Last updated 1 month, 3 weeks ago
سيرافقك قلبي إلى اخر العمر
- لطلب تمويل تواصل ← : @ooooow
- قناة التمويلات : @xxxxzz
Last updated 3 weeks, 6 days ago
https://t.me/hjjhhhjjnkkjhgg1234
Last updated 2 months, 2 weeks ago
ثمَّ جاءَتْ بعْدَ ذلك كَتيبةٌ هي أقلُّ الكَتائبِ عدَدًا، وكان فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه منَ المُهاجِرينَ، فكانت أجَلَّ الكَتائِبِ وأعظَمَها، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَعْطى رايتَهُ للزُّبَيرِ بنِ العوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأبي سُفيانَ، قال له أبو سُفيانَ: ألمْ تَعلَمْ ما قال سَعدُ بنُ عُبادةَ؟ ولم يَكُنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِمَ ما قال، فذكَرَ له أبو سُفيانَ أنَّ سَعدَ بنَ عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: «اليومَ يَوْمُ المَلْحَمةِ، اليومَ تُستَحَلُّ الكَعْبةُ»، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «كذَبَ سَعدٌ»، أي: أخْطأَ فيما قال، والعرَبُ يقولونَ: «كذَبَ» لمَن أخْطَأَ، «ولكنْ هذا يومٌ يُعظِّمُ اللهُ فيهِ الكَعبةَ»، أي: بإظْهارِ الإسْلامِ حَولَها، وأذانِ بِلالٍ على ظَهرِها، وإزالةِ ما كان فيها مِن الأصْنامِ، ومَحْوِ الصُّوَرِ الَّتي كانت فيها، وغيرِ ذلك. «ويومٌ تُكْسى فيه الكَعبةُ»، قيلَ: لأنَّهم كانوا يَكْسونَها في مِثلِ ذلك اليومِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَأْتِ لاحْتِلالِها، أو الانْتِقامِ مِن أهْلِها، وإنَّما غَرضُه نُصْرةُ دِينِ اللهِ، وعِزَّةُ أهلِها بالإسْلامِ.
ثمَّ أمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الزُّبَيرَ بنَ العوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يضَعَ رايَتَه بالحَجُونِ، وهو مَكانٌ بأعْلى مكَّةَ قَريبٌ مِن مَقبَرةِ أهلِ مكَّةَ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ مِن مكَّةَ على مُفتَرَقِ الطَّريقِ المؤَدِّي إلى كلٍّ مِن المَسجِدِ الحَرامِ، وجبَلِ الحَجونِ، ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خالدَ بنَ الوَليدِ أنْ يَدخُلَ مِن أعْلى مكَّةَ مِن كَداءٍ عندَ المُحَصَّبِ، وهي الَّتي يُنزَلُ منها إلى المَعْلاةِ مَقبَرةِ أهلِ مكَّةَ بجَنْبِ المُحَصَّبِ، وهي الَّتي يُقالُ لها: الحَجونُ، وكانت صَعْبةَ المُرْتَقى، ثمَّ سُهِّلَت بعْدَ ذلك، ودخَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أسفَلِها مِن كُدَا الَّتي بأسفَلِ مكَّةَ، وكان اسمُها أيضًا الثَّنيَّةَ السُّفْلى، وقد سُهِّلَتِ الثَّنيَّةُ، وهي الآنَ في الشارعِ العامِّ المُوصِّلِ إلى «جَرْولَ». وقد ورَدَ في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أمِّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخَلَ عامَ الفَتحِ مِن كَدَاءٍ مِن أَعْلَى مكَّةَ». وقيلَ: الحِكْمةُ من ذلك ومُناسَبةُ الدُّخولِ مِن جِهةِ العُلوِّ: لِما فيه مِن تَعظيمِ المَكانِ، وعَكسُه الإشارةُ إلى فِراقِه، وقيلَ: لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ منها مُختَفيًا في الهِجْرةِ، فأرادَ أنْ يَدخُلَها جاهرًا عالِيًا، وقيلَ: لأنَّ مَن جاء مِن تلك الجِهةِ كان مُستَقبِلًا للبَيتِ.
وقدْ قاوَمَ خالدَ بنَ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنه بعضُ المُشرِكينَ، فهزَمَهم خالدٌ، وقُتِلَ مِن أصْحابِهِ رَجلانِ همْ: حُبَيْشُ بنُ الأشْعَرِ رَضيَ اللهُ عنه، وهو أخو أمِّ مَعبَدٍ الَّتي مرَّ بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُهاجِرًا، وكُرْزُ بنُ جابرٍ الفِهْريُّ رَضيَ اللهُ عنه، وكان مِن رُؤَساءِ المُشرِكينَ، وهو الَّذي أغارَ على سَرحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوةِ بَدرٍ الأُولى، ثمَّ أسلَمَ قَديمًا، وبعَثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طلَبِ العُرَنيِّينَ.
وكان قدْ بعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَعدَ بنَ عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه في كَتيبةِ الأنْصارِ في مُقدِّمةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأمَرَهم أنْ يَكُفُّوا أيديَهم، ولا يُقاتِلوا إلَّا مَن قاتَلَهم.
