قابلني هذه الفترة غير واحد ممن لا أراهم في العادة إلا على فترات.

وكلهم يبادرني بالسؤال : مالك نحفان.. عامل رجيم؟
ورغم أنني لست بذاك البدين السمين لكن لهم حق فيما ذهبوا إليه من الظن.
فما مرّ بي من بعد وفاة أمي رحمها الله - ومع تسليمنا المطلق بقضاء الله - ليس بالأمر الهيّن.
العوام يقولون: ضربتان في الراس توجع..
فما ظنك بضربتين في سويداء القلب!

وأتذكر قول أبي الطيب المتنبي في تأثير الهموم على نحافة الأجساد:
وَالهَمُّ يَختَرِمُ الجَسيمَ نَحافَةً
وَيُشيبُ ناصِيَةَ الصَبِيِّ وَيُهرِمُ

وجع القلوب يقتل وليس يؤلم فحسب!

والحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار.

أمة الإسلام لا تحتاج أكثر من مشروع واضح المعالم، منبثق من تعاليم دينها، نابع من مصدريه، مستلهم ماضيها المجيد، منفتح على واقعها بكل تعقيداته، على رأس هذا المشروع قائد ربّاني مُلهَم، من خلفه رجال صدق وبذل كالذين رأيناهم في أرض العزّة.
وسيلتهم الكبرى التربية التي ترسّخ العقيدة في النفوس، وتغرس القيم والمُثل في الأجيال.

ذلك أنه إذا وُجد المسلم الحق = وُجدت معه كل عوامل الفتح والمجد مهما قلّت الإمكانات وتلاشت الأسباب والماديات.

مشروع استئناف حياة إسلامية راشدة يبدأ من ذلك الفرد المسلم.
وإن بقعة هذا القطاع من الأرض ( عزة) ليتمثّل فيها كل ما ذكرت أعلاه.

مهندس عملية التسليم لا يقل عبقرية عن مهندس إدارة الحرب.
هذه عقلية من دخل المعركة وهو موقن بالنصر؛ فاستعد لهذه اللحظة بهذا الإخراج.
تدمير نفسية العدو تتممة لتمريغ أنفه الوحل.
شعارات وُضعت بعناية فائقة.. كل شعار له مغزي.
المنصة وجودة الترتيب لها مغزى.
الحشد والاستعراض العسكري المهندم له مغزي..
وضع شعارات نخب وألوية وفروع الجيش الغاصب على المنصة له مغزى...
كلكم تحت نعالنا.. استخبارات. ونخبة.. وفرق..
هذا المسرح للتسليم يشبه مسرح عمليات إدارة المعركة في الجودة والإبهار.
نحن نتابع مسلسلا رائعًا بدأت حلقاته من أول لحظات التسليم، مرورًا بوثائقي #ما_خفي_أعظم واليوم وغدا...
إن العقيدة إذا استمكنت من النفوس فعلت بأصحابها الأعاجيب.

قلبك.. ما خُلِق إلا ليتخشَّع لبارئه :

قال الله ﷻ :﴿فويلٌ للقٰسية قلوبهم مِّن ذكر الله﴾ [الزمر: ٢٢]

قال العظيم آبادي - رحمه الله - :

«إنَّ القلب إنَّما خُلق لأن يتخشَّع لبارئه، وينشرح لذلك الصدر، ويقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن يُستعاذ منه»

["عون المعبود" للعظيم آبادي: ٤/٢٨٥].

اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع..

قال ابن مسعود رضي الله عنه :

" إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) الآية ،
و ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نُكفّر عنكم سيئاتكم ) الآية ،
و ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )
و ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ) الآية ،
و ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما )

أتدري أن حياتك المبعثرة، وأمرك المشتت، وصدرك الضيق، وكل هذا الشعث في حياتك = ربما تصلحه ركعتان في جوف الليل؟
سجدة واحدة بخشوع، مع إسبال بعض الدموع = كفيل بانتشالك مما أنت فيه.
تطيل الليل ساهرًا ولا تطرق الباب!
دواؤك معك لو كنت تعلم.

