.

في مثل هذا النهار، وعند انبعاث أشعة الشمس، وفي صبيحةٍ أراد الله أن يمن فيها على الذين استضعفوا في الأرض، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، ويتم كلمته الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا، ويدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.
في صبيحة العاشر من شهر الله المحرم.. كانت آية من آيات الله!

﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

الحمد لله، مساء اليوم فرصة لمن أراد أن يختبر نفسه ويمتحنها قبل يوم عرفة، وآخر ساعة من يوم الجمعة هي كالنفحة من نفحات يوم عرفة.

هب أنك تهيأ لك موعد مع ذي جاه ومنصب تبوح له ببعض ما عندك وتلقي عليه شيئاً من همك، فلما خرجت من عنده ذكرت كيت وكيت مما كنت نسيت، وليتك قلت كذا وليت الزمان يرجع بك فتنطق بكذا.. فإن تهيأ لك معه موعد ثان، فأي شيء كنت تصنع؟ وأي كلام كنت تزور؟
ولله المثل الأعلى.

هذا المساء فرصة للإقبال على الله جل وعلا بالدعاء أن يفتح عليك في دعاء يوم عرفة، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، هذا المساء لجمع المطالب وحصر الغايات وغداً يوم نثرها وعرضها على أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

أعدَّ عدتك ليوم غد واجمع حوائجك كلها، ودوِّنها إن شئت في ورقة تدعو بها غدا، فلن ينفعك ندمك على نسيان حاجة، ولا تنس من دعائك إخوتك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

هذا معنى نفيس مهم.
اللهم علمنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا.

حسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله.

{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}. الله أكبر! ربح البيع. {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.

قال لي: ما لقلمك في القناة فتر بعد نشاط وهدأ بعد حراك؟ فأجبتُ: لي في الألوسي أسوة. وعسى أن ينشط القلم.

يقول محمود شكري الألوسي في بعض رسائله إلى القاسمي:
(والعبد الفقير يعتذر إليكم من قلة المخابرة تلك المدة المديدة، لما هو فيه من الغوائل والمشاغل الظاهرة والباطنة، فإن القلب قد اعتلَّ لما عرى المسلمين وبلادهم من البلاء، وما صحَّ جسمٌ إذا اعتلَّ قلب، حتى لم يبق لي ميل لمطالعة كتاب ولا سماع مسألة علمية ولا مكالمة مع أحد، فالبلاء قد أحاط بالمسلمين وبلادهم).
اللهم كن لإخواننا المسلمين المستضعفين، اكشف بلاءهم، وأخز عدوهم، وأيدهم بنصرك، واكلأهم بحفظك، واشف صدور المؤمنين.

الليلة.. الساعة ٧:٣٠م، سأتحدث -إن شاء الله- في خاطرة عن «الصبر.. والعمل»، وحال أهل العلم والإيمان مع النوائب والأزمات. لمن كان يجد في وقته متسعاً.

«ما لا ينقض الوضوء»

ذكروا أن الطبيب ابن ماسويه وصف لمريضٍ دواءً، وقال له: كُل الفرُّوج، وشيئاً من الفاكهة.
فقال الرجل: أخبرني بما لا آكله.
فقال ابن ماسويه متهكماً: لا تأكلني أنا، ولا حماري، ولا غلامي. واجمع كثيراً من القراطيس، وبكِّر إليَّ؛ فإن هذا يكثر إن وصفتُه لك!
ويشبه هذه القصة ما روي عن أبي العباس ثعلب أن رجلاً سأله: المسجد هذا المعروف، فما المصدر؟ فقال: السجود.
فقال الرجل: فعرفني ما لا يجوز من ذا.
فقال: لا يقال مسجد. ثم ضحك ثعب وقال: هذا يطول إن وصفنا ما لا يجوز، وإنما يوصف الجائز ليدل على أن غيره لا يجوز. وذكر قصة ابن ماسويه.

وأنت ترى كيف أن هذا المعنى من بدائه العقول، ولكن إذا دققت في حالك وحال من حولك من طلبة العلم لم تجده حاضراً في العمل والتطبيق.
فما أكثر الذين يشتغلون بالأقوال المخالفة والأصول الفاسدة والقواعد المغلوطة، مع علمهم بمخالفتها وفسادها وغلطها، ثم إذا سألتهم عن الطائل من ذلك أنشدوا: «عرفت الشر لا للشر..» ثم سردوا حديث حذيفة الذي لا يعرفون غيره.
والمذموم هنا هو الاشتغال بذلك مع تضييع الأصول وإهمال المحكمات وإغفال الثوابت، كما هو حال طائفة من المنتسبين إلى العلم، وليست حال حذيفة رضي الله عنه من هذا، وما يكون له ذلك.

ولما تعرض ابن تيمية لمسألةٍ قريبةٍ من هذه ضرب لها مثالاً فقهياً فقال: (فإن القول الباطل الكذب هو من باب ما لا ينقض الوضوء، ليس له ضابط، وإنما المطلوب معرفة الحق والعمل به).
-وضرب المثال بالفقهيات أقرب إلى ذهن كثير من طلبة العلم من غيرها؛ لأنهم لا يكادون يختلفون في أصل مسالك التفقه وطريقة إحكام مسائله في الجملة-.

والمقصود هنا أن الواجب الاشتغال بالعلم النافع، ومعرفة الحق الراجح، والعمل به.. فهذه مرتبة لا بد منها قبل تطلب معرفة الأقاويل الفاسدة والطرائق المغلوطة.