قناة احمد علي على تيليجرام ( شروحات تقنية ، تطبيقات ، أفلام ومسلسلات ، خلفيات ، و المزيد )
Last updated 4 months, 1 week ago
يرمز تيليجرام إلى الحريّة والخصوصيّة ويحوي العديد من المزايا سهلة الاستخدام.
Last updated 5 months, 2 weeks ago
- بوت الإعلانات: ? @FEFBOT -
- هناك طرق يجب ان تسلكها بمفردك لا اصدقاء، لا عائلة، ولا حتى شريك، فقط انت.
My Tragedy Lies With Those Things That Happen in One Second And Remain
- @NNEEN // ?: للأعلانات المدفوعة -
Last updated 6 months ago
البحث العلمي الإبداعي
إن للإبداع في البحث العلمي شروطًا لا بد من تحققها لتحقيقه؛ ومنها:
أولًا: التحصيل العلمي، وبقوته يقوى البحث، وبضعفه يضعف، فلا ريب أنه يعسر أو يتعذر الإبداع في البحث العلمي مع الضعف في التحصيل؛ لأن الإبداع مرحلة متقدمة، تستلزم بصرًا وعمقًا في مشكلات الفن، فمن كانت قدماه لم تنزلا عن السطح إلى العمق، فكيف يرى أسفل البحر، ولو رآه لن تكون رؤيته واضحة صافية.
فإن البحث لا يكون عن معلوم، فلا يصح أن تقول -والمفتاح في يدك-: سأبحث عنه، ولو بحثت عنه في الأرض أو غيرها سيتبين لك أن بحثك عنه لا قيمة له، فالبحث غوص في المتاهات، وانغماس في المجهول، ورحلة ضبابية غير واضحة المعالم، معتمةُ الملامح، ولكن الباحث القوي علميًّا -بعد استعانته بالله- يستطيع أن يغالب تلك المجاهل وتلك الظروف بنور العلم، وحسن الاستعانة بكلام العلماء، وجودة التوظيف لمهارات البحث وأدواته، ومن أكبر الأسباب المعينة له على ذلك سببان: الأول: معرفته بكلام أهل العلم وخبرته بمظانه، فيفزع إليه، فيفهمه على وجهه، ويحسن تخليص ما يحتاج إليه من بين ركام المعلومات، وردم المعرفة، والثاني: براعته في البناء العلمي، فيعرف كيف يلحق الفرع بالأصل، ويستجلب الأصول والقواعد المؤثرة، وما النظائر المشابهة، فيخلص من ذلك إلى قرن الفرع بما يماثله، ووضعه في المكان اللائق به.
ثانيًا: المهارات الناشئة عن عقل مفكر، وذهن مدبر، فلا يسمح للإشكال بالعبور دون وقفة معه، فيقلبه على نار التأمل، ويوقد تحته شموع الإشكالات، فينظر ما الذي يذهب جفاء، وما الذي يبقى فينفع الله به، فليس لائقًا بطالب علم مكين أن تتهادى بين يديه الإشكالات فيراها واضحة لا يَعلق بها شيء؛ فإن هذا المسلك أدعى للبلادة وموت العلم، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: (الموفق من رأى المشكل مشكلًا، والواضح واضحًا)، وفي رؤية الإشكال ثم التصدي له تختلف أساطين العلم ومهرة الباحثين.
إن الكلام في منهج الانتفاع بمطالعة المطولات كثير، ولكن لا يخرج -في الجملة- عن ثلاثة أنحاء، تختلف بحسب المطول نفسه:
أولًا: ما يكون إشباعًا علميًّا لمتون دراسية، كشروح المنتهى والإقناع مع الروض المربع، فإن دارس الروض المربع المتأهل لا يستغني عنها أثناء الدراسة، فهي ليست بمعزل عن التأصيل الذي يبنيه الدارس، لكن ما زاد عن مسائل الروض المربع سيكون في مرتبة أدنى ولا بد في حقه.
ثانيًا: ما يكون موطنًا لحل الإشكالات، وتوسيع المدارك، والتدقيق في مسائل أصلها في المتون، فهذه إذا طالعها الدارس بعقل متيقظ وبصر متوقد فإنه يجد لذة الأجوبة، واندفاع الإشكال، وردم الثغرات العلمية.