وفي الحَديثِ: العَفوُ عندَ المَقدِرةِ، وحِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على هِدايةِ النَّاسِ، وبُعدُ أخْلاقِه عن الانتِقامِ.
وفيه: بَيانُ مَكانةِ مكَّةَ والكَعبةِ، وأنَّهما لا يُسْتَباحانِ.
وفيه: أنَّ فَتْحَ مكَّةَ لم يكُنْ حَربًا انْتِقاميَّةً، وإنَّما كان يومًا مُبارَكًا، تُعظَّمُ فيه الكَعبةُ، وتُعَزُّ فيه قُرَيشٌ بالإسْلامِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : ماقيل في لواء النبي ﷺ
عن العباس رضي الله عنه : أنه قال للزبير رضي الله عنه : هَا هُنَا أمَرَكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ. رواه البخاري .
الشرح :
فَتْحُ مكَّةَ كان فَتحًا عَظيمًا أعزَّ اللهُ به الإسْلامَ والمُسلِمينَ، وكان في رَمضانَ مِن العامِ الثَّامِنِ مِن الهِجْرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ عن بعضِ ما حدَثَ في غَزْوةِ الفَتحِ، وهو أنَّهُ لَمَّا سارَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَ الفَتحِ نحْوَ مكَّةَ، بلَغَ قُرَيشًا ذلك المَسيرُ، فخرَجَ أبو سُفْيانَ بنُ حَربٍ، وحَكيمُ بنُ حِزامٍ، وبُدَيلُ بنُ وَرْقاءَ؛ يتَحقَّقونَ مِن الخَبرِ، وهؤلاء مِن زُعَماءِ قُرَيشٍ وسادَتِها، فساروا حتَّى أتَوْا «مرَّ الظَّهْرانِ»، وهوَ وادٍ كَبيرٌ من أوْديةِ تِهامةَ يقَعُ في مِنطَقةِ مكَّةَ المُكرَّمةِ، يَبلُغُ طولُه 210 كم، ويَبدأُ بالقُربِ مِن مَدينةِ الطَّائفِ، حيث أعالي جِبالِ السَّراةِ، ليَنتَهيَ في المِنطَقةِ المَوْجودةِ بيْنَ كلٍّ مِن مَدينةِ مكَّةَ ومَدينةِ جُدَّةَ، والَّتي تُعرَفُ باسْمِ بَلدةِ بَحْرةَ، فوجدوا نيرانًا كأنَّها النِّيرانُ الَّتي يُشعِلُها الحُجَّاجُ في لَيلةِ عَرَفةَ؛ مِن كَثرةِ ما يَرَون، فقال بُدَيلُ بنُ وَرْقاءَ: هذه نِيرانُ بَني عَمْرٍو، يُريدُ بهم خُزاعةَ، وهم قَبيلةٌ منَ العرَبِ، فقال أبو سُفْيانَ: إنَّهم أقَلُّ مِن ذلك، وهذا مِن تَباحُثِهم حولَ هذا العدَدِ مِن النَّاسِ ومُرادِهم مِن حَربٍ وغيرِها، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا نزَلَ مرَّ الظَّهْرانِ أمَرَ أصْحابَه أنْ يُوقِدَ كلُّ واحدٍ منهم نارًا، وكان عدَدُهم عَشَرةَ آلافٍ.
وبيْنَما أبو سُفْيانَ ومَن معَه على حالِهم هذا، إذ رَآهمْ ناسٌ مِن حَرسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان منهم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فأخَذوهم إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسلَمَ أبو سُفيانَ، فلمَّا سارَ جيشُ المُسلِمينَ متَّجِهينَ إلى مكَّةَ، أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُدخِلَ الرَّهْبةَ في قَلبِ أبي سُفيانَ برُؤْيةِ قُوَّةِ المُسلِمينَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعمِّه العبَّاسِ: احبِسْ أبا سُفيانَ عندَ حَطْمِ الخَيلِ، أي: عندَ مَضيقٍ تَزدَحِمُ فيه الخَيلُ؛ وذلك حتَّى يَنظُرَ المُسلِمينَ، ففعَلَ العبَّاسُ رَضيَ اللهُ عنه، وأوْقَفَه في المَكانِ الَّذي حدَّدَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجعَلَتِ القَبائلُ الَّتي خرَجَتْ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تمُرُّ كَتيبةً تَلي كَتيبةً على أبي سُفيانَ، فيَراهُم مُنظَّمينَ، مُتآلِفينَ، والكَتيبةُ: هي القِطْعةُ منَ الجَيشِ، فمرَّتْ به كَتيبةٌ، فقال: يا عبَّاسُ، مَن هذه؟ فقال العبَّاسُ: هذه قَبيلةُ غِفارَ، فقال: «ما لي ولغِفارَ؟!» أي: ليس بيْني وبيْنهم حَربٌ، ثمَّ مرَّتْ قَبائلُ جُهَيْنةَ، وسَعدِ بنِ هُذَيمٍ، وسُلَيمٍ، فقال أبو سُفْيانَ مِثلَ القولِ الأوَّلِ: ما لي ولَهُمْ؟! حتَّى مرَّتْ كَتيبةٌ لم يَرَ أبو سُفيانَ مِثلَها، فقال: يا عبَّاسُ، مَن هذه القَبيلةُ؟ فقال: هؤلاء همُ الأنْصارُ -وهم أهلُ المَدينةِ-، وعليهم سيِّدُهم سَعدُ بنُ عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه، ومعَه الرَّايةُ، وهي العلَمُ الَّذي يَجتَمِعونَ تَحتَه، فلمَّا رَآه سَعدُ بنُ عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: «يا أبا سُفيانَ، اليومَ يومُ المَلْحَمةِ»، أي: يومُ المَقْتَلةِ العُظْمى، «اليومَ تُستحَلُّ الكَعبةُ»، أي: يَحِلُّ لنا القِتالُ عندَ الكَعبةِ؛ انتِقامًا لِمَا صَنَعَه الكُفَّارُ بالمُسلِمينَ، فلمَّا سَمِعَ أبو سُفيانَ هذهِ الكَلِماتِ مِن سَعدٍ، أثَّرَتْ في نَفْسِه، فأثارَتْ فيهِ الحَمِيَّةَ، فقال: «يا عبَّاسُ، حبَّذا يومُ الذِّمارِ»، أي: يومُ الهَلاكِ، و«حبَّذا» كَلمةٌ تُقالُ للمَدحِ، والمَعنى: ليتَ لي قُوَّةً فأحْميَ قَوْمي وأمنَعَهم، وقيلَ: المرادُ أنَّ هذا يومٌ يَلزَمُكَ فيه حِفْظي وحِمايَتي مِن أنْ يَنالَني مَكْروهٌ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : الأجير
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : استأجرت أجيراً فقاتلَ أجيري رجلاً ، فعضَّ الآخرَ فسقطتْ ثنيتُه ، فأتى النبيَّ فذكرَ ذلك له فأهدرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري
الشرح :
الحُكمُ بيْن النَّاسِ يَنبَغي أنْ يكونَ مَبنيًّا على عِلمٍ، ولا يَتَولَّى القَضاءَ إلَّا العُلماءُ العارِفونَ بأحْكامِه وضَوابِطِه، وقدْ حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القَضاءِ بغَيرِ عِلمٍ، أو بالهَوى، كما بيَّنَ فَضْلَ القَضاءِ بالعَدلِ عن عِلمٍ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بفِعلِه القُدوةَ والمَثلَ الأعْلى في هذا الشَّأنِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي يَعْلى بنُ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه غَزا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزْوةَ العُسْرةَ، وهي غَزْوةُ تَبوكَ، وقدْ كانت آخِرَ غَزْوةٍ خرَجَ فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنفْسِه، وكانت في رجَبٍ سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجْرةِ، وكانت معَ الرُّومِ، وتَبوكُ في أقْصى شَمالِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، وتقَعُ في شَمالِ المَدينةِ على بُعدِ 700 كم، وسُمِّيَ جَيشُها جَيشَ العُسْرةِ؛ لتَعسُّرِ حالِ الجَيشِ مادِّيًّا، فلمْ يكُنْ ثَمَّةَ مالٌ لتَجْهيزِ الجَيشِ، مع شدَّةِ الحَرِّ، وبُعدِ المَسافةِ مِن المَدينةِ، وسبَبُها أنَّ الرُّومَ جمَعَت جُيوشًا كَثيرةً بالشَّامِ، فعلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك، فحَثَّ النَّاسَ على الخُروجِ إليهم.
ولشِدَّةِ هذه الغَزْوةِ كان يَعْلى بنُ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه يَذكُرُ أنَّ تلك الغَزْوةَ هي أوْثَقُ أعْمالِه، أي: أفضَلُها، وأحكَمُها في نفْسِه. ويَحْكي يَعْلي بنُ أُمَيَّةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان له أَجيرٌ يَخدُمُه بالأُجْرةِ، فقاتَلَ هذا الأَجيرُ إنْسانًا مِن المُسلِمينَ، فعَضَّ أحَدُهما يَدَ الآخَرِ، وأخبَرَ عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ أنَّ صَفْوانَ بنَ يَعْلى حدَّدَ له العاضَّ مِن المعضوضِ لكنَّه نَسيَ، وفي رِوايةِ مُسلمٍ أنَّ الأجِيرَ هو المعضوضُ، فانتَزَعَ المَعْضوضُ يَدَه مِن فَمِ العَاضِّ، فانتَزَعَ إحْدى ثَنيَّتَيْه، أي: أسْقَطَها بانْتِزاعِها مِن فَمِه، والثَّنيَّةُ مُقدَّمُ الأسْنانِ، وللإنْسانِ أربَعُ ثَنايا: ثِنْتانِ مِن فوقُ، وثِنْتانِ مِن أسفَلُ. فأتَيا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأهْدَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَنيَّةَ العاضِّ ولم يُوجِبْ له دِيَةً، ولا قِصاصًا. وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستَنكِرًا: أفيَترُكُ يَدَه في فِيكَ تَقضَمُها -أي: تَأكُلُها بأطْرافِ أسْنانِكَ- كأنَّها فِي فَمِ ذَكَرِ إبِلٍ يَأكُلُها!
