قبل مدة يسيرة تصدق رجل من مصراتة بمليون دينار لأهل غزة، فقالت لي امرأة كبيرة بألم: لو أن لي لأعطيت أهل غزة مثله، فذكرتها أن الإنسان يبلغ ذلك بصدق نيته، وهذا أمر على الإنسان أن يتذكره حين يرى كل خير لا يستطيع أن يبلغه، قال ﷺ: «إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض».

من خفة العقل وسفاهة النفس أن يعرض المرء حياته على مواقع التواصل عرضًا لا فائدة منه، وذلك بمثل استعراض أكله وشربه ولباسه، والتقاط كل صغيرة وكبيرة في أفراحه، وهذا راجع -في العادة- لأحد أمور ثلاثة، إما لنقص فيه يعوضه بالماديات، وإما لمجاراة عادة بدأت تسري في الناس جدًا، وإما لأغراض نفسية كغيظ فلان، ورد على فلانة، ودواليك من هذا السفه الذي يُنبِي عن نفوس في القاع لا ترى إلا المعاني القليلة ولا تجاري إلا مثلها في الخفة، ونفوس بذا لا تجد للمعاني الشريفة السامقة موضعًا قطعًا؛ بل لا تراها ولا تعرفها.

وهذا وعلى شدة خسته وقبحه عقلا وشرعًا إلا أنه مستشرٍ جدًا، حتى لا يكاد يخلو يوم يفتح المرء فيه مواقع التواصل ولا يجد من ذلك ما يجد، والذي ذكرني به الآن رؤيته مرارًا فيمن يظن بهم الترفع عن الدنيا وحض الناس على الزهد فيها في السعة، فكيف مع ما يمس غزّة من لأولاء وجوع وكرب! أين أخوة الإسلام؛ بل أين مروءة الجاهلية؟ أما يعلم هؤلاء بأن في غزّة من لا يجد إلا المياه المالحة شربًا وكل شيء!! إن كان ولا بد من المناسبات -ولا أحد يطالب أحدًا بتوقف حياته-، فالحياء في إخفاء ذلك أو مروءة جاهلي بني أمية لما قال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.

هذه المواقف محطات اختبار دقيقة في ادعاءات المرء ولا يثبت أمامها إلا الخُلص، ولو صح عقل المرء -وإن لم يكن فيه زكاء-؛ لترفع والله عنها، ولعدها من الوضاعة وصِغر النفس.

آمل أن يصل هذا لكل من يفعلونه؛ لأنهم يؤذوننا والله.

وبتنا نقبل أسيافنا :: ونمسحها من دماء العدى.
كان القوم وكانت شمائلهم.