كيف يُرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان؟ وكيف يُطلَب مِن غيرك وأنت ما بدَّلتَ عادة الامتنان؟
أنت البادئ بالإحسان مِن قبل توجُّه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء مِن قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب ثم أنت لِما وهبتنا من المستقرضين!
لقد خاب من رضِيَ دونك بدلًا، ولقد خسر مَن ابتغى عنك متحوَّلًا!

- من مناجاة ابن عطاء الله

ولست أذكر متى سمعتُ في التشوق بآثار الديار أوجز ولا أجمع ولا أدلّ على لاعج الشوق ومُكمَد الوجد من قول محمد بن عبيد السلاماني:
فلم تدعِ الأرواحُ والماءُ والبِلَى
   من الدار إلا ما يَشوقُ ويَشغفُ!

ولعمري إنّ عمرو الباهلي قد أوجز وأبان عن شديد تشوق وعظيم تحسّر بقوله:
معارِفُ تلوي بالفؤاد وإن تقُل
       لها: بَيِّني لي حاجةً لم تُكلِّمِ!

وقوله: لم تُكلِّم؛ فهو تجاهل الهائم وتدلُّه الوالِه، فإنه قد يُحتاج إلى أن يكون في شِعر الوامق التحيّر وآية التلدُّد.

- قدامة بن جعفر

الواردات الإلهية لا تأتي إلا فجأة؛ لئلا يدَّعيها العِباد بوجود الاستعداد.

- ابن عطاء الله

روي أنّ المسيح عيسى –عليه السلام– كان يقول إذا أصبح: إلهي، أصبحتُ لا أملك ما أرجو، ولا أستطيع دفع ما أخاف، أصبحتُ والأمر بيَد غيري؛ بيدك يا إلهي، فلا فقير هو أفقر مني!

- بكر بن عبدالله المزني [ت ١٠٨هـ]

قيام الليل صعبٌ على أكثر الخلق لقِلّة المعرفة بالمعبود، وضعف اليقين بالمُجازي والجزاء، ومتى قويَت المعرفة واليقين سَهُل قيام الليل؛ إما لطلب الثواب، وإما لسؤال العفو عن الذنوب، وإما للخلوة بالحقِّ سبحانه ولذة المناجاة، ولكلِّ قومٍ شِرب.
لو رأيتَ المحبين في مأتم الذلِّ
وقد شُقِّقَت جيوبُ الوصالِ
لعذرتَ الذي بُليْ بفراقٍ
ورحمتَ المُحبَّ في كل حالِ

- أبو الفرج ابن الجوزي

‏الإيمان بالله والدار الآخرة –ولا شيء غيره– يملأ الحياة برمّتها، وينقل المرء إلى السكينة، وكل ما دون ذلك مسكنات ومهدئات مؤقتة فقط، ابتداءً بمشاريع الإنجاز وجداول استغلال الوقت على حُسنها وفائدتها، وانتهاءً بتوافه الأمور وسفاسف الأعمال، فالوهن لاحقٌ لا محالة بمن أهمل أصل الحياة.

- عبدالله الشهري [فرج الله كربه]

كان أحمد بن بقيّ [ت ٣٢٤هـ] إذا جاءه ضيف ليلًا لم يذبح له حيوانًا، وكان يقول: الليل أمان لهذه الداجنة!
وكان يقتصر في ضيافته على العسل والجبن ونحوهما.

قال ابن الجوزي: وكنت أرى في نفسي من العيوب ما أنادي به في الناس، وهم يظنون أني أكلمهم، وأنا أنادي على نفسي.

وقال سلمة بن دينار: إني لأعظ الناس وما أنا بموضع الوعظ، ولكن أريد به نفسي.