وفي الحَديثِ: رَفعُ الجِناياتِ إلى الحُكَّامِ لأجْلِ الفَصلِ.
وفيه: تَشْبيهُ فِعلِ الآدَميِّ بفِعلِ الحَيوانِ الَّذي لا يَعقِلُ؛ للتَّنْفيرِ عن مِثلِ فِعلِه.
وفيه: مَشْروعيَّةُ ذِكرِ الرَّجلِ الصَّالِحِ عَمَلَه، ما لم يكُنْ في ذلك رياءٌ وسُمعةٌ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ استِئْجارِ الأَجيرِ للخِدمةِ، وكِفايةِ مُؤْنةِ العَملِ في الغَزْوِ وغَيرهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
تابع باب : البيعة في الحرب على أن لايفروا
عن سلمة بن الأموع رضي الله عنه قال : بَايَعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ عَدَلْتُ إلى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قالَ: يا ابْنَ الأكْوَعِ ألَا تُبَايِعُ؟ قالَ: قُلتُ: قدْ بَايَعْتُ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: وأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقُلتُ له: يا أبَا مُسْلِمٍ علَى أيِّ شيءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَومَئذٍ؟ قالَ: علَى المَوْتِ.
رواه البخآري
الشرح :
لصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عامِ الحُدَيبيةِ سَنةَ سِتٍّ مِنَ الهِجرةِ، وسُمِّيَ الذين بايَعوا في الحُدَيبيةِ أصحابَ الشَّجَرةِ؛ وقدْ أثْنى اللهُ تعالَى عليهم ورَضيَ عنهم، وشَهِدَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجَنَّةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي سَلَمةُ بنُ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه بايَعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْعةَ الرِّضوانِ بالحُديبيةِ تحْتَ الشَّجَرةِ، ثمَّ ذَهَبَ إلى ظِلِّ الشَّجَرةِ، والمُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه لِصاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم الْتِزامُ الطَّاعةِ. فلَمَّا خَفَّ النَّاسُ ناداهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا ابنَ الأكْوَعِ، ألا تُبايِعُ؟» فقال: قدْ بايَعتُ -يا رَسولَ اللهِ- قبْلَ ذلك، قال: «وأيضًا»، أي: بايِعْ مرَّةً ثَانيةً، فبايَعَه، أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلكَ أنْ يُؤكِّدَ بَيعةَ سَلَمةَ؛ لِعِلمِه بشَجاعَتِه، وعَنائِه في الإسلامِ، وشُهرَتِه بالثَّباتِ؛ فلذلك أمَرَه بتَكريرِ المُبايَعةِ؛ لِيَكونَ له في ذلك فَضيلةٌ.
ثمَّ سَأَلَ التَّابِعيُّ يَزيدُ بنُ أبي عُبَيدٍ سَلَمَةَ بنَ الأكْوعِ: يا أبا مُسلِمٍ -وهي كُنيتُه- على أيِّ شَيءٍ كُنتُم تُبايِعونَ يَومَئِذٍ؟ فأجابَه: كُنَّا نُبايِعُ على المَوتِ. أي: على ألَّا نَفِرَّ مِنَ العَدُوِّ ولو مُتْنا.
وقَدْ وَرَدتْ رِواياتٌ أُخرى أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم بايَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الصَّبرِ، لا على المَوتِ، وفي رِواياتٍ أيضًا أنَّه بايَعَهم على عَدَمِ الفِرارِ. ولَفظُ الصَّبرِ يَشمَلُ جَميعَ المَعاني الأُخرى؛ لِأنَّ المُبايَعةَ على المَوتِ هي مَعنى المُبايَعةِ على ألَّا يَفِرُّوا؛ لِأنَّهم لا يَفِرُّونَ ولوِ استَلزَمَ الأمْرُ مَوتَهم، وعَدَمُ الفِرارِ كذلك لا يَكونُ إلَّا بالصَّبرِ، فكانَ مَعنى الصَّبرِ دالًّا على باقي المَعاني، ومُؤَدِّيًا إلى أنَّهم سَيَصبِرونَ على العَدُوِّ، ولا يَفِرُّونَ حتَّى المَوتِ أوِ النَّصرِ.
وفي الحَديثِ: الثَّباتُ والصَّبرُ في القِتالِ.
