كل يوم أبذل جهدًا أخلاقيًّا هائلًا كي أُجنِّب الآخرين موقفي غير السعيد منهم في تعاملي معهم، كي أكبح رغبتي في تصحيحهم حتى لا يصطدموا بي بقصد أو بدون.

هذا لأنني تعلمت -بأثمان قاسية جدا دفعتها من أعصابي وعلاقاتي وقلبي- أن الوقّاف على أخطاء الآخرين لا يُعاشر، حتى لو كانت تلك الأخطاء أشواكًا ستَخِزُني أنا، أقول لنفسي: من يرد الورد يأخذه بشوكه، وليس في استطاعتنا على الدوام تقليم الآخرين من عيوبهم، ولا من الجميل أن نُنبِّههم طوال الوقت أن فيهم هذه العيوب وتلك وأننا نستثقلها.

أدركت أن الصبر على الناس لا يتعلق بالعابرين فقط، أو بالذين تربطنا بهم علاقات سطحية تُسهِّل علينا التغافل، بل أشق الصبر صبرُنا على أحبابنا، على عيوبهم التي كالشوك في ورد علاقتنا؛ لا يمكن أن نمسك الوردة لنشم أريجها الطيب دون أن ننجرح ونألم أحيانا.

تعلمت أن آخذ صديقي على عيبه، هذا هو الإنسان الذي أمامي؛ بما ينقصه وما يضايقني منه وما لا يُعجبني فيه، إن استطعت قبلتُه وإلا فلا، وإذا قبلته واستطاع أن يغير شيئا في نفسه من أجلي فلا أنساها له، وإذا لم يستطع أن يتغير رغم المحاولة فلا أنسى أن فيه من المحاسن ما جعلني أتغاضى عن نقصه سابقا، وما ينبغي أن يساعدني على التغاضي اليوم.

تعلمت أن بعض الجروح ليس سببها الطرف الآخر دائما، بل قد يكون سببها أحيانا نقطة ضعف عندي، أو طبيعة نفسية خلقني الله عليها تجعلني أستقبل الأفعال بشكل لم يقصده صاحبه، هذا هو ما يُطلق عليه التنافر والتآلُف؛ حيث ليست المشكلة في أيٍّ منا، ومع ذلك لا يصلح أحدنا ليكون قريبا من الآخر.

أصعب امتحان أخلاقي هو امتحان الإنصاف؛ أن أقول لك: لم آلَفْك ولن يكون بوسعي أن أدخلك حياتي أو أن أحبك، لكن فيك محاسن كيت وكيت، لقد ضايقتني كثيرا ولم أنسجم معك، لكنك قد تكون جميلا في علاقة أخرى مع شخص يؤكد أنك ألطف إنسان في العالم.

‏| شيماء هشام سعد.

أحسِن يُحسَن إليك.
انفَع تُنفَع.
أسعِد تُسعَد.

قاعدة بسيطة، لا يُدرك مدى أثرها إلا مَن جعلها قاعدة يوميّة.

‏"تعبتُ.. نعم
‏ولكن بي محطّاتٌ
‏مِنَ الإيمانِ لَم تتعب".

على قدرِ خوفك، اجعل قدر دعائك؛ ولا تتركهُ حتى تطمئن: لن يخيبَ هذا المسلَكُ أبداً.

قبلَ أشهرٍ قليلةٍ ماضية، حيثُ كنتُ مع صديقاتي نَجُرُّ خُطانا المُثقلَةَ بعدَ يومٍ دراسيٍّ لا بأسَ بهِ، كسرتُ سِلسلةَ أحاديثِنا وأعلَنتْ:

"سأتوقّفُ عنِ التّمنّي!".
__

قبلَ ثلاثِ سنوات، شاهدتُ فيلماً عن رجلٍ قرّرَ كتجربةٍ جديدةٍ عليه -ضمنَ أحدِ البرامج- أن يتوقّفَ عن كوْنهِ ذلكَ المِحذار؛ المُتماشيَ معَ الظلِّ حيثُ خَطى - ويقولَ لكلِّ تجربةٍ جديدةٍ مهما كانت غير ذاتِ معنى لحياتهِ حاليّاً: نعم، سأعيشُك.

مع تَتالي التجاربِ التي يَخوضُها البطل، والتي قد تبدو بدونِ منفعةٍ حقيقيةٍ أو صلةٍ وثيقةٍ بحياتهِ الحاليّة؛ نصلُ لنهايةِ الفيلم وقد أثمرَتْ كلّ تلكَ التجارب، كلّ تجربةٍ خاضَها وشيء جديد تعلّمَه أفادهُ بشكلٍ ما حينما احتاجهُ في حاجتهِ ومكانهِ ووقتِه.
___

في خطابهِ في حفل تخرّج طلبة إحدى الجامعات، قال "ستيف جوبز" عبارةً ما تزالُ ترِنُّ في عقلي إلى اليوم:
"You can't connect the dots looking forward; you can only connect them looking backwards. So you have to trust that the dots will somehow connect in your future".

__

"سأتوقّفُ عن التمنّي، وسأبدأُ بأخذِ خطواتٍ جديّةٍ تنفيذيّةٍ تجاهَ أحلامي".

هذا القرار، حمَّلَني عِبءَ خوْض تجارب وتعلّم أمور قد أتساءلُ في مُنتصفِها لِمَ أفعلُ كلّ هذا، وما معنى كلِّ ذلك! وتغزُوني لحظاتٌ منَ الشكِّ في هذا السّعيِ وجدْواه. أيامٌ تُؤتي مُجازفاتي ثِمارها، وأيامٌ أصارِعُ لأرفعَ نفسي مِن على فراشي منَ الحُزنِ والخيْبة؛ ولكن مع كلّ ذلك، يَستمرُّ السّعْي.
هذا التخبُّطُ الذي قد يَبدو عشوائيّاً بدايةً، وهذهِ الخطواتُ المُبعثرةُ حيناً - أنا على يقينٍ أنها ستُشكّلُ يوماً ما معنى لوجودِها وإن لَم أدركهُ اليوم، بل أنا بالفعل أدركُ اليوْم معنى العديدِ من خطواتي السّابقة التي شكّكتُ فيها، إنها جميعاً تترابطُ بشكلٍ ما لتُشكّلَ قصّتي في هذهِ الحياة، وهكذا سيَمضي الأمرُ دوماً، على المرءِ أن يُحاربَ من أجلِ تحقيقِ المَعنى؛ حتى حينما يفقدُهُ في كلِّ شيء.

بينما أُراجع الآن ملف أدعية يوم عرفة الخاص بي للعام 2020، وجدتُ هذا الدعاء:

"اللهم سهّل لي دراستي للطب وبارك لي فيها وارزُقني محبتها".

الحمدُ لله الذي رزَقني هذا الحُبَّ؛ فسهّلَ عليّ الطريقَ من بابه.

حديثٌ على عجَل عن محوريّة السّعي والعادات.