[615] قال الشيخ حفظه الله:

لدينا لباسان وزادان..

لباس التقوى ولباس الجسد،
{ولباس التّقوى ذلك خير}..

وزاد الجسد من الطعام ونحوه،
وزاد القلب وزاد الروح من التقوى،
{فإنّ خير الزّاد التقوى}..

☘توطئة للسورة☘

[614] قال الشيخ حفظه الله:

كذلك من الآيات الجامعة في هذه السورة المباركة ومن أهم الخلاصات فيها قوله تعالى:

{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}.

فرق الله تعالى بين آدم عليه السلام وزوجه، وبين إبليس..

قال آدم وزوجه عليهما السلام: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}، والمغفرة هي إزالة السيئات، والرحمة هي إنزال الخيرات، لذلك يُجمع بين المغفرة والرحمة، قال نوح عليه السلام: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}، وقال الذين عبدوا العجل: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا}، وكما في الدعاء: (اغفر لي مغفرة من عندك وارحمني)، فالعبد يطلب أن تزال سيئاته وألا يؤاخذ بها، ويطلب أن ينزل الله عليه رحمته..

فربنا تعالى بين في هذه السورة الفرق العظيم بين من لم يستكبر عن أمر الله ولكنه أشبه أبويه؛ فضعف وفتن، ثم بادر واستغفر وتاب، فالله تعالى يتوب عليه، كما قال تعالى في هذه السورة في ذنب عظيم كعبادة العجل: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}، بين تعالى الفرق بينه وبين من استكبر عن طاعة الله وأشبه إبليس..

وكما أن الشيطان نزع عن الأبوين لباسهما؛ فكذلك قد ينزعه عن الذرية.

☘توطئة للسورة☘

[613] قال الشيخ حفظه الله:

سبحان الله، انظر إلى ما بدأت به السورة: بدأت السورة بالأمر بالسجود لآدم طاعة لله تبارك وتعالى، ثم ختمت بقوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.

نتذكر هنا الحديث العظيم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار).

فسبحان الله، كيف أن هذه السورة بدأت بأمر الملائكة ومعهم إبليس بأن يسجدوا لآدم طاعة لله؛ فسجدوا إلا إبليس استكبر، وختمت بالثناء على الملائكة لأنهم لا يستكبرون ويسبحون الله وله يسجدون..

والسجود لله هو أعظم ما يقضي على الكبر، فناسب أن تختم هذه السورة المباركة بما يقطع الكبر، وهو السجود لله تبارك وتعالى..

وهي أول سجدة في القرآن الكريم في ترتيب السور.

☘توطئة للسورة☘

{لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون}

[590] قال الشيخ حفظه الله:

هذه الآية عظيمة جدا والله، {وهو وليهم بما كانوا يعملون}، أي بسبب أعمالهم، كما قال تعالى: {وهو يتولى الصالحين}.

هذه الآية تدل على أن الله تعالى يتولى العبد بسبب إيمانه، فبقدر الإيمان والعلم والعمل يكون العبد وليا لله تعالى..

وإذا كان الله تعالى وليا لك، فهو يهديك ويسددك وينصرك ويعينك ويبصرك ويريك الحق حقا ويعينك على اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويعينك على اجتنابه، مهما كانت تشتهيه نفسك، فإن الله تعالى يعينك على اجتنابه.

فهذه الآية عظيمة: {وهو وليهم بما كانوا يعملون}،
نسال الله سبحانه وتعالى أن يتولانا.

☘المجلد الخامس☘
☘ص٥٨١☘

{وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله}

[588] قال الشيخ حفظه الله:

هذه السورة المباركة من أخص ما نزلت له الكلام عن أكابر المجرمين، أكابر المجرمين الذي جمعوا مع الكفر بآيات الله والتكذيب بها الصد عن سبيل الله، والاستهزاء، والإعراض، والنهي، والجدال بالباطل..

