عام!

أوّاهُ ما أقساهُ من عام!، أوّاه لحياةٍ لستَ فيها يا حبيبي.. جعلني الفقد أكثرَ صَلابة والحُزن أشدّ صبرًا والعُمُر الذي مضى أقلّ لهفة لما هو آت.. أنا لا أبكيكَ إنّما أبكي عيشٍ لا يطيبُ إلّا بِلُقياك، إن كُنتَ تسأل عن حالي بعدك..! الحِملُ ثقيل، وزادي قليل.. لكنّي أصبِرُ وأتصبّر بأنَّ كُل شيءٍ بيدِ الله وحدُه وأنّ الدوامَ لله لا لنا، وهذا -الفقد- الذي أرّق أضلُعي نهايتهُ جنّة لا مُحالة..

أمّا عن حالِ ثمرة حُبّنا "نايا" فَهِي كبرت عامًا كاملًا دُونَ عطفِكَ وحنانكَ عليها، كبرت بكلمة -بابا- لا لتُنادي عَليك بل لتسأل عن غيابِكَ الدائم! تتحسّس شعرُ ايدي الرّجال تخيّل! كُنتُ أشرحُ لكَ دائمًا مأساة حياتنا دُون والدي .. كُنتُ أنتظِرُ أن يكُونَ عِوضي أراكَ وأنتَ تُربّيها معي ويكُون لكَ بصمةً في طِباعِها، لكنّها الحياة وسنة الله في الأرض، الحقيقة الوحيدة على هذهِ الدّنيا -هي المَوت-لكنّك حيٌّ فينا وفي قلوب أحبّتِكَ أجمع، نعيشُ على ذِكراكَ إلى أن يجمعَ اللهُ بيننا?

أمّا عنكَ يا صاحبَ حياتي ودعواتي أعلمُ أنّكَ في مكانٍ أجمل، ولا تقلق حِيالنا فـ-أمُونتَك- لم تُقصّر معنا وتدفعُ كُل صعبٍ عنّا إنّها جعلتنا أمانتك ليس لأني ابنتها؛ لأنّك تعرِفُ بأنّك ابنها الثالث وحبيبها واعلَمْ أيضًا لو حصلَ لي شيء "لا قدّرَ الله" فأنا لا أقلقُ على ابنتنا عندها فإنها أكثرُ مَن يخافَ الله فيّ وفيها.. الله اختارني لهذا الطّريق فإمّا سيُسّرهُ لي أو سيُعينُني عَليْهِ.. أمضيَ اليوم في رضاءٍ واحتساب فاللهُم جنّةً يُستَطابُ بِها المقام فتُنْسِينا كُل ما ذُقنا من الفقدِ والعذاب واجعلني من ورثةِ جنّةِ النّعيم ووالدّي وزوجي واخوتي وابنتي وكُلّ أهلي وصَحبي، آمين ?

رحيلهُ أقسى شيء قدمتهُ لي الحياة
لولا أن وعَد اللهُ بالحُسنى عبده الوافِد إليه واللهِ لتقطّعت أنفاسي وتمزّق قلبي كمدًا عليه، أنا لا أبكي وفاته لأنه لابد منه لكني أبكي أيامًا دونه، وأماكن تخلو منه، ووجوه بُهتت بعده، وأبكي صوته الذي فقدته، أبكي شوقًا وأبكي فقدًا
لكل شيء يخُصّه.
حبيبي يا أبو نايا، حبيبي يا محمد ?

ارتقى زوجي وحبيبي وقُرّة عيني الشَّهيد البطل: محمّد الشّيخ مُقبلًا غير مُدبر غير مُبدل عهده وبيعَتهِ أنّهُ "غايته الله عزّوجل، قدوته رسُولِ الله، وطريقه الجِـ.ـهــاد، وأسمى أمانيه الموتُ في سبيلِ الله" باعَ الحياةَ رخيصةً للهِ واللهُ اشترى.
مواساتي هي أن شرَّفني الله باستِشهادِه وجعل رأسي عاليًا بين الورى رغم الشّوقَ الذي يفتكُ بالحشا فتكًا ورغم تركه المسؤولية كاملةً عليّ والحياة التي باتَت أصعب دُونه، إلا أن كرَّمني الله بأن تكونَ لي ثُلة شُهداء تخُصّني تسبقُني إلى فردوسًا عاليًا منهُم:
"والدي الحبيب، زوجي ملاذ رُوحي، خالي الطيّب الذي لم يزعج أحد قط أسعد -أبو محمّد-، ابن عمّي المُقبل الهُمام خالد -أبو نصر-، زوج أمي الطيّب علي عبدالعال -أبو حسن-، أخ زوجي الذي شهدتُ لهُ كل خيرٍ وودّ المُقبل مُؤمن الشيخ، أبناء عمومتي البطل شادي محرّم -أبو إسلام- وأخيه البطل مؤمن محرّم -أبا حمزة- وأختهم الخلوقة -أم محمّد- هي وجميع أبنائها، وأبناء عائلتي ونساء عائلتي الثلّة الطيّبة التي لم نشهد منهُم إلا خيرًا تجاوز عددهم الأربعين."
أدعو الله دومًا أن يلحقَنا بِهم ويصطفينا مثلما اصطفاهُم في جنّاته غيرَ مُبدّلين.
وأُشهِدُكَ ياربّ أنّ زوجي كانَ نِعمَ الزوجَ الذي أُحسَدُ عليه، نِعمَ الرّفيق والحَبيب، وأنيسي بعدَ الوحشة..
أدعوكَ اليوم وكُل يوم تجعل عِوضي بأن أكُونَ سيّدة من سيداتِ الجنّة وأن تُزوجني إيّاه في جنّتِك كما كُتِب علينا الزّواج في دُنياك، وأن أُمتّعُ بالنظرِ إلى وجهِِكَ الكريم، وأن ترضَ عنّي وتُرضيني وتُسعِد قلبي برؤية ابنتي مُدللتي -نايا- تكبُر وأن تكونَ نِتاج يُقرُّ عيني به ويفخرُ بها رسُولنا وديننا .

سلامٌ على الرَّاحِلين

نعيشُ على ذِكرَاكُم

ونسألُ اللهَ أن يَلحقنا بكُم غير مُبدلين...

- في ذِمّةِ اللهِ أحبابٌ إذا ذُكِروا
هاجَت لِذِكرِهِمُ في القلبِ أشجانُ ..