وهدوؤُه المُلفت ونبرتُه السَّاكنة زادت المشهد عزًّا، وألجمت المتصيّدين هؤلاء. اللّٰهم هيّئ له أمر رُشد تعزّ فيه أمّة محمَّد ﷺ جمعاء، آمالُنا فيك ربَّنا وإليك يرجع الأمر ومنك يُبتدأ.

https://youtu.be/3lfnP9H9ojM?si=Rqg9yNkzaHH7P3Am

سمعت منه تقريبًا أولى الدقائق، فما لبثتُ أن "لاع تشبدي" الحقيقة من أسئلة الأعجمي هذا الذي يجري اللقاء، أسئلة سطحيّة سخيفة لا تخرج عن كونِها فوبيا عميقة تجاه الإسلام وهلَع غير مبرّر تجاه اللِّحى. وكالعادة ولا يخفى عليكم أن مغمض العينين يؤذيه النُّور!
وربّما لاع تشبد الجولاني أيضًا ما دعاه إلى أن يقول:
"المُشكلة السوريّة أكبر من المواضيع التي تسأل عنها حضرتك!"
فلطمَه لطمةً مجازيّةً برّدت كبدي الصراحة.

يصيبهم الفرَق إذا سمعوا مناديًا يقيّد الشَّهوة ويضبط عليهم أمورهم، يريدون عالَمًا الشَّهوة فيه مطلقةٌ غير مقيَّدة شبيهًا بأحلامهم السّفيهة.

من لم تكُن عزوته وجاهَه وسُلطانَه غاب بين العالَمين جاهُه وخابَ وجهُه وضيَّع في السُّدى أيَّامه. يا سُلطانَ المُلوك! أنا جاهِي سُلطانُ الملوكِ من ذا الذي يُكاسرني فأُغلب؟

هذا العصر - الذي نتفق على سوئه وقبحه - هو الأفضل من بين أيام الدنيا لجمع الحسنات، ونيل الدرجات، وتحصيل الخيرات.

وما دمنا قد وجدنا فيه فلا ينبغي أن يشغلنا: لماذا وجدنا فيه، ولماذا هو بهذا السوء!

بل الذي ينبغي أن يشغلنا هو: كيف نعيشها بدين وكيف نستثمر أحداثه في تحصيل الثواب والجنة.

إن من أعظم ما يميز المسلم:
● علمه أن كل شيء يحصل في هذا الكون إنما يحصل بقدر الله تعالى..
● وأن الله سبحانه قد شرع لنا مدافعة القدر بالقدر، نجوع فنأكل، ونعطش فنشرب، ونمرض فنتداوى، وتسوء الأحوال فنجتهد في إصلاحها.
.

الآن، حوالي الثّانية بعد منتصف ليلة صامتةٍ محيّرة، تحتّ النّافذة التي تأتي بالنّسيم البارد مداعبًا السّتارة فيُرهقها بكثرة وُروده، تخطرُ لي، تكثرُ عليّ الأفكارُ بذكرى أشياء لا تغيب فأُرهق بالحَيرة والصَّمت، فلا أملكُ إلّا مسايرتَها روحةً وغُدوًّا! وأحاول استقراء أشياء غير واضحةٍ كمخطوطَة، فيأتي النّعاسُ دون أن يستكينَ فلا أستكين! بعضي يدعوني إلى الصّبر وبعضي إلى الادّعاء، ولا حيلةَ لمثلي ها هنا إلَّا اتّباع بعض الصّبر، لأنَّه غلَّابُ نفوس العقلاء! ولأنَّ كلّ الأشياء تذهب وتجيءُ على قلب المؤمن إلا الصَّبر فإنَّه إذا أتى لا يذهب أبدًا، فإنَّنا نصبر، ونرى ما يحدثُ غدًا.

أيُّها النَّاس!
جمّلوا أحبابكم، واصنعوا فيهم فرقًا إذا صحِبوكم، واستعيذوا باللّٰه من صُحبة لا تغيِّركم إلى خير.

لا تفتِن صفيَّك! لا تسُؤه بعيوبه وجمّلها دون أن تؤذيَه بها، طيّب ظنّك به، واجعله معك على صفةٍ أحسن منه دونك وأجملَ وأنبَل، يقول عنك: خليليَ الذي زادني حُسنًا. :")?

فما إضافتُك إليه إلّم تفعل ولم أنت في حياته؟

أنا إنسان كثير المشاعر، وأجعل من الحبّة قبّة، وربما هذا يخنق بعضكم لكن ما عندي مشكلة في هذا، يفتحوا الشّبابيك بيصير الوضع لوز. ✨
ولن أتوقف عن قنابل المشاعر اللي بفتحها عليكم كل شوي لأنّي أحبُّ الحديث جدًّا عمّا يكسر ماديّة العالم المؤذي الذي نعيشه، وأشعر أن كلّ كلام رقيقٍ مفعمٍ بالمشاعر والجمال له أثرٌ لا ينتهي على النّفس وعافيتها.

المهم،
جيت بحكيلكم أن حكمة اللّٰه تُذهلني وتأخذُ لبِّي،
كنت قبل فترة قد اصطدمت مع أحدهم في حوار، وغلّظه بيننا سوء الفهم، فانتهى على شكلٍ لا يرضيني وحزنت كثيرًا. وبعدها بفترة قصيرة اضطررت لأدخل نفس الحوار مع أحدهم نفسه، فضاقت نفسي خشيت ألا يفهمني وأن ينتهي الأمر كما انتهى في المرة الأولى، ومع أني في حاجة ماسّة للكلام معه ليحلّ لي مشكلة، إلا أني تردّدت جدًّا خشيت أن يتفاقم الأمر، فاستخرت! إلا أني حين استخرت لم يتيسّر، فسكنتُ لاختيار اللّٰه وتراجعت.