وكذلك، من أخص ما نزلت له بيان سنة أولئك المجرمين مع آيات الله، والتي كان منها: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها}، وغيرها، ومن جملة ذلك: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله}، كما قال الله تعالى في آية أخرى: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة}، وهذا الموضع قريب جدا من الموضع في سورة هود، قال أكابر المجرمين من قوم نوح: {وما نرى لكم علينا من فضل}، أي: ما الفضل لنوح حتى يكون نبيا؟!، وما الفضل لأتباعه حتى يكونوا السابقين؟!
إذا، فهؤلاء لم يكن كفرهم من جهة أن الآيات ليست كافية في الإيمان، وكل هذا تفسير لقوله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}، تأتيهم الآية فيقولون: {سكرت أبصارنا}، وتأتيهم أخرى فيقولون: {سحر مبين}، أو يقولون: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}، {أنسجد لما تأمرنا}، إلى غير ذلك..

فهل هؤلاء يحزن على كفرهم؟
أبدا.

كما قال شعيب عليه السلام: {فكيف آسى على قوم كافرين}، فهؤلاء لا ينبغي أبدا أن يحزن عليهم، إن صنفا من الناس لا تنفعهم الآيات، وهذا هو الذي ينبغي أن يعلمه الدعاة..

لا بد من تبيين الحق، لكن يجب أن نعلم أن من الناس مجرمين لا يؤمنون ولا تنفعهم الآيات مهما جاءهم منها.

☘المجلد الخامس☘
☘ص٥٧٧☘

{وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون}

[587] قال الشيخ حفظه الله:

? هذه اللام لام العلة، لا لام العاقبة، وقوله تعالى: {جعلنا} مثال على الجعل الكوني القدري بعلم الله تعالى وحكمته.

? ذكر في تفسير الآية قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}..
فما معنى: {أمرنا مترفيها ففسقوا}..؟
أي: أمرناهم، لكنهم فسقوا عن أمر الله، كما قال تعالى: {كان من الجن ففسق عن أمر ربه}..
فليس المعنى أن الله أمرهم بالفسق، فالله تعالى لا يأمر بالفسق ولا بالفحشاء، لكنه تعالى أمرهم فلم يطيعوا وفسقوا عن هذا الأمر.

? عاقبة مكر الكافرين لا تعود إلا عليهم، كما قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، وهذا طمأنة للنبي ﷺ، كما قال سبحانه في موضع آخر: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون}، فهو بيان وطمأنة للنبي ﷺ وللمؤمنين، وهذا أمر عظيم جدا، أن يعلم المؤمن أن الله سبحانه وتعالى متمّ نوره، فإن كان هؤلاء يمكرون، فإن الله تعالى يمكر بهم.

☘المجلد الخامس☘
☘ص٥٧٧☘

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) ﴾
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))
((وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))
ينصرُ اللهُ رسلَه وأتباعَهم في الحياة الدنيا والآخرة
-ينصرهم الله في الدنيا ويُعليهم بأنهم مؤمنون، وبإعلاء كلمته التي يدعون إليها، وببيان حُجتهم وظهورها
-وينصرهم بأن يُهلك عدوّهم بعذابٍ من عنده أو بأيدي المؤمنين
-وينصرُهم بأن يقيَهم سياتِ مكر عدِّوهم (كما في حال مؤمن آل فرعون)
((فوقاه اللهُ سيات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب))
-وقد يتمكّنُ عدو اللهِ من قتل رسولٍ من رسل الله أو مِن قتل من ينصُر رسلَ الله فينتصرُ اللهُ لهم بعد قتلهم كما في حال المؤمن في سورة يس بعدما قتلوه أهلكهم اللهُ
((﴿وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ))
ولن يُضيّع اللهُ مؤمنا نصرَه
واللهُ يُملي للظالم ويستدرجه من حيث لا يعلم فإذا أخذه لن يُفلته
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾
وهذا ابتلاء عظيمٌ للمؤمنين، فمنهم من يصبر ويحتسب مُوقنا بوعد الله، ومنهم من يرتاب ويشك ويغرُّه تقلُّب الذين كفروا في البلاد...ويقول بقول المنافقين والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا اللهُ ورسوله إلا غرورا.

