-

لم يكن لقاءً عاديًا ، كان لقاءً استثنائيًا
أحدنا دخل بقلبٍ واحد، وخرج بقلبين.

-

يعزُّ على نفسِ كُل مسلم حر أن يرى تقاعس المسلمين عن السّعي الجاد للإنفكاكِ من واقع التفكك والتشرذم، والانسياق وراء الخصومات، ودواعي التفرقة والانسلاخ، يعزُّ عليه الضّعف والانحلال، ومظاهر تخليهم عن دينهم، والإنكباب خلف الحضارات والمُلهيات وكل ما من شأنه أن يحيد عن الغاية، يعزّ عليه أن يلمح غمرات التصاعد للنشاط الداعِ للتفاهة، على الصعيد الشخصي والعملي للفرد المُسلم، والجدل الحاصل في محيط أهل العلم والمؤثرين المُلقى على أعناقهم شأن الإصلاح ، يعزّ عليه رؤية استحياء أهل الحق والنصح والقائه على مضض وخشية، وبجاحة الباطل وأهله؛ ليشكل في نفسِ معتنقيه أداةً ناهضةً لإطفاء جذوة الإيمان الحق، ودرعًا حاميًا لمزاعم السّخف والذي شكّل موجةً هوجاء أودت بالأمّة لمدارك انحطاط بعد العزّة، وبقدرِ عزّة قديمةٍ يعزّ عليه الهوان،ثمّ ماذا؟ يجعل الله لكل ذلك فرجًا قريبًا، فقط لا تغفل عن دورك، ولا تقم من ثغرك، وكن ناصِرًا وإن كمم فاهك! وتذكّر أن العزّة دائمًا للإسـلام وأهله، فاللّهمَّ عـزَّك وتمكينك.

- كُنتَ زَائرًا، لَم تكن يومًا مُقيــم!

-

بعدَ تَأمُّلٍ طويلٍ لِبادئةِ كُلّ حديثٍ كُتب كان تمامُ القصدِ منه النّفع، وغايةُ العلمِ الإفادة، لم أجد أدفأ من نصٍ بُدِئ بـ عبارةِ « حدَّثَنِي شَيخِي...».

-

فِي كُلِّ مَرّةٍ تَتقَادفُنِي أمواجُ الهَمِّ _علىٰ أمرٍ دُنيوي_ أُفكرُ في الكتابةِ بِقَلمِ السّاخِط النَّاقِم (لأنَّ للكِتابةِ في شأنِها تَخفِيفًا، وللمُشَاركةِ في أمرِهَا استِشعَارًا لِغيرِك بِك) أُفكِّر بالكتابةِ بشأنِ حُزني، وسطرِهِ دمعًا؛ حتَّى أدرأ عن نَفسِي همَّها، وأُخفِّفُ عن رُوحي حِملهَا، بعدما أسكُبهُ وجعًا فِي قلبِ قارئٍ، ومن يَعلَم! فقَد أنكأُ لهُ جَرحًا تَنَاسَاه، وأجدِّدُ له ألمًا تغاشَاه، وأُحيِي به همًا تَفادَاه، وأجتَثِتُ مِن أغوارِه سيلًا لا يَنضبُ علىٰ ذِكرى تستشف به تعبًا تجلَّاه؛ لكن أسألُ نفسي قَبل أن أبدأ، مَا جَدوىٰ الكتابةِ تِلك؟ ومَا فائدةُ إشغالِ العَامةِ بشأنِ مشاكلك الّتي لا تَتَعدَّى سماء أمَانك؟ وما دامَ وأنَّ المُصاب في شأنِ الدُّنيا لا في الدّين ما الخطبُ المؤلمُ الذي يجعلني استوقُف كُلّ شيءٍ وكأن بها الحياةُ كفّت عن دورانِها لحُزني، تَستَحضِرني فِي توِّها آلامُ المسلمينَ في بلادٍ شَتَّىٰ، من يُعانوا جهدَ يقينهم ثباتًا على كلمةِ حَقٍّ، أتذكَّر مُعاناة إخواننا في فَلسطين وسُوريا وبورما والهند، أفكّرُ في حالِ أمهات المختطفين قسرًا، وزوجاتِ المساجين عنوةً، والمُشردين بلا مأوى، من بَلَغَ أنينهم حناجرهم ولم يسمعهم أحد، يتعمَّق حزني من وجعٍ لحالي، لوجعٍ مُضاعفٍ بشأنِ أمَّتي، وأقول في حيني يَالتفاهتي!

-

قيل لي ذات يومٍ: أحبُّ اللجوءَ إليك للإفضاءِ عن فحوىٰ الألم الذي استشرى خاطري كمدًا، أحبُّ إنصاتك دون تطفّل، وسماعَكِ دون تعجّل، وسكوتك بِتبسّل، فعندَ حُضوري بين يدي قَلبك أكون في معزلٍ، والرُّوح من الهمِّ تغتسل.

ولأصدقكم القول فتلك صفة حديثة الالتصاق بشخصيتي، لم أكن أجيد الإنصات دون إبداء الرأي تسرّعًا، أو قول الجملة المُعتادة على لسانِ مُتضجر " أنتِ أحسن من غيرك، وحالك أفضل، أحمدي اللّٰه" لظنٍ منّا أننا بذلك نربت عليه لرغبةِ أن لا يستوطن الألم عُمقه، لكن عندما تتفكر في شأن المُشتكي ترىٰ من حاله رغبةً بالإفضاء عن ثقلِ همٍّ أوجس منه خيفةً وقلقًا؛ فالهموم إذا ترادفت ضاقَ القلبُ بتوافدها، وإن كتمها ولم يفضِ بها شكوىً لأحدٍ يهلك صاحبها بغمِّه، ويموت بأسفه؛ هو لا يريد نصحًا بقدرِ الشّعور بالاحتواءِ والإنصات مِمن يُدرك حجم ألمه، هو موقنٌ أيّما يقين أنَّ الحزن آفل، والهمُّ ماضٍ، لكنه فقط يريد قلبًا يسمع، لا عقلًا بالحلّ يتسرّع!

-

مَعاذَ اللّٰه أن نسترضي لأنفسِنا ذُلًّا لمن لم يُقم فينا اعتزازًا وافتخارًا، أن نُهَان، وتُكسر أرواحنَا استبقاءً لشعورٍ ولىٰ واستبَان، أن نجهَشَ بالبكاءِ لطرفِ حديثٍ يُقال استدرَاءً لبقاءٍ مُهَان، أن نستَجلِب التَّربيت على الأكتافِ استِنادًا بمن أمَال، أن نَرىٰ في السِّعَةِ ضيقًا، وفي الآمالِ آلام، في العطايا فقدٌ، وفي المنحِ أخذٌ، وفي التَّرمِيم حُطام، حُطام! أن نتَخبّط دونَ دراية، ونضيع دون دلالة؛ نتوه دون خارطةٍ نستدلُ بِها وصولًا لما نُريد، ألا نُدرك ما نُرِيد، أن تَتلبسنا الحِيرة، ويكسونا الوهَن، ونمتَلئ بالبؤس، وَنستَثقل السَّير، أن نفقِد الشّغف، أن تَتشَابه الأيام ويصبح اليوم كالأمس.

- كُلُّ مُبتَغى بالـدُّعاءِ مُجتَبى.

- لا تَبْـكِ لانتِهَائِه؛ ابتَسِم لِحُدوثه!