وَرَدَ في المُناجاةِ الشَّعبانيَّةِ قولُهُ - عليه السَّلام -: إلهي، قدْ جُرْتُ على نَفْسِي في النَّظَرِ لَها، فَلَها الوَيْلُ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَها.

والجَوْرُ ظُلْمٌ بِوَجْهٍ، وغَيْرُ الظُّلْمِ بِوَجْهٍ آخَرَ، فَهُوَ ظُلْمٌ بِالمَعْنى الأَخَصِّ. وَاختلافُهُ عَنِ المذكورِ دَقيقٌ، إذِ الظُّلْمُ فِيهِ مُنفَكٌّ عَنِ القَصْدِيَّةِ، أي إنَّهُ ظُلْمٌ سَواءٌ بِقَصْدٍ أو بِدُونِهِ، وليسَ في الظُّلْمِ الأَعمِّ ذلكَ لِتَعَيُّنِ المَظْلومِ وَقَصْدِهِ. فَالظُّلْمُ أَعَمُّ وأَشْمَلُ لِتَقَيُّدِهِ بِالقَصْدِ، والجَوْرُ أَخَصُّ مِنْهُ لِلسَّبَبِ المذكورِ، فَيُقالُ: كلُّ جَوْرٍ هُوَ ظُلْمٌ، وليسَ كلُّ ظُلْمٍ هُوَ جَوْرًا.

والجَوْرُ جَوْرانِ: مَمدوحٌ مَرَّةً، ومَذْمومٌ أُخْرَى بِمُقْتَضَى السِّيَاقِ. وَالوَجْهُ في مَدْحِهِ لِحاظِ مُجاهَدَةِ النَّفْسِ، وتَرْوِيضِ السِّرِّ، فَيَكونُ مَمدوحًا، وإنْ كانَ جَوْرًا، فَالأَخيرُ مَعْناهُ الحِرْمانُ بِوَجْهٍ، ومُجاهَدَةُ النَّفْسِ حِرْمانُها مِنَ اللَّذَّةِ، وكَذَا تَرْوِيضُها، لِقولِهِ - عليه السَّلام -: وأَيْمِ اللهِ -يَمينًا أَسْتَثْنِي فِيها بِمَشِيئَةِ اللهِ- لأُرَوِّضَنَّ نَفْسِي رِياضَةً تَهِشُّ مَعَها إلى القُرْصِ إِذا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مَطْعُومًا، وتَقْنَعُ بِالمِلْحِ مَأْدُومًا.

وكَذَا قولُهُ - سُبحانَهُ - في بَيانِ ظُلْمِ الإِنْسانِ لِلنَّفْسِ المتعيّن ذكرُها:
إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَها الإِنْسانُ ۖ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا.

فَإِنَّهُ ظَلُومًا - بِالمَعْنَى الأَخَصِّ - على ما ذَكَرْناهُ.

أَمَّا الوَجْهُ في ذَمِّهِ فَمَعْلُومٌ، إذْ يَكونُ الظُّلْمُ لَها، لا عَلَيْها، كما قَدَّمْنا، كَسائِرِ اللَّذَّاتِ ومُخْتَلِفِ الاسْتِمْتاعاتِ وَالشَّهَواتِ.

ثُمَّ قَيَّدَ - عليه السَّلام - الجَوْرَ في النَّظَرِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْظُورٍ لَهُ إمّا يُنْظَرُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ عُلُوِّهِ، فَيَقَعُ المَرادُ مِنَ الكَلامِ المُتَأَلِّهِ، وَإمّا مِنْ جِهَةِ سفالَتِهِ، فَيَكونُ المَنْظُورُ مُسْتَحْقَرًا بِعَيْنِ النَّاظِرِ، وَهوَ في ما قَدَّمْناهُ بَعِيدٌ.

فَإِنْ تَحَقَّقَ مِنَ النَّظَرِ المذكورِ أَعْلاهُ، اسْتَحَقَّتِ العَذابَ الإِلَهِيَّ وَالأَلَمَ النَّفْسانيَّ، لِأَنَّ فَرْضَ النَّظَرِ يُساوِي فَرْضَ الظُّهُورِ، على اعْتِبارِ أَنَّ كُلَّ مَنْظُورٍ إلَيْهِ ظاهِرٌ بِعَيْنِ النَّاظِرِ، ولا ظاهرَ في الوجودِ غيرَهُ

وَالنَّظَرُ لِلنَّفْسِ مَنْشَأُ كُلِّ البَلائاتِ، وَأَصْلُ جَميعِ السَّفالَاتِ، وَما وَرَدَ في دُعاءِ مولانا عَليٌّ زَينُ العابدين شارِحٌ لِما نَرُومُهُ في المَقامِ، لِقولِهِ - عليه السَّلام -: إلهِي، مالِي كُلَّما قُلْتُ: قد صَلَحَتْ سَرِيرَتي، وقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوابينَ مَجْلِسي، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ أَزالَتْ قَدَمي، وَحالَتْ بَيْني وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ!

فَالقولُ لِمَنْ تَشَخَّصَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَنَظَرَها بِعَيْنِ العُلُوِّ وَالهَيْبَةِ، وَعَقِبانُ انْحِرافِ القَدَمِ والطَّرْدِ عَنِ الخِدْمَةِ مُوجِبٌ لِما تَقَدَّمَ مِنَ النَّظَرِ، وَلا يَكونُ الخَلاصُ إِلّا بِنَعِيمِ الغُفْرانِ، وَفَيْضِ الرَّحْمَةِ، الَّتي هِيَ فَرْعُ المَحبَّةِ الإِلَهِيَّةِ.

