اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم

انتشار التَّفاهة سريعٌ في النَّاس، كنارٍ أُوقدت في حشيشٍ يابسٍ، لموافقتها أهواءهم، ومناسبتِها شهواتهم، ولا خلوص لهم منها إلَّا بكبح جماح نفوسهم، وقمع شخوصها إلى رغباتها، بهداية دينٍ مرشدٍ وعقلٍ مسدِدٍ، فبهما يخرج العبد من سجن هواه، إلى رحاب ما ينفعه في أُولاه وأُخراه.

[ شيخنا صالح العصيمي ]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
[ قد يظن الظان أنه تائب ولا يكون تائبا بل يكون تاركا، والتارك غير التائب فإنه قد يعرض عن الذنب لعدم خطوره بباله أو المقتضي لعجزه عنه أو تنتفي إرادته له بسبب غير ديني، وهذا ليس بتوبة بل لا بد من أن يعتقد أنه سيئة ويكره فعله لنهي الله عنه ويدعه لله تعالى ]

وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيّعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يردّ بأسه عن القوم المجرمين.
ومن اعتمد على العفو مع الإصرار فهو كالمعاند.
وقال معروف: [ رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخِذلان والحمق ]

[ ابن القيم ]

للكتب شهوة، والعاقل من يوجه شهوته فيما هو نافع، فليس بعاقل من بذل ماله لعلوم لا تنفع، فبعض الناس يدفع أموالا ويضيع أوقاتا في قصص وروايات وكتب فلسفية وكلامية مضلة، فلا هو انتفع بما قرأ واهتدى، ولا أنفق ماله في شيء يؤجر عليه بل قد يأثم.
المعارض كثيرة والمواقع أكثر والمكتبات منتشرة والفطن من حرص على ما ينفعه، فليكن همك من الكتب التعلم والتفقه وضبط أصول الدين وأما مجرد الثقافة التي لا تخلف علما فليست محلا لبذل المال فيها.
وإن كان للرجل شيء من ترويح النفس فليكن فيما فيه نفع أو أقله ما ليس فيه إثم، وفقكم الله لمرضاته

اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم

مفاتح العلم بيد العالم لا بوجود الكتب

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا.))

فانظر لقوله صلوات ربي وسلامه عليه، فإنه لم يقل: يقبض العلم برفع الكتب، وإنما قال: (( يقبض العلم بقبض العلماء ))

فالعلم ليس في وجود الكتب، ولا كونها مبثوثة منتشرة، بل العلم أن يوجد من بيده مفاتحها، وأهل العلم وإن حوت الكتب علما فهي بدونهم لا قيمة لها، فأهل العلم الذين يفتحون ما أغلق، ويحلون ما أُشكل، ولذا كان ذهابهم ذهاب العلم، ولو قرأ الإنسان ولم يأخذ العلم عن أهله وفتح الأقفال بفهمهم هلك، وانظر رحمك الله لقول الشاطبي رحمه الله:
"وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان:
أحدهما: المشافهة، وهي أنفع الطريقين وأسلمهما
الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنفين، ومدوني الدواوين.
وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين:
ـ الشرط الأول: أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب، وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إِليه؛ وهو معنى قول من قال: " كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتحه بأيدي الرجال".
والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئاً، دون فتح العلماء، وهو مشاهد معتاد.

وقد يكون القبض معنويا، فتخرج طائفة شيخها كتابها، لا يحكمون مسائل العلوم، ولا يفتحون المغاليق بفهم أهل العلم، فيطالعون الكتب بلا فهم صحيح، أو مرشد ناصح أمين، فيتبعون ما يظنونه محكما، ويقتحمون أبوابا يظنون فيها نجاتهم، فيضلون ويضلون، وهم الجهال الذين أخبر النبي عنهم، فيتصدرون بتعجل، ويتحدثون بجهل، فيطعنون في كل عالم، ويسقطون كل مجتهد، فيحقرون العلم في أعين الطالبين، ويحطون من قدر أهل الفضل في اعين المسلمين.

ولذا كان أثر هؤلاء في الأمة كالطاعون الذي يقبض الأرواح، فإن الموت يغيب العالم، وبفقده يفقد علم كثير، فكذلك اسقاطهم العالم والطعن فيه هو كقتله وفقده، فالنتيجة في الحالتين واحدة: ذهاب العالم وذهاب علمه.

نعوذ بالله من حال هؤلاء ونسأل الله ان يسلمنا وإياكم.

https://t.me/elsarmani_official

لما تمكن اهل الضلال من الملاحدة والزنادقة ومنهم العبيديون من نشر دعوتهم في بلاد المغرب ثم في مصر وسموا كذبا بالفاطميين تمكن أهل الكفر في عهدهم من أخذ بلاد الإسلام حتى كاد أن ينهد ركنه لولا أن الله قيض لدينه من ينصر الدين ويحمي حماه. قال ابن القيم: في زمانهم…

لما تمكن اهل الضلال من الملاحدة والزنادقة ومنهم العبيديون من نشر دعوتهم في بلاد المغرب ثم في مصر وسموا كذبا بالفاطميين تمكن أهل الكفر في عهدهم من أخذ بلاد الإسلام حتى كاد أن ينهد ركنه لولا أن الله قيض لدينه من ينصر الدين ويحمي حماه.

قال ابن القيم:
في زمانهم صنفت المصنفات البطالة المضلة كرسائل [ إخوان الصفا ] و [ الإشارات ] والشفا وكتب ابن سينا، وعطلت السنن وكان أهل السنة في زمانهم كأهل الذمة في بين المسلمين.
بل كان لغير المسلم عندهم جاه وعز، فكم أغمدت سيوف في أعناق العلماء وكم مات في سجونهم من ورثة الأنبياء، وكم ماتت بهم سنة، وقامت بهم بدعة.

[ **حتى استنقذ الله الأمة والملة من أيديهم في أيام نور الدين وابن أخيه صلاح الدين فأبل الإسلام من علته بعدما وطن المسلمون أنفسهم على العزاء، وانتعش بعد طول خمول حتى استبشر أهل الأرض والسماء، وأبدر هلاله بعد أن دخل في المحاق ]

واستنقذ الله سبحانه بعبده وجنوده بيت المقدس من عبادة الصليب وأخذ كل من أنصار الله ورسوله من نصرة دينه بنصيب، وعلت كلمة الإسلام والسنة، وأذن بها على رؤوس الأشهاد

فعاش الناس في ذلك النور مدة.**

ذكر العلامة ابن القيم جملة من الفوائد وقال في أخرها:
"فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه، وهذه المعاني ونحوها إذا تجلت للقلوب رافلة في حللها فإنها تسبي القلوب وتأخذ بمجامعها، ومن لم يصادف من قلبه حياة؛ فهي:
خود تزف إلى ضرير مقعد "

ومراده رحمه الله: أن المعاني والحكم الناتجة عن تدبر كلام الله عز وجل هي كالحياة للقلب إذا وجدت منه تصديقا وإيمانا، فالقلب الحي الخالص من الشوائب هو من ينتفع بها، ومن مات قلبه فلا ينتفع بذلك فهو كالأعمى المقعد الذي تزف إليه عروس جميلة، فلا هو انتفع بجمالها وحسنها، ولا هي صادفت من يعرف قدرها، فاللهم علمنا انفعنا.