ثالثًا: ما يكون زيادة في العلم عن مسائل المتون، فهذه مهمة جدًّا ولا يستغني عنها طالب العلم، ولكن ضبطها والتدقيق فيها لا يخلو من عسر؛ لأنها في بطون الكتب، وليست مما يتداول حال شروح المتون. ولعل هذا الفرق يفسر شيئًا من رغبة كثير من الطلاب بالدروس التأصيلية المرتبطة بالمتون، دون ما يكون تفسيرًا للقرآن، أو تعليقًا على أحد كتب السنة الأصلية، فالواحد من هؤلاء يجد أن المتون ذات سمات منهجية منضبطة وملامح واضحة، بخلاف شوارد المسائل، ومنثور الفوائد، فلِأَن نظمها ضمن سلك علمي ليس بالسهل، وهي مظنة للتفلت، وربما ليس عند المطالع استشكالات تحلها: صارت غير جاذبة للطالب.
الوجبات العلمية
كما أن الإنسان في وضعه الملاقي للطبيعة لا يستطيع -عادةً- أن يتجاوز ثلاث وجبات رئيسة في يومه، وربما اقتصر على وجبتين فكفتاه، ولا يمنعه ذلك من تناول فواكه أو سلطات ومكسرات؛ فكذلك الوجبات العلمية الرئيسة، وتتمثل في المواد العلمية الثقيلة؛ إما لكونها تتطلب حضورًا ذهنيًّا عالي التركيز -وهذا متحقق في العلوم الدقيقة كالعلوم الصناعية مثلًا-، أو لكونها تستحوذ على نصيب كبير من الوقت، فلا يبقى بعدها في رئة الصبر نفَس، وإذا تمهد هذا استجلت بعض الأمور:
الأول: أنه ينبغي لطالب العلم أن يمايز بين ما يستهدفه في تحصيله؛ فيجعل أساسه وجبات ثقيلة يقوم بها كيانه العلمي، ولا يركن للوجبات السريعة التي يلتذ بها وجسمه يتأذى بالاقتصار عليها؛ حيث تحولت إلى أصل، وهي كالفاكهة التي حضورها يسر وغيابها لا يضر.
فالعلم له صلب ثقيل لا بد من بنائه لبنةً لبنةً، وليس استثقاله كافيًا في إغفاله، وإلا صار طالب العلم ليس بطالب علم، وإنما هو منقّب في الهوامش، ومقيم في الهامش.
الثاني: أن الالتفات لما تأنس به النفس من طرح ممتع متمثل في كتاب أدبي أو ثقافي ونحوهما في غاية الأهمية؛ لأنه إشغال للنفس بمرتبة عليا من الارتقاء بها، فذلك خير من الفراغ الذي لا يأتي غالبًا بخير، ولربما كان في بعضها من فتح الآفاق، واتساع الأحداق، ما يكون خيرًا من كثير من العلم، كما في تراجم العلماء الربانيين التي فضلها أبو حنيفة رحمه الله على كثير من الفقه.
ثم إنها دالة على أن المرء مختار لمشرب القراءة، وكارع منه ما استطاع، وفي هذا فضيلة لا تجحد، وكثير من المنتسبين للعلم قصرت قاماتُهم في مدارج العلم لقِصَرِ قيامهم في محراب القراءة.
وما رأيت طالب علم مقبلًا على القراءة إلا ورأيت العلم مقبلًا عليه.
ولكن الغضاضة في نوع القراءة إذا صارت الهوامش متونًا، والحواشي عيونًا.
الثالث: ينبغي التناغم بين التحصيل الأصيل والتثقف الجميل، فليس بالمناسب أن يكون طالب العلم متخصصًا في الشريعة، وقراءاتُه الثقافية كلها في عادات الشعوب وفنون الطبخ عندها! فإن في القراءة في السيرة النبوية الشريفة ثم تراجم العلماء ونحوهم وفي تاريخ العلوم الإسلامية وتطورها ما هو أبلغ أثرًا، وأطيب ثمرًا؛ لأنها تصقل مواهب طالب العلم العلمية، وتجوّد مبانيه الفكرية والثقافية، وعلى سبيل المثال: لو كان مشتغلًا بعلم السنة ومصطلحها وقرأ في كتب التراجم الشهيرة كسير الذهبي لوجد ما يزيد من رغبته في ذلك العلم، ووقف على حياة آلاف المحدثين، والتقط إشارات كثيرة في غاية الأهمية التي لا يجد نفسه حيالها إلا في مقام التسجيل والتبجيل.