وفيه: عِظَمُ مَحبَّةِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
تابع باب : البيعة في الحرب على أن لايفروا
عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال : لَمَّا كانَ زَمَنُ الحَرَّةِ أتَاهُ آتٍ فَقالَ له: إنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ علَى المَوْتِ، فَقالَ: لا أُبَايِعُ علَى هذا أحَدًا بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
رواه البخاري
الشرح :
المُبايَعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يَبِيعُ ما عِندَه لِصاحِبِه؛ فمِن طَرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِ الصَّحابيِّ الْتِزامُ الطَّاعةِ. وقدْ بَيَّنتِ السُّنَّةُ المُطَهَّرةُ أنَّ مُبايَعةَ الأُمَراءِ على المَوتِ في الحَربِ لا تَنبَغي لأحَدٍ بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكِنْ يُبايَعونَ على الصَّبرِ والجَلَدِ في القِتالِ ما استَطاعوا، وقد دارَتْ حَربٌ بيْنَ الخَليفةِ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ وبيْنَ أهلِ المَدينةِ ممَّن رَفَضوا بَيعَتَه؛ وذلك أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ حَنظَلةَ بنِ أبي عامِرٍ وغَيرَه مِن أهلِ المَدينةِ، وَفَدوا إلى يَزيدَ بنِ مُعاوِيةَ في مَقَرِّ الحُكمِ في دِمَشقَ بالشَّامِ، فرَأوْا منه ما لا يَصلُحُ، مع ما وَقَعَ مِن مَقتَلِ الحُسَينِ بنِ علِيٍّ في كَربَلاءَ، فرَجَعوا إلى المَدينةِ فخَلَعوه، وادَّعى عَبدُ اللهِ بنُ حَنظَلةَ الإمارةَ لِنَفْسِه، وبايَعَه الأنصارُ، وأخْرَجوا عُثمانَ بنَ مُحمَّدِ بنِ أبي سُفيانَ عامِلَ يَزيدَ، فأرسَلَ إليهم يَزيدُ سَنةَ ثَلاثٍ وسِتِّينَ مِنَ الهِجرةِ جَيشًا بقِيادةِ مُسلِمِ بنِ عُقْبةَ -الذي يُسمِّيه أهْلُ الحِجازِ مُسرِفَ بنَ عُقْبةَ- في جَيشٍ عَظيمٍ مِن أهلِ الشَّامِ، فأوقَعَ بأهلِ المَدينةِ مَقتَلةً عَظيمةً، وقَتَلَهم بحَرَّةِ المَدينةِ قَتلًا ذَريعًا، واستَباحَ المَدينةَ ثَلاثةَ أيَّامٍ، فعُرِفتْ بعْدَ ذلك بمَوقعةِ الحَرَّةِ، والحَرَّةُ: كُلُّ أرضٍ ذاتُ حِجارةٍ سَوداءَ، والمُرادُ حَرَّةُ شَرقِيِّ المَدينةِ.
وقبْلَ المَعرَكةِ أرادَ عَبدُ اللهِ بنُ حَنظَلةَ أنْ يَأخُذَ مِنَ النَّاسِ البَيعةَ على المَوتِ، وعَلِمَ بذلك عَبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقال: لا أُبايِعُ على المَوتِ أحَدًا بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يُشيرُ إلى بَيعةِ الحُدَيبيةِ التي بايَعَ فيها الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
والحِكمةُ مِن قَولِ الصَّحابيِّ: إنَّه لا يَفعَلُ ذلك بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كان مُستَحَقًّا لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَقِيَه بنَفْسِه، وكان فَرضًا عليهم ألَّا يَفِرُّوا عنه حتَّى يَموتوا دُونَه، وذلك بخِلافِ غَيرِه.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : البيعة في الحرب على أن لايفروا
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رَجَعْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، فَما اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ علَى الشَّجَرَةِ الَّتي بَايَعْنَا تَحْتَهَا، كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ. فَسَأَلْتُ نَافِعًا: علَى أيِّ شَيءٍ بَايَعَهُمْ؟ علَى المَوْتِ؟ قالَ: لَا، بَلْ بَايَعَهُمْ علَى الصَّبْرِ. رواه البخاري
الشرح :
بايَعَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عامِ الحُدَيْبيةِ في السَّنةِ السَّادِسةِ مِنَ الهِجرةِ على السَّمعِ والطَّاعةِ للهِ تعالَى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعَدَمِ الفِرارِ؛ وذلك لِأنَّ قُرَيشًا مَنَعوهم مِن دُخولِ البَيتِ الحَرامِ، ثمَّ عَقَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع قُريشٍ صُلحَ الحُدَيبيةِ، وكان مِن ضِمنِ بُنودِه أنْ يَرجِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المدينةِ وأصحابُه، ولا يَعتَمِروا في عامِهم هذا، ثمَّ يَعودوا لِيَعتَمِروا في العامِ المُقبِلِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الصَّحابةَ الكِرامَ لَمَّا رَجَعوا إلى مكَّةَ في السَّنةِ السَّابِعةِ مِنَ الهِجرةِ لِيَعتَمِروا، وسُمِّيَت عُمرةَ القضاءِ أو القَضيَّةِ، ووَصَلوا إلى المَوضِعِ الذي بايَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه؛ خَفيَ عليهم مَوضِعُ الشَّجَرةِ التي بايَعوا تحْتَها، ولم يَتَّفِقِ اثنانِ منهم على مَكانِها؛ لِخَفائِه عليهم، ولَعَلَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى أخفاها عليهم؛ لِئلَّا يُفتَتَنَ النَّاسُ بها؛ لِمَا جَرَى تحْتَها مِنَ الخَيرِ، ونُزولِ الرِّضوانِ والسَّكينةِ، وغَيرِ ذلك؛ فلو بَقِيتْ ظاهِرةً مَعلومةً، لَخِيفَ تَعظيمُ الجُهَّالِ لها، وعِبادَتُهم إيَّاها، فكان خَفاؤُها رَحمةً مِنَ اللهِ تعالَى.
