من جعل من عاداته قراءةَ مناقب العلماءِ وأكثر من السَّماع في شرفِ تحصيل العلم، وعظيمِ ثوابه، أتى عليه يومٌ يرى فيه نفسَه مِمَّن أجدَّ السَّير وأخذَ ما بين يديه بقوة.

ومن أدمن الاطلّاع على ثواب حافظ القرآن، وعلوّ قدرِه عندَ ربِّه، أتى عليه يومٌ يرى فيه نفسَه مِمَّن يقال لهم اقرأ وارتقِ!

فاجعل هذه عادتك تَفُز إن شاء الله. اسمع عن المغنم وإن لم تبدأ بعدها مباشرةً في الحفظ، واقرأ عن شرف ما ستطلب وإن لم تبدأ بعدها مباشرةً في الطلب. فهذه العادةُ كالجليسِ الصالح. وكما جاء في الحديث الشريف: الجليس الصالح كحامل المسك، وحامل المسك إما أن يُحذيك (يعطيك) وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبا. والله الموفِّق.

قال سهلُ بن عبد الله -رحمه الله-:

الدُّنيا جهلٌ ومواتٌ إلا العلم، والعلمُ كلُّه حُجَّةٌ إلا العملَ به، والعمل كلّه هباءٌ إلا الإخلاص والإخلاصُ على خطرٍ عظيمٍ حتّى يُختم به!

[من بلاغة التقديم والتأخير]

أَنُخدَعُ بالغَواني بَعد المَشيب؟
(مناط التعجب نفسُ الانخداع، فلا فرق هنا بين الغواني وغيرهن، فالانخداع هو ما يهم ويتعجب منه)

أبالغواني نخدع بعد المشيب؟
(مناط التعجب هنا كون الانخداع بالغواني، فقط، في حين يمكن الانخداع بغيرهن، كأنَّ الانخداع شيء عادي محتمل، لكن ليس بالغواني!)

أبعد المشيب نُخدَع بالغواني؟
(مناط التعجب هنا في كون الانخداع بالغواني بعد المشيب، فكأنه قال: أنا أخدع بالغواني وغيرهن، ولكن ليس بعد المشيب وطول التجربة!)