كأنَّ فؤادي بين شِقَّينِ من عصًا
حِذارَ وقوعِ البينِ، والبينُ واقعُ..

وإنِّي لأنهى النفسَ عنها تَجمُّلًا
وقلبي إليها الدهرَ عطشانُ جائعُ

يحثُّ بهم حادٍ سريعٌ نَجاؤهُ
ومُعرًى عن الساقينِ والثوبُ واسعُ

فقلتُ لها: يا نُعمُ، حُلِّي محلَّنا
فإنَّ الهوى، يا نعمُ، والعيشُ جامعُ

فقالت -وعيناها تفيضانِ عَبرةً-:
بأهليَ بَيِّن لي متى أنت راجعُ..

فقلتُ لها: تاللهِ يدري مسافرٌ
إذا أضمرتهُ الأرضُ ما اللهُ صانعُ

فشدَّت على فيها اللثامَ وأعرضت
وأمعنَ بالكحلِ السحيقِ المدامعُ

وإنِّي لعهدِ الودِ راعٍ، وإنني
بوصلِكِ ما لم يطوِني الموتُ طامعُ

- قيس بن الحدادية.

https://youtu.be/_1Pk0RZ_Mho?si=eXjGmZJMgoQU5JYg

يُروى عن سيدنا معاوية بن أبي سفيان قوله:
«لقد وضعتُ رجلي في الركاب، وهممت يوم صفين بالهزيمة، فما منعني عن ذلك إلا قول ابنِ الإطنابة:

أبت لي عِفَّتي وأبى إبائي .. وأخذي الحمدَ بالثمنِ الربيحِ

وإعطائي على المعسورِ مالي .. وضربي هامةَ البطلِ المُشيحِ

وقولي كلما جشأت وجاشت: .. مكانكِ تُحمدي أو تستريحي

لأدفعَ عن مكارمَ صالحاتٍ .. وأحمي بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ»

ولا عجب، فالشعرُ له قدرة عجيبة في تحفيز النفس وحثها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ونهيها عن سفاسفها، وقد قال أبو تمام:
ولولا خلالٌ سنَّها الشعرُ ما درى .. بُغاةُ العلا من أين تؤتى المكارمُ

مصداقًا لهذا، يجعل أبو عبادة البحتري -تلميذ أبي تمام الوفيُّ- فاتحةَ حماسته التي عارض بها حماسة أستاذه، بابًا في ما قيل في حمل النفس على المكروه عند الحرب..

تستمعون إليه كاملًا بإلقاء مصطفى الشقري:
https://youtu.be/_xh8flNJZvc?si=O07AbdWgAQc7EZyD

أغالبُكَ القلبُ اللجوج صبابةً
وشوقًا إلى أسماءَ أم أنت غالبُه

يهيمُ ولا يعيا بأسماء قلبُهُ
كذاك الهوى إمرارُهُ وعواقبُه

أيُلحى امرؤ في حبِّ أسماء قد نأى
بغمزٍ من الواشين وازوَرَّ جانبُه

وأسماءُ همُّ النفسِ إن كنت عالمًا
وبادي أحاديثِ الفؤادِ وغائبُه

إذا ذكرتها النفسُ ظلْتُ كأنني
يزعزعني قفقافُ وِردٍ وصالبُه

- المرقش الأكبر.

https://youtu.be/zm3zliQrTkw?si=UlTzosr4So9yQjNV

وسائلةٍ: أين الرحيلُ؟ وسائلٍ
ومن يسألُ الصعلوكَ أين مذاهبُه!

مذاهبُهُ أنَّ الفِجاجَ عريضةٌ
إذا ضنَّ عنه بالفعالِ أقاربُه

فلا أتركُ الإخوانَ -ما عشتُ- للردى
كما أنه لا يتركُ الماءَ شاربُه

ولا يُستضامُ الدهرَ جاري، ولا أُرى
كمن بات تسري للصديقِ عقاربُه

- أمير الصعاليك: عروة بن الورد.

تستمعون إلى ديوانه كاملًا:
https://youtube.com/playlist?list=PL4te2Lc-KPgU1rBWybSjpVqTvEVf8RAg9&si=aGIW1YSEvdxiVb9w

يقول الشيخ السقاف في العود الهندي: "وذلك أنه لا يتأثر بالفراق إلا أهل النفوس الكريمة، ألا ترى أنّك لو ربطتَ حمارًا بجانب فرس، ثم فرقتَ بينهما فإن الحمار لا يتأثر ولكن الفرس تكثرُ الحنين"ولا حنين كمثل حنين النابغة الذبياني ووقفته على المنازل التي هيجت من الذكرى وبعثت من الأحزان، وسفحت من الأدمع، وآثارت من الأشجان؛ فيقول:

غشيتُ منازلاً بِعُريتناتٍ
فَأَعلى الجزع للحيّ المُبنّ

تعاوَرَهُنَّ صرفُ الدَهر حتّى
عفون وكُلُّ مُنهمرٍ مُرِنِّ

وقفتُ بها القلوصَ على اِكتِئابٍ
وذاك تفارُطُ الشوق المُعَنّي

أُسائِلُها وقد سفحَت دُموعي
كأَنَّ مفيضَهُنَّ غُروبُ شَنِّ

بُكاء حمامَةٍ تَدعو هديلاً
مُفَجَّعةٍ عَلى فَننٍ تُغنّي

أَلِكني يا عُيينَ إِليكَ قولاً
سَأُهديهِ إِلَيكَ إِلَيكَ عَنّي

قوافي كَالسِلامِ إِذا استَمَرَّت
فَلَيسَ يرُدُّ مَذهَبَها التَظَنّي

وهاكم رابط القصيدة كاملة:
https://youtu.be/j-AFQ0OSP58?feature=shared

عنترة بن شداد قد قطع كل المبررات والمعاذير لمن ينشغل عن محبوبه أو يتناساه، فلا حجة أقوى من أوج ضرام الحروب، والمحب بين الرماح والسيوف وقد تذكر فيها ابتسامة محبوبته عبلة؛ فقال ?:

ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ
مِنّي وبيضُ الهِندِ تقطُرُ من دمي

فوددتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأنها
لمعت كبارِقِ ثغرِكِ المُتبسم

شعر عنترة في الغزل من أرق ما في جمعت دواوين الشعر، فيه الفطرة دون التكلف، و وفيه السهولة والعذوبة مع الجزالة، تستمعون إلى شعر عنترة عبر الرابط:
https://youtu.be/5NJguNDaojg?feature=shared