‏في سؤالٍ أظنهُ معقداً، تم توجيههُ لـ فروم، لماذا يُعَد الإنسان هو الكائن الوحيد تقريباً الذي يقتُل بدافع المُتعة أو يُعَذِب كذلكَ دونَ سبب؟،

لا تكمُن الإجابة محصورةً في التركيب الجيني فقط، ولا في مظاهر القوة أو العنف الإعتباطي أو السياسي، أو ما كتبهُ فرويد "صراع صُناع السَلام"،

‏بل أن البشر قد يُحطمون كل شيءٍ من أجل إثبات ذواتهم، كذلكَ أثق بما سماه سارتر "الإنسان المسحور بالصوابية"، فمثلاً لو لَم يُثبت ذاته بيتهوفين عن طريق السيمفونية لرُبما أصبحَ عنيفاً أو مصدرَ تهديد، كذلكَ فان جوخ الذي حولَ هوسه إلى فن أزرق يمتدُ لآلآف اللوحات، لكنه لم يكتفي، فإنتحَر.

‏في حلقات تليفزيونية تحت اسم "صناعة البشرية أذيع عام ۱۹۸۱"، أكد "ريتشارد ليکي" وهو ابن عالم الأنثروبولوجيا "لويس ليکي"، الذي ذاعت شهرتهُ بسبب أبحاثه حول الرجل القرد الجنوبي وإرتكز عليها "أردری" في الإثبات وجهة نظره، أكد معارضته لنظرية القرد القاتل الذي تطور وأصبح أباً للبشر،

‏وذكر في تلك الحلقات أن كل ما نعرفه عن الإنسان البدائي يثبت أنه عاش في سلام مع العالم المحيط به ومع جيرانه، وأنه لم يصبح قاسياً إلا عند تحوله للحياة في مدن، وأنهُ بذلك التحول أصبح أشد قسوة وأكثر تدميراً، وهي وجهة النظر نفسها عندَ "فروم" وقدمها في كتابه "تشريح التدمير البشري".

لذا فهي تُلفت الانتباه بشدة، وكلما إزدادت معرفتنا بالشمبانزي راودنا الشك أنَ طاقته على إستيعاب المفاهيم العالية، مثل فهم أغراض و نيات الغير، قد تكون أكبر مما نظن، إنه يشعر بالألم و الأسى بكل ووضوح، ويبدو أن الكائنات الأخرى لديها هذه المشاعر أيضاً وتمارس درجة من التعاطف والفهم للمعاناة، وربما يثبت ذلك أن الشمبانزي مثل الإنسان يمكن أن يبتهج ويسعد عندما يضرب الضحية حتى الموت.

قد يكون الدولفين الذي يلعبُ بأسد البحر مختبراً له و يريد إثارة ردود فعله، أو إنه يتدربُ على أدوار وحركات قديمة، أو يجرب حركات أخرى جديدة، أو إنهُ يُعلم الجيل التالي مهارات حياتية ضرورية، وكلما كان سبع البحر قادراً على المعاناة، فإنه بلا شك سوف يتحملها لكن الذي لا نعلمهُ هو هل هذا الحوت يفهم فكرة المعاناة، بصرف النظر عن أنه يقصدها أو يستمتع بها، وللحق، فإن الحيتان القاتلة تتشابهُ مع دوافع البشر، حسناً لنقُل أنها بعيدةً و مائية،

ماذا عن أولاد عمومتنا الأقرب، الشمبانزي، الذي يذكرنا أسلوبهُ العنيف والمُتعمد في القتل بأنفسنا؟، و إذا فكرنا في القسوة بشروط الإنسان على أنها "سلوك طوعي و غير مُبرر بسبب معاناة متوقعة لضحية لا تستحق ذلك"، فإن هذه الهجمات من الحوت تبدو مماثلة جداً لقسوة الإنسان،

هناك حالة مؤلمة و مُمتدة عُرضت في سلسلة الكوكب الأزرق في التليفزيون البريطاني ( BBC ) ، يظهر فيها حوت قاتل يُمسك برضيع صغير الأسد البحر، ثم يَظهر لنا أنه يلعب بهذا الكائن وهو يحتضر ويقذف بهِ مراراً إلى أعلى في الهواء، وسواء كان رد فعلنا نوعاً من الرُعب"المتجمد" أو الإعجاب مع بعض التعليقات الساخرة أو مع تحليل عقلاني مُترفع لهذا الفعل، فإننا سوف يجرنا ذلكَ إلى اعتبار هذا السلوك نوعاً من القسوة على الرغم من إدراكنا أن الحيتان هي عدو طبيعي لسباع البحر،

بهذا نقعُ في الفخ نفسه الذي نُدخله في حالات قسوة البشر، فنحن نتحيز بمشاعرنا تجاه الضحية ونُدين الفاعل، وما يُقيدنا هو عدم قدرتنا على فهم دوافعه، إن رضيع سبع البحر هذا يبدو أكثر براءة من فأر صغير (مع أن كليهما ضحية)،

كما أن مقدار حُبنا للدرفيل أكثر من الحيتان القاتلة (مع أن النوعين يقتلان ضحاياهما)، وكم هو من السهل أن نعتقد أن "دافع" القتل هنا هو التلذذ بالتعذيب، لأننا لا نعلم ولا نفهم لماذا يتصرف الحوت بهذه الطريقه، وهو الدافع نفسه الذي نعزل به "الآخر" ونصفهُ بأنه حيواني أو وحشي،

حين يحب الرجل الجنس لدرجة أن يتزوج، ثم يذهب وهو في الثلاثينيات ليقيم علاقات أخريات ، فإن الأنانية الأساسية للدافع الجنسي الذكري تصبح أكثر وضوحاً، التكرار يجعلهُ يشعر أن كل النساء في جوهرهُن متشابهات، وهو يلاحقهن بروح صيادٍ يُمارس لعبتهُ المفضلة، وقد يجد السعادة في الإحتفاظ بتذكارٍ من كل واحدة، لكن هذا لا يجعلنا نُنكر حقيقة الحب بين الرجل والمرأة، أحاول أن أوضح أن مانُسميه عادة بالحب هو في الحقيقة خليطٌ من عدة أشياء أُخر : الرغبة الجنسية، الحماية الرقة والرغبة في الأمن العاطفي، وأن شهية الإنسان الذكر الأساسية هي شهيةٌ خام ورغبة موضوعية لا ذاتية، بمعنى : "ليست إمرأة التي أريدها، بل جميع النساء" بإختصار الحُب مُمكن بين الرجال والنساء، لأن شهية الرجل الجنسية لا تُسبب أي ضَررٍ للمرأة "على حد تذهينه للجنس"، إنهُ كالنَمر يُقيم علاقة مع نوعٍ من الظِباء السحرية، التي يُمكن أن يأكُلها كُل يوم، دونَ أن يُسبب لها أذىً بالفعل، فهي سحريةٌ في عقله، سيُغرمان ببعض، لكن ليسَ عن طريق الحُب، بَل الجوع.

criminal minds

in cold blood

in cold blood

criminal minds