وكذلك يقال في بقية الفنون.
وكم من مطالع للجانب التاريخي في فنه فوجد في بعضه أطواره انحرافًا عن الجادة، ونشأ عن ذلك أقاويل لا أصل لها، وتصورات لا قائل بها، واستنتاجات لا يُعوّل عليها.
الرابع الأخير: أن الوجبات العلمية الثقيلة تنفر منها النفس، ولا تجد أُنسًا فيها، لذلك ينبغي انتخابها بعناية فائقة بعد دراسة واستشارة، ثم الديمومة عليها بتناول قدر مناسب، يمكن للفكر أن يصطبغ بلونه، ويشرق بنوره؛ فإن دقيق العلم لا يكفي في تحصيله الهجوم عليه، والرغبة فيه، وإنما الشأن بسطوع ضوئه في الملكات العقلية والبيانية، ولا يتأتى ذلك إلا لمن تناوله لقمة لقمة.
رابعًا: تكرار الكتاب الرائع أمضى في الأثر، وأسرع في التأثير، أما المطالعة اليتيمة فهي كالدراسة بلا امتحان، ولا أحسن من التقاط الفوائد الجياد، والقواعد المحكمة، مع كتابتها في محل مصون، يسهل الوصول إليه كل حين.
خامسًا: ما قرأته تراه يدنو من الذهن ويُسرع إليه الاستحضار كلما أدرته على لسانك، فاجعل من مقروئك سميرًا مؤانسًا، لا عدوًّا مجافيًا، وما كثر سؤال الناس عنه وتطلعهم إليه فهو دليل على أنه مفيد لا فضول.
سادسًا: كلما تقدم بك الزمان ماتت الدهشة في نفسك، وذبلت اللذة في جسمك، فقاوم ذلك بالارتقاء إلى الكتب الثقيلة، والفنون الجليلة.
سابعًا: تخفف من الرسوم التي تغل قراءتك، فالقراءة كيفما تهيأت، وعلى أي وجه صارت، هي خير من الانقطاع عنها.
ثامنًا: اجعل من محبي القراءة النافعة أصدقاء تأتسي بهم، وتنافسهم، ومن جاور السعيد يسعد، كما يقال.
تاسعًا: إن ضاق عليك الوقت، أو لم تنشط للقراءة، فاجعل لها وقتًا موقوفًا عليها، لا تتجاوزها فيه إلى غيرها.
عاشرًا: القراءة العلمية هي مستقر الرحل لطالب العلم المتقدم، وهي أن ينتخب كتابًا جامعًا فيجعله مستودعًا للتعليق عليه، فيجمع إليه غيره، فيستحيل خلقًا جديدًا، وهذه طويلة النفَس، لكنها ممتعة نافعة.
حادي عشر الأخير: الاستفادة من تجارب الآخرين متعينة؛ فقد يكفونك عناء قراءة كتاب ما، أو يرشدون إلى كتاب غفلت عنه، أو يشجعونك بالتنافس في القراءة، مع مراعاة طرائقهم وعوائدهم التي تفتح عينيك إلى ما ذهلت عنه.
وفي الجملة، الكلام في هذه القضية يطول، ولكن الالتفات إليها باستمرار، وتداول الآراء والأفكار فيها مما تنشط له النفوس وتحتاجه، كما أن الكلام في الأطعمة والتغذية والحمية لا يتوقف الناس عنه، ولا يملون منه، ولا يستغنون عنه.
أثرُ القراءة
إن كثيرًا من القراء يشكون ضعف أثر القراءة فيهم، وربما كان ذلك سببًا في الفتور، أو الإعراض التام عنها، وربما تلمّس بعضهم أثرها الذي يكافئ نصبها فلم تقع يده إلا على تصورات ضبابية، ومعلومات إجماليّة، وفي أكثر الأحيان ينسى ما قرأ تمامًا إلا ما لا يقيم صلب ورقة واحدة!
