.
مِن عظيمِ بلوى طالِبِي العِلمِ في هذا الزّمانِ وفي كلِّ زمانٍ؛ عُسرُ الجمع بينَ طَلَبِ العِلمِ وسلوكِ طريقِه ومِن ثمّ النُّبوغ والبروز فيه، وبينَ طَلَبِ الرِّزقِ والسَّعيِ في لُقمةِ العَيشِ وتوفيرِ النَّفَقَة، إلَّا أن يكون طالبُ العِلمِ مُنفقًا عليه من فاعلِ خيرٍ، أو يكون عملُه ورِزقُه في ذاتِ سبيلِ طَلَبِهِ للعِلم، وهذانِ نادِرانِ!

واللهُ المُستعان.
.

.
فكرةُ الهامشِ الممكنِ المفتوحِ على الاحتمالاتِ مُرهِقةٌ مُؤرِّقة.

الكلامُ الذي كان بالإمكانِ قولُه، ولكنّهُ لم يُقَلْ، المشاعرُ التي كان في الوُسعِ إبداؤها، ولكنّها لم تُبدَ، المصارحةُ التي كان الأَولى التكتُّمُ عليها، أُفصِحَ عنها، العلاقةُ التي كان الأَحرى أن لا تكونَ قد كانتْ، حياةٌ برُمَّتِها كان ممكِنًا تغيُّرُها.
.

.
‏كان إذا راعه أمرٌ أو هالهُ شأنٌ أو نزلَ به خطبٌ؛ يستعصمُ بالصّمت، ويفزعُ إلى المكتبةِ لائذًا، وإلى الكُتبِ مستنجدًا، متّخذًا الصّحائف حمًى، والكلمات سلاحًا، والأحرف ذخيرةً، فطوبى له وهنيئًا!
.

يكون أحدنا جالسًا وادعًا سويعاتٍ في أمان الله، حتى تطل هموم الحياة الكبار برأسها وتتداعى عليه، فتحيل اطمئنانه قلقًا، وانبساطه نكدًا!

اللهم آجرنا فيما أصابنا، واخلف لنا خيرا منه.

كتاباتُ المرء ونقولاتُه أبعاضٌ من عقلِه!

.
من عادات العرب في أخلاقهم أنّهم يُتمّمونَ المعروف إذا بَدَؤوه، ويَرَوْنَ في الصّنيعة إما إتمامَها أو قَطْعَها وتَرْكَها.

يقول أبو مُحَسّد:
ولَلـتركُ للإحـسـانِ خَـيرٌ لـمحسنٍ
إذا جَـعَـلَ الإحـسـانَ غـيرَ ربيـبِ!

ويقول عليّ بن العبّاس:
لا تــصـنَـعَـنّ صـنـيـعـةً مـبــتـورةً
وإذا اصطنعتَ إلى الرّجالِ فتمِّمِ!
.

.
لا يستطيع أحد تقبُّلَ غلاظةِ الطّبع وشراسةِ الخُلق، فالنّفوس بفطرتها ترفض الانقياد لمن كان فظَّ الأسلوب، وتأبى الانصياع لمن كان جَلْفَ الطّريقة، ورغم ذلك ففي النّفوس سذاجة محمودة، فإنها تؤخذ باللّطافة وتُسلب بالدّماثة، ومن فهم أسبابها وعرف مداخلها وحاز مفاتيحها؛ فقد ملكها وانتهى إليها.
.

.
إنّي لأحمد فعلَ الرّجلِ -إن كان حسَنَ الطّويّة طيّب المخبَر- إن هو تكبَّر على المُتكبّر، وتعالَى على من يُصعّر خدّه للناس، وتفاخرَ على من يمشي خُيَلاءَ واستعلاء، على ألّا يفعل ذلك لثأرٍ يطلُبُه، أو تلذُّذٍ يجدُه، وإنما انتصارًا للدهماءِ والضُّعفاءِ المُستَحقَرين، وإذن لأذاق ذا الكبرِ من نفسِ كأسِه، ولربما كرّهَهُ في صنعِه وخُلُقِه!
.

.
لستُ ضدّ كرةِ القدم، أنا ضدّ الإغراقِ في الاهتمامِ بها وتقديمِها على أولوياتٍ أُخرى أهمّ منها، وأُعارضُ التّعصّبَ المقيتَ فيها لفريقٍ ومُشَجّعيه على آخرين، والذي ربما نشأ عنه عداوةٌ وقطيعةٌ بين الابنِ وأبيه، والأخِ وأخيه. وإلّا فالمتابعةُ باتّزانٍ واعتدالٍ لا ضيرَ فيها، بل ربما هي نشاطٌ اجتماعيٌّ مفيدٌ بنّاء.

هل ثَمّةَ أحدٌ هَهُنا غيري يشعرُ بالغربةِ وهو يرى النّاسَ يُهَلّلون ويعلّقون مسرورين -وبعضُهم يصرخُ ويَعولُ- على مباراةٍ جاريةٍ وهو لا يعلمُ عنها شيئًا؟ :)
.

.
هذا البيت للبيدِ العامريّ من أشرفِ ما نطقتْ به العرب؛ فهو يُغني عن كتابٍ في الحكمةِ والأدب:

ما عـاتَبَ الـحُـرَّ الكَـريمَ كَـنَـفـسِهِ
والمَـرءُ يُـصلِحُهُ الجَليسُ الصّالِحُ
.