ثمَّ سَأَلَ جُوَيريةُ بنُ أسماءَ نافِعًا مَوْلى ابنِ عُمَرَ: على أيِّ شَيءٍ بايَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابةَ؟ فأخبَرَه أنَّه بايَعهم على الصَّبرِ، لا على المَوتِ، وقد وَرَدَ في رِواياتٍ أُخرى أنَّه بايَعَهم على المَوتِ، وفي رِواياتٍ أيضًا أنَّه بايَعَهم على عَدَمِ الفِرارِ. ولَفظُ الصَّبرِ يَشمَلُ جَميعَ المَعاني الأُخرى؛ لِأنَّ المُبايَعةَ على المَوتِ هي مَعنى المُبايَعةِ على ألَّا يَفِرُّوا؛ لِأنَّهم لا يَفِرُّونَ، ولوِ استَلزَمَ الأمْرُ مَوتَهم، وعَدَمُ الفِرارِ كذلك لا يَكونُ إلَّا بالصَّبرِ، فكان مَعنى الصَّبرِ دالًّا على باقي المَعاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : التوديع
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله ﷺ في بعث ، فقال لنا : إنْ لَقِيتُمْ فُلَانًا وفُلَانًا - لِرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ سَمَّاهُما - فَحَرِّقُوهُما بالنَّارِ قالَ: ثُمَّ أتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ، فَقالَ: إنِّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وفُلَانًا بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بهَا إلَّا اللَّهُ، فإنْ أخَذْتُمُوهُما فَاقْتُلُوهُمَا. رواه البخاري
الشرح :
ارتَكَبَ كَثيرٌ مِنَ المُشرِكينَ جَرائمَ في حَقِّ المُسلِمينَ والمُسلِماتِ قبْلَ الهِجرةِ وبعْدَها، واستَحَقُّوا على ذلك العِقابَ، ومِن ذلك أنَّه لَمَّا عَزَمَتْ زَيْنَبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الهِجرةِ، وخَرَجتْ قاصِدةً المَدينةَ المُنوَّرةَ، قابَلَها رَجُلانِ مِنَ المُشرِكينَ، وهُما هَبَّارُ بنُ الأسودِ، ورَجُلٌ آخَرُ، قيلَ: هو نافِعُ بنُ عَبدِ قَيسٍ، فضَرَبَا البَعيرَ الذي كانَتْ تَركَبُه، فسَقَطَتْ مِن فَوقهِ، وكانت حامِلًا، فسَقَطَ حَمْلُها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَه في سَرِيَّةٍ -وكانتْ بقِيادةِ حَمزةَ بنِ عَمرٍو الأسلَميِّ رَضيَ اللهُ عنه- لِقَتلِ هذَيْن الرَّجُلَيْن، وأمَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَرقِهما، فلَمَّا جاءَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُوَدِّعونَه عِندَ الخُروجِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم: «إنِّي كُنتُ أمَرتُكم أنْ تُحرِّقوا فُلانًا وفُلانًا بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعذِّبُ بها إلَّا اللهُ، فإنْ أخَذْتُموهما فاقتُلُوهما»، يَعني أنَّ التَّعذيبَ بالنَّارِ خاصٌّ به تعالَى، فلا يُعذِّبُ بها غَيرُه؛ لذلك إذا رَأَيتُموهما فاقتُلوهما بغَيرِ النَّارِ، وهذا نَهْيٌ ونَسخٌ لِأمْرِه المُتقَدِّمِ، سَواءٌ كان بوَحْيٍ إليه، أو باجتِهادٍ منه، وقيلَ: هو مَحمولٌ على مَن قَصَدَ إلى ذلك في شَخصٍ بعَينِه لِيُحرِقَه.
ولم يَصِلْ إليهما الجَيشُ، ثمَّ بعْدَ ذلك أسلَمَ هَبَّارٌ وعاشَ إلى خِلافةِ مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه، وأمَّا الآخَرُ فلم يَرِدْ عنه شَيءٌ، وليس له ذِكرٌ في أسماءِ الصَّحابةِ، فلَعَلَّه ماتَ قبْلَ أنْ يُسلِمَ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الحُكمِ بالشَّيءِ اجتهادًا، ثمَّ الرُّجوعُ عنه.
وفيه: النَّهيُ عنِ القَتلِ بالنَّارِ.
وفيه: نَسخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَوديعِ المُسافِرِ لِأكابِرِ أهلِ بَلَدِه، وتَوديعِ أصحابِه له أيضًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : «لَقَلَّما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْرُجُ، إذَا خَرَجَ في سَفَرٍ إلَّا يَومَ الخَمِيسِ.» رراه البخاري
الشرح :
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخُصُّ بَعضَ الأيَّامِ ببَعضِ العِباداتِ، أو بَعضِ الأعمالِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُحِبُّ الخُروجَ لِلغَزوِ أو لِغَيرِه مِنَ السَّفَرِ في يَومِ الخَميسِ، وأنَّه خَرَجَ في غَزوةِ تَبوكَ يَومَ الخَميسِ في السَّنةِ التَّاسِعةِ مِنَ الهِجرةِ لِقِتالِ الرُّومِ، وتَبوكُ: في أقْصى شَمالِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، في مُنتَصَفِ الطَّريقِ إلى دِمشقَ، حيثُ تَبعُدُ عنِ المَدينةِ حَوالَيْ (700 كم)، وكانَتْ آخِرَ غَزوةٍ غَزاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَفْسِه مع الرُّومِ.