وأحسب أن تشبيه القراءة بالطعام خيرُ سبيل لبيان الداء والدواء؛ خصوصًا أن للطعام أثره ولا بد، والذي قد يكون نافعًا، وقد يكون ضارًّا، فكذلك هي القراءة، فأنت ترى أن الطعام ليس كله على سمت واحد، أو هيئة واحدة؛ فبعضه كالماء الزلال الذي ينفع الصغير والكبير، ويحتاجه المشرقي والمغربي، والأعجمي والعربي، ولا تأباه نفس سليمة، وبعضه حال الضرورة فقط؛ للإبقاء على النفس فحسب، والضرورةُ نادرةُ الوقوع عادةً، وبعضه لو اقتصر عليه الطاعم لأغناه وكفاه، ولما أحوجه إلى شيء سواه، وبعضه يُستغنى عنه، ولكن وجوده من جنس التكميل والتتميم، وربما يظهر أثره في الجسم السليم، إما في تقويته وبنائه، أو صحته وشفائه، أو يكون من جنس الحلوى التي ترغب فيها النفس وتتوق إليها، مع حصول الضرر بكثرتها، ولا سيما للمرضى، وبعض الطعام في متناول الجميع ولا تثريب على من تناوله، وبعضه قد يحتاج إلى وصفة طبيب، وكذا من حيث الكمية؛ فإن بعض الطعام لا يضر أكله كل وجبة، وبعضه ليس كذلك، فلا بد من الاحتياط فيه، وهكذا في تفاوت لا يمكن الإتيان عليه لا بِعدّ ولا حصر.
وإذا تقرر ذلك فكما أن الإنسان لا يَجعل من الطعام لونًا واحدًا، ولا يرجو منه أثرًا واحدًا، فكذلك القراءة لا يحسن أن يُرجى منها كلها نفع قوي، ومذاق شهي، فهي ذات ألوان وأفنان وأشجان.
ويمكن نشر ما طوي فيقال:
١- لا تنتظر من كل قراءة أن تخرج منها بأثر هائل يجعل منك عقلًا جديدًا؛ فإن بقاء نفسك متطلعةً للمعرفة، والمحافظةَ على كفاءة الدماغ في الفهم والاستيعاب والتحصيل= ليس بالأمر السهل، واعتبر ذلك بمن لا يجد في نفسه توقًا للطعام، أو لا يستطيع جسمه استساغته، فهو مريض ولا بد.
٢- أن أثر القراءة لا ينحصر في المعلومات، فتكون هي المعيار الذي تُقاس به الفائدة أو عدمها، فما المعلومات -وخصوصًا مع هذا الانفجار المعرفي- إلا في رتبة متأخرة، ويتقدمها بمراحلَ بناءُ ملكة الفهم المنهجي الصحيح، وتأسيسُ ميزانٍ يكسبه النظر الرجيح.
٣- أن القراءة بعضها للبناء العلمي، وبعضها لإمتاع النفس والاستجمام، وليس كل القراء من يجمع بينهما، فبعضهم طالب علم ليس بمثقف، وبعضهم مثقف ليس بطالب علم، وطالبُ العلم بحاجة لفتق مداركه، وتثوير مكامنه، لتتسع أمامه الآفاق المعرفية، ولكن لا بد من الموازنة بينهما، كما يوازن بين الوجبات الأساسية ومكملاتها.
٤- أن بعض القراءة لها شروطها التي لا تتحقق ثمرتها إلا بتوفرها، فكم قارئ لكتاب، والكتاب يجيب عن إشكالات لا يعرفها ذلك القارئ، أو أنه لا يبصر تلك الدقائق التي يعالجها، فالكاتب يتوخّى نوعًا خاصًّا من القراء، فلا يصح لكل من هب ودبّ أن يقف في صفهم، ويهتف باسمهم، وربما كان الكتاب موجهًا لفئة عندها شبهة، أو غبش، فلا يعرف القارئ ماذا يريد الكاتب، فلا يفهم المقاصد التي يرمي إليها فيخرج من الكتاب كما دخل.
٥- كما أن بعض الأطعمة لا تطيقها بعض الأجسام من الأصل، أو لا تستطيع الاستكثار منها، أو المداومة عليها -كما سلف-، فكذلك بعض القراءات العلمية، هي ثقيلة جدًّا لا يطيقها مَن فهمُه كليل، ونظرُه قصير، وصبرُه ضئيل، ومن يقفز إليها وهو ليس لها بأهل يبوء بخيبة وهزيمة، ولكن بعض الناس قد يصلح لها بشرط التأسيس المتماسك، مع التلقي عن الأشياخ لطيّ بُعد الطريق.
٦- بعض الكتب مقدمات وبعضها مقاصد، ومن تخطّى رقاب المقدمات إلى متون المقاصد فاته المتن والغارب، ومن أنشب نفسه في ركاب المقدمات عثر بها وثقل عليه اجتيازها.
