في أوج لحظات تورّم أطراف الأمة، وهيجان آلامها، أرجوك.. لا يفجؤها طعنة من قبلك ..

تستقر في فؤادي قناعة، ثباتُ على كل إنسان على ما يعنيه، وانكبابه على صالح شأنه، ووضعه نصب عينه ما يزكِّيه، كلُّ بحسب حاله، أجدى وأقوى سلاح يقابل به عدوان غاشم ..

مهما تساقطت أوراق خريفك خلال مسيرك .. ومهما تعثَّرت عن ركائب المتقدِّمين، ومهما تأخرت عن -إدراك- الأمراض المزمنة المتفشَّية، وغِفلت أيّ غفلة عن معرفة طرق استئصالها، وقبلها وأهمها ..

مهما غفِلت عن حالك، واستكنت إلى قيعَان الشُّرود، وتلذَّذت بأوقات الركُّود، وطِبت مشربًا بمذاق متعتك الفرديَّة منقطعة حبال الهموم العالية، لا يثنيك هذا عن وضع أولِ قدمٍ نحوَ بناء مجدٍ فرديٍّ خالص، كيفمَا كان ببدايته وبساطته، وتلعثمِ خطواته، وتهدُّج صوته،

تكفيك خطوة يوميَّة صادقة، تشهدها الأرض، أنَّك لم تحِد، ولم تركَن لنوازِع ذاتك، تبني بها معاقلك، وتذود بها عن حِماك، التي هي، جزءٌ من هذه الأمَّة، والتي بها، تشعرُ أنَّ طرفًا منها لا يزالُ حيًا.

لا تكُن كمَن اتَّخذهُ أخوه ظهرًا وعونًا ودِرعًا ليدفعَ نبال العدا عنه .. فصار نصالها!

أيها المظاليم :

اقرأوها بنفسٍ تواقة ، نقية ، طاهرة ، عظيمة قد قيل أن للحب طعماً لا يعرفه إلا من جرّبه، فكذلك للظلم مرارةً لا يعرفها إلا من تجرَّعها، ويكاد الإنسان إذا استغرقه النظر أحياناً لبعض ما يقع في هذه الحياة من مظالم أن تمرض روحه من هذه الظلمات نسأل الله العافية ، بل ويكتشف كلما أبحر في الحياة أن الانحطاط لا قاع له، فالشياطين ليسوا محصورين فقط في جنس الجن، بل هم أيضا في الإنس كما هو متقرر في كلام الله ﷻ، ولمَّا كان الإيمان ترياقاً للأحزان، عسى أن نأتي ونقرأ يوم القيامة هذه الآية { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا }

أيها المظاليم :

إياكم أن تحصروا عقوبة الظالم أو نصرة الله ﷻ لكم في صورة معينة تتوقعها دون سواها، كصدور حكم قضائي بحقه، أو انفضاحه بين الناس، أو موته مثلاً، فهذا ضيق في فهم نصوص نصرة المظلوم لأنها لم تحدد وسيلة معينة للعقاب، فميدان الحياة واسع، ولئن كانت عقوباتنا كبشر محصورة في الحبس والغرامة ونحوها، فالله ﷻ لا يحد قدرته حدود، وعقوباته وطرق انتقامه أشمل وأكثر من أن نحصرها في جانب واحد أو اثنين، والله أبصر بالظالم منكم وقد يكون يدبر له عقابا أشد وأنكى من العقوبة التي تتمنونها له ، واقرأوا إن شئتم { ومن يُدبِّرُ الأمر فسيقولون الله }

وفوق ذلك أيها المظلوم، فإن للذنوب عقوبات لصيقة بها لا تتخلف عنها، فإذا رأيت أنَّ الله أنزلها بمن ظلمك فحسبك بها من عقوبة ، فإذا رأيت ظالمك قاسي القلب متحجر الفؤاد فهذه كافية ، ولقد قال ﷺ : { من لا يرَحم لا يُرحم} وإذا وجدته منفوخا بالكبر فحسبك بها من عقوبة أيضًا قال ﷺ : { لا يدخُل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر} يالله !! إلى غير ذلك من العقوبات العاجلة، فالخلاصة: (لا تحصر العقوبة).