وكذا كان يَخرُجُ في سائِرِ غَزَواتِه وأسفارِه يَومَ الخَميسِ، إلَّا في القَليلِ كان يَخرُجُ في غَيرِه، وقد ثَبَتَ أنَّه خَرَجَ في أحَدِ أسفارِه يَومَ السَّبتِ، ولَعَلَّ ذلك مِنَ القَليلِ الذي ذَكَره كَعبُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه في الرِّوايةِ الأُخرى عِندَ البُخاريِّ حينَ قال: «لَقَلَّما كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخرُجُ إذا خَرَجَ في سَفَرٍ إلَّا يَومَ الخَميسِ».
وحاصِلُ الأمْرِ أنَّ خُروجَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أغلَبِ أسفارِه وغَزَواتِه كان يَومَ الخَميسِ، ولا يَكونُ ذلك إلَّا لحِكمةٍ اللهُ تعالَى أعلَمُ بها. وقيلَ: إنَّه لَمَّا كَرِهَ الخُروجَ يَومَ الجُمُعةِ خَرَجَ يَومًا قَبلَها يَومَ الخَميسِ، أو يَومًا بَعدَها يَومَ السَّبتِ. أو أنَّه يَومٌ مُبارَكٌ يُرفَعُ فيه أعمالُ العِبادِ إلى اللهِ تعالَى، وقد كانَتْ سَفراتُه للهِ، وفي اللهِ، وإلى اللهِ، فأحَبَّ أنْ يُرفَعَ له فيه عَمَلٌ صالِحٌ، أو أنَّه كان يَتفاءَلُ بالخَميسِ في خُروجِه، وكان مِن سُنَّتِه أنْ يَتفاءَلَ بالاسِمِ الحَسَنِ، والخَميسُ: الجَيشُ؛ لِأنَّهم خَمسُ فِرَقٍ: المُقَدِّمةُ، والقَلبُ، والمَيمَنةُ، والمَيسَرةُ، والسَّاقةُ، فيَرَى في ذلك مِنَ الفَأْلِ الحَسَنِ حِفظَ اللهِ له، وإحاطةَ جُنودِه به؛ حِفظًا وحِمايةً، ولِتَفاؤُلِه بالخَميسِ على أنَّه يَنتَصِرُ على الخَميسِ، الذي هو جَيشُ العَدُوِّ، ويَتمَكَّنُ مِنهم، أو لِأنَّه يُخَمَّسُ فيه الغَنيمةُ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : دعاء النبي ﷺ إلى الإسلام والنبوة وأن لايتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله
عن سهل بن سعد رضي الله عنه : أنه سمع النبي ﷺ يقول يوم خيبر : لأُعطِينَّ الرايةَ رجلًا يفتحُ اللهُ على يديهِ فذكرَ أنَّ الناسِ طمِعوا في ذلكَ فلمَّا كان من الغدِ قال أين علِيٌّ ؟ فقالَ على رسلِكَ انفُذْ حتَّى تنزلَ بساحتِهِم ، فإذا أُنزِلتَ بساحتِهم فادعُهم إلى الإسلامِ وأخبِرهُم بما يجبُ عليهِم منهُ منَ الحقِّ أو من حقِّ اللهِ فواللَّهِ لَإِنْ يَهدي اللَّهُ بكَ رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ . رواه البخاري
الشرح :
خَيْبَرُ قَرْيةٌ كانت يَسكُنُها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحْوَ 173 كيلو تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقدْ غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلِمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعِديُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَهم يَومَ خَيْبرَ أنَّه سيُعْطي الرَّايةَ غدًا لرَجلٍ مِن أصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم ممَّن خرَج معَه للغَزوِ -والرَّايةُ: العَلَمُ الَّذي يَتَّخذُه الجَيشُ شِعارًا له، ولا يُمسِكُها إلَّا قائدُ الجَيشِ- يكونُ سَببًا أنْ يَفتَحَ اللهُ خَيْبرَ على يدَيْه، ومِن صِفاتِه أنَّه يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورَسولُه، فباتَ النَّاسُ جَميعًا يَدوكونَ ليلَتَهم: أيُّهم يُعْطاها؟ أي: يَتحدَّثون بيْنَهم ويَتَسألون عمَّن سيُعْطيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّايةَ؛ وذلك لتَزْكيةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له بأنَّه يُحِبُّ اللهَ ورَسولَه، وأنَّ اللهَ سيُجْري هذا الفَتحَ على يدَيْه.