٧- كما أن بعض الأطعمة لا يظهر أثرها في تقويم الجسم وتحسينه إلا بعد أمد، فكذلك قراءة بعض الكتب تحتاج لمعاودة مرّةً بعد أخرى، حتى يستسيغها العقل وتصير منتصبةً فيه تكوينًا وتفكيرًا.
ولهذا فلا ينبغي للقارئ الكريم أن يغفل عما يلي:
أولًا: أن القراءة ضرورة، وليست مرهونة بوجود اللذة فيها، أو مشاكلة الآخرين، أو غير ذلك، فأنت تقرأ لتنتفع، لا لتتباهى أو تستمتع، وما تحتاجه أنت أعرف به، وهو الذي يزيدك علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، مع أن الإحماض بالكتب الممتعة لا غضاضة فيه، بل هو كصوت الحادي الذي يزيد في النشاط، وتُطوى به البلاد.
ثانيًا: ينبغي أن تكون القراءة لكتاب ملاقٍ لحاجتك المعرفية، وليس قد تجاوزته، أو لم تصل إليه، فتقرأ منه ما يستحق القراءة؛ لأن بعض الكتب لا يلزم ختمه كاملًا.
ولا تنس الفرق بين الكتب الدراسية، وغيرها؛ فالأولى يطول العيش معها، والركون إليها، وغيرها ليس كذلك.
ثالثًا: لا يكن قياسك للفائدة ماديًّا دائمًا؛ فإن الأثر النفسي هو الظل الذي يقيك من هجير الكآبة، وسموم الضنك والرتابة.
وظيفة الجامعات: (إكساب الطالب الملكات والمهارات)
إن مما ينبغي للطالب الجامعي أن يحصله في الجامعة تلك الملكات العلمية، والمهارات المتنوعة، سواء كانت في التفقه في سياسة العلم وطريقةِ التعاطي معه، أو في التعامل مع أهل العلم، أو في مناهج البحث العلمي، أو في المهارات التي تحتاج لتدريب ومِران، كأن يُدرّب على تحليل نصوص المتون وتشريحها، أو باستنطاق ما فيها من فروق وتقاسيم وتأصيلات تتبعها استثناءات، ومعرفةِ بناء الحكم على الدليل المذكور بتحديد موضع الشاهد من النص، ثم بيان وجه الدلالة منه، وغيرِ ذلك مما يختلف باختلاف الفنون..
أما أن نعتقد أن استكثار الطالب من المعلومات هو الغاية المثلى، والطريقة الوسطى، فليس من المنهج التربوي المناسب في شيء.
وعلى سبيل المثال: لم أسمع بوجوب (الاطراد في المنهج العلمي وإشكالية التناقض) من أساتذة الكلية إلا في الفصل السابع (أي في الفصل الذي قبل الأخير)! وهذا أعده متأخرًا جدًّا، خصوصًا مع منهج الشرح الذي كان يُعنى بدرجة كبيرة بالخلاف العالي.
ولم أفهم المقصود بخطة البحث إلا في الماجستير عندما عرضت أوراقي على أستاذ مادة البحث ليرى رأيه فيها وكنت أمشي معه على المقدمات، فقال: أرني المخطط! فصار يقلّب الأوراق حتى وصل للمسائل التي تصنف تحت مباحث ومطالب! فعرفت حينها المقصود بخطة البحث.
ثم لما شرعت في كتابة بحوث الترقية صار عندي لبس شديد في إتقان عناصر البحث، فما كان في وسعي إلا فَتْحُ بحث لأحد المشايخ وتقليده حتى استوفيت العناصر، ثم بعد البحث الثالث وجدت جلاءً في الصورة، وزالت الغشاوة عن كثير من معالم البحث العلمي، ومن أعجب ذلك: أنني فطنت حينها أن ما يُسمّى بمقدمة البحث عند بعضهم -ويقصدون به الافتتاحية- هو من إطلاق الكل على الجزء، فالمقدمة تشمل الخطبة، وما بعدها إلى صلب البحث الذي هو المقصود أصالةً.