بحمد الله تعالى مذ ولجت هذا الأزرق عام ٢٠١٠ لم أتورّط في شللية ولم أُحسب على فريق بعينه، فإني امرؤ أحب الاستقلال؛ لهذا فإني أعرف من كل فريق وأنكر.
كما لم أتورّط في تصفية حساب شخصي مع أحد؛ فليس لي خصومة شخصية مع أحد، ولو انتقدت إنسانًا، فلفعله انتقدت لا لشخصه، فإن وافق - بعد ذلك - ما أراه صوابًا وكان أهلا للثناء؛ أثنيت عليه ولا أبالي، وليس هذا من التناقض.
أحبّ ائتلاف القلوب على الحق الصُّراح، وأحبّ الإعذار فيما تختلف فيه الآراء خلافًا سائغًا.
وأكره الجزم في موارد الظن؛ كما أكره الظن في مواطن الجزم.
وأكره الشقاق والخصومة، إلا ما كان لله بعد استفراغ وسع النصح، و بأدب أهل المروءات في الخلاف.
وأركز على محل النقد، لا على شخص المنقود.
وكرهي للمشائين بين الناس بالنميمة أشد من كره للخصومة.
بابي مفتوح للتواصل مع كل أحد بحسب الإمكان.
وهو مفتوح كذلك للمغادرين وإن كنت آسف على مغادر ساء ظنه وضاق فهمه.
لست أُميّع في ثوابت ولا قطعيات.
ولا أخطب ودّ شخص فأوافقه، ولا أكايد أحدا لأشاققه.
وألزم نفسي كفّ لساني عن أناس يظهرون بغير حقائقهم أعرف منهم ما يظنون أنني أجهله عنهم مما يسيء المرء أن يُعرف به، ولكن الله أمرنا بالستر، ولست أسعى لنزع ستر أرخاه الله على مسلم، ولا أفرح بنزعه.
وأرجو السلامة للمسلمين كافة.
ويقيني أن كثيرًا من أسباب الشقاق بين الإخوة هاهنا أكثره ليس لله؛ بل لمضايق أرضية، وحسابات شخصية، وأمور نفسية.
ويعجبني أصحاب المشاريع الذين يعكفون على أهدافهم ولا يتلفّتون للمعارك الجانبية، ولا تستنزفهم الخصومات.

هذا جانب من شخصيتي وتربيتي ومنهجي.

الدنيا على اتساعها تضيق إذا ضاق صدرك واعتكرت نفسيتك.
والجُبُّ على ضيقه يتّسع إذا انفسح صدرك، وصفت نفسيتك.
أنت بضيقك واتساعك = تضيق الدنيا وتتّسع.
فما المرء إلا نفسية.
إذا صحّت = صحّ كلّ شيء، وإذا اعتلّت = اختلّ كلُّ شيء.

ما يحدث هذه الأيام في أرض الرباط شيء إعجازي خارج تصورات البشر.
إن لم يكن هذا الصمود والثبات والإبداع أحد تجليات العقيدة ومحاسن التربية فما يكون؟
خير الناس وخير البقاع.
حرس الله مهجهم.

على الصعيد الشخصي لا أحبّ اللاعب ميدو لتطاوله المستمر على سادة الناس في أرض العزة، ولأشياء أخر ستأتي لاحقًا وأخرى لا أفصح عنها.
ولكن هذا رجل كان سِكِّيرًا عِربيدًا لا يُصلّي، وقد ترك شرب الخمر، وبدأ يعتاد الصلاة، وهو الآن في عمرة في بيت الله الحرام، وقد كان حَرِيًّا بالناس أن تتلطّف به في هذا المقام، الذي هو مقام أوبة العاصي، ومن الفقه إعانته على هذا الخير الذي ابتدأه، وتشجيعه عليه، والدعاء له بالهداية، لا بالتندّر عليه، والسخرية منه، وتذكيره بماضيه الآسن، بل ولا بحاضره السيء.
فلكل مقام مقال، وإن كان ولابد من نصيحة بشأن ما صنعه على جسده من وشوم فلتكن النصيحة حانية تُدنيه، لا قاسية تُقصيه، لطفًا لا عُنفا.
فإن هذا الهجوم يغري العاصي على أن يشطّ في البعاد، ويغرق في العناد، وقد أقحموه - بهجومهم - فيما لا يحسن انتصارا لنفسه، فأتى منكرًا من القول وزورا؛ فتكلّم في دين الله برأيه.
يغلط الناس كثيرًا بين مقامات يحسن فيها الشدة والتعنيف، وأخرى لا يصلح فيها إلا الدعاء بالهداية ومراعاة حال العاصي والشفقة عليه والأخذ بيده.