فلمَّا كان الصُّبحُ ذَهَبوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كلُّ واحدٍ منهم يَرْجو أنْ يكونَ هوَ المُرادَ بكَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والفائزَ بهذا الشَّرفِ، فسَألَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقيلَ له: إنَّه مَريضٌ يَشْتَكي عَينَيْه، فأرسَلَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاؤوا بهِ، فبصَقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَينَيْه، يَعني: بَلَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَينَيْ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ مِن ريقِه الشَّريفِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَعا له، فشُفيَ مِن مَرضِه وكأنَّه لم يكُنْ به وَجعٌ، فأعْطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّايةَ، فقال عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه: «يا رَسولَ اللهِ، أُقاتِلُهم حتَّى يَكونوا مِثلَنا؟» أي: مُسلِمينَ، فوجَّهَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنِ قال: «انفُذْ على رِسْلِكَ»، أي: امْضِ بغَيرِ تَعَجُّلٍ، «حتَّى تَنزِلَ بساحَتِهم»، السَّاحةُ: المكانُ المتَّسعُ بيْن البيوتِ ونحْوِه، ثمَّ ابْدأْ بدَعوَتِهم إلى الإسْلامِ، «وأخْبِرْهم بما يجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللهِ فيه، فواللهِ لأنْ يَهْديَ اللهُ بكَ رَجلًا واحِدًا» إلى الإسلامِ، خَيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ، وهي نَوعٌ مِنَ الإبلِ المَحْمودةِ، وكانت مِمَّا تَتفاخَرُ العَربُ به، والمَعنى: أنْ تكونَ سَببًا في هِدايةِ رَجلٍ واحدٍ خَيرٌ لكَ مِن أنْ تكونَ حُمْرُ النَّعَمِ لكَ، فتتَصَدَّقَ بها، وقيلَ: تَقْتَنيها، وتَملِكُها.
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَنقَبةٌ عَظيمةٌ لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: اتِّخاذُ العَلَمِ، والرَّايةِ، واللِّواءِ في الحَربِ.
وفيه: فَضلُ السَّعيِ في هِدايةِ النَّاسِ، وأنَّ مِن أسْبابِ ذلك الجِهادَ والغَزوَ في سَبيلِ اللهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على افضل الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
باب : قتال الترك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ، صِغارَ الأعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعالُهُمُ الشَّعَرُ. رواه البخاري
الشرح :
بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَواطِنَ كَثيرةٍ عَلاماتِ السَّاعةِ، والأهوالَ التي تَكونُ قبْلَ يَومِ القيامةِ؛ لِيأخُذَ المُسلِمونَ حِذْرَهم، ويُعِدُّوا لِلأمْرِ عُدَّتَه، ولِيَزدادوا يَقينًا وإيمانًا بصِدقِ نَبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَلامةٍ مِنَ العَلاماتِ التي تَكونُ قبْلَ قيامِ الساعةِ؛ وهي أنَّ المُسلِمينَ سيُقاتِلونَ قَومًا نِعَالُهمُ الشَّعَرُ، يَعني أنَّهم يَصنَعونَ نِعالَهم مِنَ الشَّعَرِ، أو أنَّهُم يُطِيلُونَ شَعَرَهم حتَّى تَصيرَ أطرافُه عِندَ أرجُلِهم بمَوضِعِ النَّعلِ مِن طُولِه. ومِن صِفةِ هؤلاء أيضًا: أنَّ وُجُوهَهم كالمَجَانِّ المُطْرَقَةِ، والمَجانُّ هي التُّروسُ مِنَ الجِلدِ، التي تُستَخدَمُ في اتِّقاءِ ضَرَباتِ السَّيفِ في الحَربِ، والمُطرَقةُ: الغَليظةُ التي رُكِّبتْ طَبَقةً فَوقَ أُخرى، والمُرادُ: أنَّ وُجوهَهم غَليظةٌ مُستَديرةٌ كَثيرةُ اللَّحمِ. ومِن صِفَتِهم أنَّهم صِغَارُ الأعْيُنِ، وذُلْفُ الأُنوفِ، أي: في أُنوفِهم قِصَرٌ مع استِواءِ الأرنَبةِ وغِلَظِها.
ولَرُبَّما انطَبَقَتِ الأوصافُ على التَّتارِ والمَغولِ، الذين اجتاحوا العالَمَ الإسلاميَّ في مُنتَصَفِ القَرنِ السابِعِ الهِجريِّ؛ لِلأوصافِ الخِلْقيَّةِ الدَّقيقةِ التي وَصَفَهم بها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهُم قد حارَبوا أهلَ الإسلامِ وقَضَوْا على الأخضَرِ واليابِسِ في بُلدانٍ كَثيرةٍ، وأشاعوا الرُّعبَ والخَوفَ بيْنَ النَّاسِ، كأنَّهم يَأجوجُ ومأجوجُ، وقدْ دَخَل كثيرٌ منهم بعْدَ ذلك في الإسلامِ.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
Last updated 1 month, 3 weeks ago
سيرافقك قلبي إلى اخر العمر
- لطلب تمويل تواصل ← : @ooooow
- قناة التمويلات : @xxxxzz
Last updated 3 weeks, 6 days ago
https://t.me/hjjhhhjjnkkjhgg1234
Last updated 2 months, 2 weeks ago