هذا الجمال يا للغرابة، ومن قال انك مثلنا؟ لا أظن أنكِ تشبهين أحداً، بل أنتِ كنجمة تتلألأ في السماء وحدك. ??

- عهد النعيمي

"لو مررت يديك بشَعري
لشعرتُ بأن الليل أقل وَحشةً وغربة.

لو وضعتني قبل أن تنام
بينَ ذراعيك
لتبدد خوف الليالي من داخلي؛
لولدت
شمسًا جديدة.."

https://t.me/Nirva28/17554

عزيزتي
كعادتي أواجه هذا العالم بفنجان قهوة وعينيكِ. كالعادة، إنها الفترة التي تتوافد فيها الأفكار إلى ذهني. قرأت البارحة اقتباساً من رواية يقول: "بعد مرور مائة عام من الآن سيتحول كل هؤلاء ومن بينهم أنا، سيكونون قد تحولوا إلى رماد واختفوا عن وجه الأرض." خاطر يجعل كل ما أراه أمامي يتخذ مظهراً غير حقيقي.

حينما فكرت بذلك الاقتباس، راودتني فكرة النسيان. كم من البشر قبلنا ساروا على طرقنا ولم يبقَ لهم أثرٌ، إنها لدنيا غريبة يا عزيزتي. أيعقل هذا؟ أكتب لك الآن و فيروز تغني وتقول: "كل مين طوي شراعو وراح بهالمدى".

في الحقيقة، لا أستطيع استيعاب أننا بقدر ما نعيشه في حكايتنا، بكل ما فيها من نجاح وفشل، حب وزواج وطلاق، صداقة وإخوة، غدر ووفاء، عشق وفراق، وخيبة أمل وندم، نُنسى ونتبخر تماماً، نحن وقصصنا. ربما لهذا أكتب لكِ، كي أحاول أن أخلد ما يحدث بداخلي لأطول زمن.

وربما تكون فعلاً رسائل عشوائية لا معنى لها أحياناً، فالمفردات في النصوص، يا عزيزتي، تقودني وأنا أوقودها. كل كلمة تحمل جزءاً من روحي، وحين أكتب لك، أشعر أنني أترك بصمة في زمن قد يتلاشى. وأتلاشى معهُ أيضًا  فليكن لفنجان قهوتي وعينيكِ سحرٌ يذكرني بأنني موجود، وأن كل ما أشاركه معك له معنى، حتى وإن كان عابراً، على ذاك

دعيني أقولُ لكِ صباح الخير لعينيكِ الجميلتين الغائبتين.

- عهد النعيمي

مرحباً عزيزتي،

أكتب لك الآن والعالم من حولي ينهار، تخيلتكِ هنا معي، تقتربين وتحتضنينني، لكن عندما فتحت عيني، لم تكوني موجودة. أدركت أن الخيال له دور في تخفيف وطأة اللحظات الصعبة، كعمل خيري يحاول إنقاذنا من سطوة الواقع. وصحوت، كعادتي، لأواجه بؤس هذه البقعة من الكوكب التي باتت تبتلع أحلامنا وآمالنا الواهية.

هل تعلمين، من شدة البؤس الذي يلفني، باتت تراودني فكرة غريبة: أن أبني معهدًا لتحطيم الأحلام، حيث نعلم فنون الأتمتة ونقدم مداخل لأعمق مراحل الاكتئاب. أريد أن أعلم الناس كيف يتقبلون ما آل إليه حالهم، دون الحاجة للهرب في أحلام قديمة.

الحرب ليست بطولات نسمع عنها في الأخبار، بل هي تلك اللحظة المفاجئة التي تقتحم حياتنا بلا إنذار، لتدفعنا إلى هاوية مظلمة، كظلام أرضنا. أجد نفسي عالقًا في دوامة من الفوضى والركام، وأرى الأمل وكأنه مغادرة، تاركًا خلفه قلبًا مُهدمًا.

كل قذيفة تُدوي تعصف بنا، وتبقى أصداء الحزن تتردد في الهواء وكأنها نشيد مأساوي لا ينتهي. في زمن تُحرق فيه الأفراح وتُغتال البراءة، أشعر أن الألم يتسرب إلينا كالمطر الغزير في يوم عاصف لا يرحم.

أحتاجكِ أكثر من أي وقت مضى. كل صرخة تقطع صمت هذه الأيام تعمق من شوقي لك. صوتك، يا حبيبتي، هو النغمة الوحيدة التي تهدئ من روعي وسط هذا الضجيج. أعود بذاكرتي إلى تفاصيلنا الصغيرة، أبكي على حلم لطالما حلمنا به معًا.

ومع كل شروق جديد للشمس، أتمسك بأمل خافت، كزهرة صغيرة تنتظر أن تنمو بعد شتاء قاسٍ. آمل أن يأتي يوم نلتقي فيه مجددًا، لنحتضن أحلامنا المنسية ونزرع الفرح في قلوبنا المتعبة.

إلى أن يحين ذلك اليوم، أعدك أن أستمر في البحث عنك، رغم كل الدمار من حولي. سأظل صامدًا من أجلك، آملًا أن تعود لنا الأيام السعيدة، لنعيشها معًا مرة أخرى.

أحبك، دوماً، رغم كل ما يجري في هذا العالم المشتت، أحبك.

عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٤,١٢,٤