ولذلك لما درّست مادة (البحث العلمي) لم أقف مع الجانب النظري في كتاب -لأن هذا اكتفيت فيه بأن طلبت من الطلاب تلخيص بعض الكتب المفيدة الواضحة- لكني جمعتهم مرتين، وفي كل مرة أرسم لهم على السبورة مسيرة البحث الأكاديمي من ألفه إلى يائه بطريقة حاصرة مركزة، فإذا انتهيت طلبت منهم تحويل باب من أبواب الروض المربع إلى مشروع بحثي، فألاحظ أن كل ما تقدم تقريره وتمهيده ذهب هباء! فنحتاج للمشي خطوة خطوة، وربما سار الطالب سيرًا خاطئًا فيحتاج لتنبيه وتذكير بما تقدم، فوجدت أن هذه الطريقة هي الأسرع في التعليم، ومع ذلك لا تكفي؛ إذ لا مناص من ضرورة الممارسة حتى يُحكم الطالب المنهجية البحثية.
وإن الدكتور الذي كانت رسالتاه ضمن مشاريع بحثية يفوته حذق هذه الصنعة غالبًا، إلا أن يكون هو الطالبَ الأولَ الذي أنشأ المشروع من العدم، ورسم معالمه من الأساس إلى الهرم، ثم يكون نصيب البقية تعبئة الفراغات بالمسائل التي تخصهم، وما أكثر ما يأخذ البقية من الأول كل مقدماته حتى أسباب اختيار الموضوع وأهدافه التي ينبغي أن تُعبّر عن كل باحث تعبيرًا كاشفًا عن ميوله العلمية، واتجاهاته البحثية، بل يسلخ بعضهم من الأول كثيرًا من مقدمته الدراسية إن كان المشروع تحقيقًا لمخطوط!
ووصل الضعف في بناء الطلاب في المنهجية البحثية أن الأصل فيهم عدم استيعاب المراد بـ(أهمية الموضوع وأسباب اختياره وأهدافه)، وكذا بعدم التفريق بينها، وأنا شخصيًا فهمت شيئًا من هذه الأمور وأنا في السيارة أستمع لمحاضرة حول هذه القضايا لأحد أفاضل الأساتذة، ففهمت من محاضرة عن بُعد وأنا على قارعة الطريق، ما لم أفهمه من دراسة المادة في فصل دراسي كامل في البكالريوس، ثم في الماجستير!
وقد وقعت لي تجربة متواضعة مع تدريس مادة (فقه النوازل)، فقد قلت للطلاب حينها: إن أكثر ما ينفعكم هو معرفة كيف تبحثون النازلة وتحللونها وتتناولونها تناولًا علميًّا منهجيًّا، فقضينا أسابيع في ذلك، وكان عدد منهم يستزيدون ويقولون: هذا أنفع لنا من الاستزادة من المعلومات الجزئية.
إن المقصود من كل ما تقدم هو معرفة الهدف من الجامعة، وهو تخريج طلاب ذوي ملكات علمية، ومهارات متنوعة، تُمكّنهم من قيادة العلم وسياسة المعرفة، فيكونون متأهبين لكل أمل يُعقد عليهم.
وكل ما تقدم ليس فيه غضّ من التحصيل العلمي الأصيل، فهو الأساس المكين، والحبل المتين، ولكن بابه واسع؛ إذ ربما يمكن الوصول إليه بلا أستاذ في الجملة، أما اكتساب المنهج الرصين فليس موجودًا إلا في أيدي الحذاق والنابهين، فإن لم يكونوا في الجامعات فأين هم؟!
بريق البدايات
١
إن مما عُني به أهل التسويق تعليق آمال المستهلك العريضة على استعمال المنتج؛ فيوهمونه أن منتجهم مُحقق التأثير، سريع التغيير، فتتعلّق به النفس الضعيفة.. وهذا المسلك التسويقي لا يختص بالاستهلاك المادي، فتجد الدعايات في تعليم لغة أجنبية أو غيرها كذلك، ويرفعون شعار: وداعًا للمعاناة في كذا، أو: ابدأ تحقيق حلمك الفلاني... وتُغري بذلك الدهشةُ لكلّ أمر جديد، وقد قيل: لكلّ جديد لذة، ويبعد أن يقال لك: أكمل إنجازك، أو واصل مسيرتك!
٢
ولو فتّش طالب العلم في مشاريعه، لوجد أن أكثرها استفتحها ولم يستتمها؛ لأن أوائلها اقترن بآمال عريضة استبشرت بها النفس، وتطلعت لها الأماني، وتحقق له عيش تلك اللحظات الحالمة، ثم خبَت فلم يبقَ إلا مرارة الصبر، ومأساة التجلد.