وقال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-:

عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)}
?"وهذا يشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قُتل بعضهم، فكيف يكونون منصورين؟
?فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإنَّ الموت لا بدَّ منه، فإذا مات ميتةً يكون بها سعيدًا في الآخرة فهذا غاية النصر، كما كان حال نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فإنَّه استشهد طائفةٌ من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامةٍ، ومن بقي كان عزيزًا منصورًا، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبيُّنا أنَّ من قُتل منَّا دخل الجنة، ومن عاش منَّا ملك رقابكم.

فالمقتول إذا قُتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره ونصر أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلم، لمَّا اتَّبع دين الراهب وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرةً بعد مرةٍ فلم يستطيعوا، حتى أعلمهم بأنَّه يُقتل إذا قال الملك: بسم الله رب الغلام. ثمَّ يرميه، ولمَّا قُتل آمن الناس كلُّهم، فكان هذا نصرًا لدينه.
ولهذا لمَّا قُتل عمر بن الخطاب شهيدًا بين المسلمين قُتل قاتله، وعثمان لمَّا قُتل شهيدًا قُتل قتلتُه وانتصرت طائفته، وكذلك علي لمَّا قتله الخوارج مستحلِّين قتلَه كانوا ممَّن أمر الله ورسوله بقتالهم، وكانوا مقهورين مع أهل السنة والجماعة.
فلم يمنع ذلك عن الإسلام وأهله، لا سيَّما والنبيون الذين قتلوا كان الله ينتقم ممَّن قتلهم، حتَّى يقال إنَّه قتل على دم يحيى بن زكريا سبعون ألفًا".

[اختيارات ابن تيمية لابن عبدالهادي ص70]

{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}

[556] قال الشيخ حفظه الله:

تأمل في قوله تعالى: {فبهداهم اقتده}، والله هذه الآية من الآيات العظيمة الجامعة في الهدى..

لأن كل هدى ذكره الله تعالى عن نبي من الأنبياء؛ أنت تعلم أن النبي ﷺ مأمور به، وعمل به..

فإذا أردت هدى النبي ﷺ؛ فليس ذلك محصورا في ما جاء عنه هو، ولكن كل هدى كان عليه الأنبياء عليهم السلام جمعه الله تعالى في النبيّ محمد ﷺ..

وهذا معنى عظيم جدا، أن تعلم أن الله تعالى كلما قص علينا قصة نبيّ من الأنبياء أو خلقا من أخلاقه أو هدياً من هديه؛ أن تعلم أن هذا الهدى أمر به النبي ﷺ، وعمل به النبي ﷺ..

☘المجلد الخامس☘
☘ص٤١٤☘

[555] وقفة مع الكلمة العظيمة: {فقد وكلنا بها قوما}.

?{وكّلنا بها}، أي: آمنوا بها وعملوا بها وأقاموها وحافظوا عليها ودعوا إليها وجاهدوا في سبيلها.

? نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون كذلك، أن نكون ممّن ينصرون هذا الدّين ويبثّونه بين الناس ويقومون بحقّه ويصبّرون عليه إلى أن يلقوا الله تعالى، اللهمّ آمين.

☘المجلد الخامس☘
☘ص٤١٣☘

الشّيْخُ حُسَيْن عَبْدُ الرَّازِق
فَوائِدٌ مِنْ مَجَالِسِ المُحَرَّر

? وهذا ما تيسر من فوائد التوطئة للسورة والتي فيها بيان مهم لمقاصدها ومواضيعها وأخص ما نزلت له؛ تعين بإذن الله على التدبر والحضور والفهم لمن أراد مراجعتها قبل الاستماع للسورة:

من هنا.