اليوم، رجعت وقرأت الحوار الذي دار بيننا سابقًا فوجدت أنّ السبب في سوء الفهم الذي كان بيننا هو نظرتي حينها للمعنى الذي قاله، ووجدت ردّي في غاية الحِدّة والصّرامة. وحين قرأته اليوم علمت أنّ الحالة النفسية كالسّحر في تلقي الكلام وإدراكه. وفهّمني اللّٰه لمَ لم ييسّر حين استخرت، لأنّي كنت في الحالة النفسية نفسها حين تكلمنا أول مرة.
فرجعت وفتحت معه الموضوع بغاية اليسر واللين، فحُل الأمر على أجمل حال. وهذا حين ترى منه جمال اللّٰه وكماله تخرُّ له خلايا قلبك سجودًا وحمدًا ومدحًا وحبًّا، وترى منه ضعفك الرّقيق، والمضحك. ")

أحيانًا لا يحتاج الأمرُ منك شيئًا، كل ما يحتاجه الوقتُ والصّبر.
وعلى قولة التُّرك:
Zaman her şeyin ilacıdır.
الوقتُ علاجُ كلّ شيء. ?

رُزقنا نبيًّا رحيمًا بليغًا ذا جَلالِ قَولٍ ونفاسةِ معنًى، إنَّه إنسانٌ صنع للإنسانيّة معناها وجسَّدها بالكمَال والجمال، يقولُ في المرأة بأرقِّ ما قيل ويصفُها بأحسن معانيها، حين اشتدّ حداء أنجشة في القافلة وخشي عليهنّ قسوة الحركة وأذى الإسراع: اُرفُق يا أنجشَة -ويحكَ- بالقَوارير! وفي رواية: لا تكسرِ القَوارير!

أيُّ معنًى يا رسُول اللّٰه بأبي وأمِّي، فدَتك عيني؟ واللّٰه لو جاب أحدنا العربيَّة لفظةً لفظةً ما وقع على أحسن من لفظته ولا أرقّ ولا أبلغ!

وانظُر إلى شدّة ضعفِ الأُنثى حيث جُعلت ثانية اليتيم في قوله ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ».
فاليتيم ضعيفٌ لأنه مقطوعٌ من وليٍّ ونصير، وضعفُه عارضٌ وقد يزول لو اشتدّ وكبر، وجمعُها معه بالضّعف دلالةٌ على استغراق ضعفها وشدّته، مع أنَّها قد لا تكون مقطوعةَ الوليّ مثله، لكنَّها لما كان ضعفُها من تكوينها، فلست تكاد تجدها إلا ضعيفة وإن حُفّت بالأولياء! ولو أُزيل ضعفها الجسديّ لكفتها رقّتُها النّفسية في تمكُّن الضّعف منها، ولاستُوجبت الرّحمة في حقّها أبدًا.

«يُثَقِّلُها لُبسُ الحَريرِ لِلينِها
وَتَشكو إِلى جاراتِها ثِقَلَ العِقدِ
وَأَرحَمُ خَدَّيها إِذا ما لَحَظتُها
حِذارًا لِلَحظي أَن يُؤَثِّرَ في الخَدِّ!»

يالَلّٰه ما أرقَّ هذا وما أصدقَه وأحلاه!

وإنِّي في بعض أحوالِ الرَّجاء والتَّذلُّل إليه سبحانه لا أجدُ أوصف لي من مُناجاتي ربِّي: أتيتُك واحدةَ الضَّعيفَين يا ربّ!

أُنصتُ للأذانِ وأجدُ أنّه لم يبقَ لذي الحُزن الطَّويل ما يواسِيه في عبرَته في هذه الدُّنيا، لا شيءَ يجهر باسمِه سبحانه، لا شيءَ يصرُخ بالحقّ، لا شيءَ يذكّر بالآخرة، لا شيءَ يهوَّن الدُّنيا إلَّا كلماتُ الأذان الحانِية بقيَّةٌ من أثر هذا الدِّين في الحياة. يأتيني صوت المؤذّن على حالٍ من الصَّمت الوديع الذّليل بصوتٍ حزينٍ يقع في الصَّدر موضع الطّيب على الوجع، ونبرتُه بالصَّبا تترجمُ الشّعور بكلامٍ ونغَم، فيكبِّر فأكبّر، ويهلِّل فأُهلِّل، ويصلّي فأصلِّي، هو يقولُ وأنا أشعُر. يا مرحبًا بذكرِ اللّٰه وحقِّ اسمِ اللّٰه!

فذو الحزن الطَّويل، والمُنكسِر الذَّاكر، والمُبتلى الحامد، والأسيرُ العابد، والمَظلوم المُحتسب، والكمِد الرَّاضي، عبادُه، يتفقّدهم برحمتِه، ويوصلون إليه رضاهم عنه بحالهم ومقالهم -وإن أبكَتهم رحمتُه-، وسلواهُم جميعًا الأذانُ الدّاعي إلى لقاء حبيبهم.

اللّٰهم لا تحرِمنا بقيَّة أُنسنا بدينك!