وأمارة صدق ذلك كثرة السؤال عن منهجية مقترحة في الطلب، مع أن سؤالًا يتيمًا يكفي، ومنهجية واحدة تشفي، وكذلك تجد المجالس الأولى في درس علمي يشهدها فئام من الطلاب، ثم ينحسر العدد، وينقطع المدد، ولا يصمد إلا من ثبّته الله.
ومع ذلك فهؤلاء الثابتون قد لا ينشطون للعناية التي تتطلبها تلك المشاريع العلمية من مراجعة دائمة، ومطالعة دائبة، ولا عجب حينئذ من خيبة النتائج، وتبخّر الأحلام.
٣
ولو أن طالب العلم أيقن بقول الشاعر:
(اليومَ علمٌ وغدًا مثله
من نخب العلم التي تلتقطْ
يحصّل المرء بها حكمةً
وإنما السيل اجتماع النقطْ)
لفَرِحَ بنُقط تقع على أرضٍ بكر فاهتزت منها وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فكانت خيرًا من سيل اندفع ثم انقطع.
ولا يعزبنّ عن ذهن طالب العلم أن قذف النفس في كل ميدان، والتطلّع لكل عنوان، لم يكن لولا رغبة تستولي على النفس بتحصيل العلم فتجعل منها فرسًا تثب ولا تهدأ.
ولكن الشأن في ترويض النفس على القصد في المسير، وإلجامها عن الطمع في كل بارق، والإصغاءِ لكل ناعق.
زخرف الكتب التعليمية
إن مما أصبح دارجًا لا تخطئه العين، ولا يُعوز إثباته لاحتجاج كثير ولا يسير ما صار محلًّا للتنافس بين المؤلفين؛ فما أكثر ما يُكتب كتاب في فن من الفنون الشرعية أو اللغوية، وترى المؤلف ينتخب لكتابه عنوانًا يحمل بشائر التيسير، ومجانبة التعسير، فيوهمك أن كتابه ذلكم الكتاب الذي ستنتهي بمطالعته عوائق التحصيل، وتُطوى بقراءته مراحل الطلب الطويل، ولكن ما إن تقلّبه إلا وترى قواعد صامتة، ونصوصًا قاتمة، وكأنما نَسخ أحدَ الكتب الأصيلة ولم يزد على إعادة الترتيب! فليس للتسهيل المدعى موطئ قدم إلا على الغلاف فحسب.
وبذلك تعرف أن العنوان نسجته مغازل التجار الذين خبروا السوق وطالبيه، فليس بين المضمون و العنوان، إلا كما بين قلب المنافق واللسان.
وإن وراء ذلك الرغبةَ في رواج الكتاب وانتشارِه، وإغراء محبي ذلك الفن باختياره، مع ما يقع من محاكاة لكتاب اتخذ اسمًا مشاكلًا فعُمرت به الخزائن.
إن تسهيل العلم الحقيقي لا يكون إلا ممن ارتوت نفسه بهذه الفكرة السامية، ونبت منها لحمه وجرى بها دمه، وملكت عليه إحساسه، وخالطت أنفاسه، فحينئذ أمكن أن يولد الإبداع من رَحِم المعاناة.
وإذا تقرر ذلك تعين الاحتراز من كمائن التجار، وبوارق الأفكار.
نموذج على تحليل نص فقهي: قال في الروض المربع: (ولا يصلي) من جهل الوقت ولم تمكنه مشاهدة الدلائل (قبل غلبة ظنه بدخول وقتها...). — التحليل: يستفاد من كلام المصنف أن الشخص من حيث العلم وعدمه بدخول وقت الصلاة لا يخلو من أحوال: ١- أن يكون جاهلًا بدخول الوقت فهذا…
قناة احمد علي على تيليجرام ( شروحات تقنية ، تطبيقات ، أفلام ومسلسلات ، خلفيات ، و المزيد )
Last updated 4 months, 1 week ago
يرمز تيليجرام إلى الحريّة والخصوصيّة ويحوي العديد من المزايا سهلة الاستخدام.
Last updated 5 months, 2 weeks ago
- بوت الإعلانات: ? @FEFBOT -
- هناك طرق يجب ان تسلكها بمفردك لا اصدقاء، لا عائلة، ولا حتى شريك، فقط انت.
My Tragedy Lies With Those Things That Happen in One Second And Remain
- @NNEEN // ?: للأعلانات المدفوعة -
Last updated 6 months ago