وإن لم تقع على ظالمك العقوبة في الدنيا ولم تراها ، فهذا يعني أنه قد بلغ درجةً قصوى من الفجور والظلم اقتضت من الله ﷻ أن يُمسِك عن عقوبته بأي شيء في هذه الدنيا مما قد يقلل من عقابه الأخروي، فادَّخَرَه له كاملا يوم القيامة، ودليل ذلك قوله ﷺ : { إن الله إذا أراد بعبده الخير، عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة} ولتعلم أن رأس النفاق في عهده ﷺ وهو ابن أُبي ابن سلول عاش سالما معافى مُمَتَّعَاً بعمره لأنه كان يحيك قاذوراته في الخفاء، ولم تثبت عليه عقوبة رسمية، حتى حد القذف الذي أُقيم على بعض المؤمنين نجا هو منه، إلى أن مات ميتة طبيعية، بخلاف عدد من زعماء الكفر الذين فتك الله بهم في حياته ﷺ .

إن الله ﷻ قد خصص المنافقين بالدرك الأسفل من النار، النار التي استغرق الحجر سبعين عاما يهوي في أرجائها حتى وصل إلى القاع كما ورد في السنة، هؤلاء خصصهم بالله بالدرك الأسفل من جهنم، في مقابل أنهم نجوا في هذه الدنيا من العقوبة بما أظهروه من الإيمان والصلاح، فالخلاصة: { عليك أن تفقه قانون العقوبات الإلهي}

وفي الختام :

عليك أن تسامح كل من ظلمك في أمور تافهة لم يبلغك أذاها ولم تظلم من وراءها أمام الناس في دينك ، وسمعتك ، ونفسك وتذكر { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ألا تريد أن يُحبك الله ؟

وإنما هذه السطور هي لمن بلغ ظلمه لك إن وجد ما استجلب لك ضررًا ترتبت عليه أمورًا أضرت بك وهذا يكاد يعدم ولكن الحياة مليئة بالغرائب وقد بين لنا النبي ﷺ في قوله : { الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من ذلك الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم }

وهذه إشارة أن فئامًا من البشرية تغلب عليهم الأذية لعباد الله وهؤلاء ممن لم يطهروا أنفسهم ، أو ممن تقلبت أبصارهم وعقولهم وقلوبهم في نعم الله على غيرهم فشعروا بسوداوية مكانتهم فلجأ بعضهم إلى الظلم وكلٌّ بحسب ما فيه من بقايا إيمان يستعمل نوع المظلمة .

تمت ✋🏻

عن أثر المجاورة في التأثير

كان زكريا يدخل على مريم المحراب فيجِدُ { عندها رزقا } فيسألها من أين ذلك وتجيب : { هو من عند الله} في تلك اللحظة أدرك ماهية الفضل الإلهي وتجاوزه حدود المعقول فدعا { هنالك دعا زكريا ربه } ، وهذه قيمة مجاورة وملازمة أهل الفضل

هناك من يلقي بمخلّفاته ونفاياته النفسية على الطرف الأضعف والأكثر احتمالاً في شبكة علاقاته، وتجده بغضون لحظات تنفرج أساريره مع شخص آخر.

لاشيء لاشيء يهذّبك، ويؤدّبك، ويرشدك، وينهض بروحك كمثل ملازمة آي القرآن، صدّقني، متى ما جعلته صاحبك الأول والأقرب أخذ بروحك لا شعورياً نحو معالي الأمور وشريفها، ونقّاك من سفاسف الأمور وقبيحها، وكلما تمسّكت به أعزّك وآنسك وأكرمك في الدُّنيا والآخرة ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ ﴾.

الخَيرُ يَبقى وَيُبقي ذِكرَ صاحِبِهِ
‏وَالذِكرُ أَنتَ فَأَبقِ الخَير يُبقيكا

من صحّت نيته اتسعت مخارج فرجه

**﴿فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ اللَّيلِ وَلا يلتفت منكم أحد ﴾ :

في ذلك إشارة للمؤمن ألا يلتفت في عمله للوراء
إلا على سبيل تقويم الأخطاء ، لأن كثرة الالتفات تُضيع الوقت ولربما أورثت وهنًا**