العدد الأول

••

الرِّسالةُ تُبعَث من جديد!

«وأخيرًا تغلَّب العزمُ المُصمِّم على التردُّد الخوَّار فصدرَتِ الرِّسالة، وما سلَّط على نفوسنا هذا التردُّد إلا نُذُرٌ تُشاع وأمثالٌ تُروى.. وكلُّها تصوِّر الصحافةَ الأدبيةَ في مصر سبيلًا ضلَّت صُواها وكثُرت صَرعاها، فلم يُوفِ أحدٌ منها على الغاية، والعلَّة أن السياسة طغَت على الفنِّ الرفيع، والأزمةَ مكَّنت للأدب الرخيص، والأمةَ من خداع الباطل في لَبْسٍ من الأمر لا تميّز ما تأخذُ ممَّا تَدَع! فلمَّا تناصَرت على هذه الوساوس حُجَج العقل، ونَوازعُ الواجب، وعِدَاتُ الأمل، أُصبحتِ الأسباب التي كانت تدفع إلى النُّكول بواعثَ على الإقدام وحوافزَ للعمل، لأنَّ غاية (الرسالة) أن تُقاوِم طغيان السياسة بصَقْلِ الطبع، وبَهْرجَ الأدب بتثقيف الذَّوق، وحَيرةَ الأمَّة بتوضيح الطريق».
بهذه الكلمات المُترعَة عزيمةً وإصرارًا، استفتح أحمد حسن الزيَّات العددَ الأوَّل من (الرسالة)، لم يكن الأديب المصريُّ الكهل ولا أيٌّ من كتَّاب (الرسالة) يعلمون حينَها أنهم يستأنفون تاريخًا من الفن، ويخطُّون فصلًا من الإبداع، ولا أن هذه المجلة الوليدة التي دافعت قرار إصدارها المخاوفُ، ونازعت نفوسَ أصحابها الوساوس، ستغدو المجلةَ الأدبية الأشهر في تاريخ الطباعة العربية.
صدر العدد الأول من (الرسالة) في يوم الأحد الثامنَ عشَرَ من رمضان عام خمسة وثلاثين وثلاثمئة وألفٍ من الهجرة، وقد خُطَّ في صدره «مجلة أسبوعية للآداب والعلوم والفنون، تصدر كلَّ أسبوعين مؤقَّتًا»، ثم تتابع صدورها وحمي طيلة عشرين سنة، إلى أن ٱذنت شمسُها بالمغيب بصدور عدد يوم الاثنين التاسع من جُمادى الٱخرة عام اثنين وسبعين وثلاثمئة وألف، فكتبَ الزيَّات في صدره مقالة مطولة شجية عنوانها (الرسالة تحتجب)، نعى فيها (الرسالة) إلى قرائها، وختمها بقوله: «ولكنَّ القضاءَ غالب، والرجاءَ في الله أولى، ولكلِّ أجلٍ كتاب، ولكلِّ سافرةٍ حجاب، ولكلِّ بداية نهاية!».
وبعد عشر سنين أعادَ الزيات إحياء (الرسالة) في إصدار جديد لم يطل عمره، فتوارى بعد حولين، وبقيت الرسالة ميراثًا من الأدب الخالد تتوارثه أجيالُ قرَّاء العربية من بعد.
وبرًّا بالرسالة وأداءً لحقِّ الأدب ووفاءً بذمَّة العربية، نعيدُ نشر (الرسالة) في صورتها الأولى كما صدرت أول مرة، في قناة تليجرامية، تُنشر فيها أعداد المجلة كلَّ أسبوعين على نحو ما كانَ من أمرها وقتَ برزت للعيان، ثم كلَّ أسبوع بعد ذلك، ليتمكَّن قرَّاء الأدب ومحبو الثقافة من متابعتها وقراءتها كأنما شهدوا ميلادها قبل نحو قرن من الزمان.
ولسنا نظنُّ أن أحدًا من أهل الفطنة والنباهة سيجعل نشرنا هذا موافقةً منَّا على كل ما كُتب في (الرسالة)، أو رضى لطريقة كلِّ من كتب فيها، ففيهم السابقون بالخيرات وفيهم المقتصدون وفيهم الظالمون لأنفسهم، وليست المجلات الأدبية مصدرًا من مصادر الفقه في الدين، وليس كتَّابها في أكثرهم من الفقهاء والمفتين، وديننا ولله الحمد أعظم في نفوسنا من أن نقلِّد فيه أديبًا زاغ عن مشرع الهدى أو كاتبًا غَبِيَ عليه سبيل الصواب، فالحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ.
وفي الختام نقبس من كلام الزيات في الإصدار الثاني من (الرسالة) قوله: «عادت (الرسالة) إلى السفور، بعد أن ظلت محتجبة [تسعين عامًا] وراء الغمام، لا يظهرُ من ضوئها في القلوب، إلا كما يظهر من ضوء الشمس بعد الغروب، أَثَرٌ يذكِّر بالعين ولا يُؤثِّر، ورمزٌ يشير إلى المعنى ولا يُعبِّر، وذكرى ترفُّ على القلوب المَشوقةِ رفيفَ الندى على الأوراق الذابلة فتُحييها ساعة في نضرة النعيم الذاهب».

فترقبونا صبيحةَ الأحد..

https://t.me/resalah_zayyat

Telegram

مجلة الرسالة

مجلةٌ أسبوعيةٌ للآداب والعلوم والفنون، تصدر كلَّ أسبوعين مؤقَّتًا

بسم الله الرحمن الرحيم