وَلَعَمْرِي، فَإِنَّهُ لَمّا وُجِدَ حُبُّ كُلِّ مَعْلُولٍ إلى لَذَّتِهِ، عُلِمَ بِمُقْتَضَى الفَرْضِ وُقُوعُ النَّظَرِ المُوجِبِ لِلأَلَمِ وَالعَذابِ، إِلّا إِنَّ حُبَّ المَغْفِرَةِ مِنْهُ، وَ مَغْفِرَةَ المَحبَّةِ لَدَيْهِ، مَوْجُودَةٌ بِالشِّدَّةِ فِيهِ سُبحانَهُ، فَتَعالَى أَنْ لا يَغْفِرَ لِمَنْ أَحَبَّهُ على ما تَقَدَّمَ مِنْ شِدَّةِ مَحبَّتِهِ، لِقولِهِ - صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لو لم تذنبوا، لذهبَ اللهُ بكُمْ، وَجاءَ بِقَومٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ

-مُحمَّد رضا الكوفيّ.

السَّلامُ عَليكَ يا عَينَ اللهِ في خَلقه🌸****

وَرَدَ في المُناجاةِ الشَّعبانيّةِ قولُهُ -عليه السَّلام-: “إِلهِي أَقِمْنِي فِي أَهْلِ وِلايَتِكَ مُقامَ مَنْ رَجا الزِّيادَةَ مِنْ محَبَّتِكَ..”

والإقامةُ تلبُّسٌ تَشَخُّصِيٌّ يَرِدُ بعدَ تَكرُّرِ وُرودِ الحالِ على القلبِ، فيُسَمّى مَقامًا، كقولِنا: "أقامَ فُلانٌ في مَحلِّ كذا، بعدَ أنْ تَكرَّرَ على المَحلِّ كذا مَرّةً". ولكلِّ مَقامٍ أَحوالُهُ، فمَقامُ التَّوبَةِ يَلزَمُ إظهارَ الألَمِ لا بِتَعَمُّدٍ، كما قالوا، والإظهارُ فيما تَقَدَّمَ يُسَمَّى حالًا، وشرطُهُ ذَكَرْناهُ -عدمُ التَّعَمُّدِ- وإلّا صارَ تَكَلُّفًا، والتَّكَلُّفُ لا يكونُ إلّا ظِلًّا اعتِباريًّا لا واقعَ فيهِ.

وقولُهُ “فِي أَهْلِ وِلَايَتِكَ” لِتَعَدُّدِ الأوْلِياءِ، وكذا أَحْوالِهِمْ، لِقولِهِ سُبحانَهُ في الحديثِ القُدُسِيِّ: “أوْلِيائِي تَحتَ قِبابِي”، وكُلُّ وَلِيٍّ -على ما ذَكَرْناهُ- لَهُ أَحوالٌ خاصَّةٌ، ولوازِمُ مُختَلِفَةٌ بِاختِلافِ شِدَّةِ الوِلَايَةِ المُعْطاةِ وضَعْفِها.

فأقلُّها طَلَبُ حُظوظِ الدَّارينِ مِنْ غيرِ تَخْصِيصٍ، إلَّا قَيدَ رِفْعَةِ المَنْزِلِ وَجَلالَةِ القَدْرِ، وهو مُختَلِفٌ بِاختِلافِ الدُّورِ، وأعْلاها ما ذَكَرَهُ -عليهِ السَّلام-.

فالوَارِدُ مَقامَ الوِلَايَةِ لابُدَّ لَهُ مِنْ مُقامِ أَحْوالِها، وحالُ كُلِّ مَقامٍ بِحَسَبِ المُقامِ وَحَقِيقَتِهِ، فمُقامُ التَّائِبِ مَشْرَعَةُ النَّدَمِ، ومُقامُ المُتَيَقِّظِ بابُ التَّوبَةِ، وكذا مُقامُ الوِلَايَةِ -على الفَرْضِ المذكورِ- الزِّيادَةُ في المَحبَّةِ.

وكَما أنَّ المَحبَّةَ إنَّما تُطْلَبُ لِوَجْهَيْنِ:
الوجهُ الأوَّل: لِكَوْنِها مُنْطَبِعَةً في المَحْبوبِ لِشِدَّةِ جَمالِها، فتُطْلَبُ لأنَّها مَرْغوبَةٌ عِندَهُ.
الوَجهُ الثَّانيّ: وإمَّا قَصْدٌ إلَيْهِ بِها، لا لِكَوْنِها مَحْبُوبَةً عِندَهُ، إنَّما لِأنَّها مُسْتَغْرِقَةٌ بِالضَّرورَةِ في نَفْسِ الطَّالِبِ، فلا يَكونُ غَيْرُها عِندَهُ إلّا هو بِها مُتَحَقِّقٌ.

والأَوَّلُ بَعِيدٌ؛ لأنَّ الفَرْضَ فيهِ لازِمُهُ أنْ يَكونَ الوَلِيُّ مُتَكَلِّفًا المَحبَّةَ لِلسُّلُوكِ فيها إلَيْهِ، فيَطْلُبُها لأنَّها مَحْبُوبَةٌ عِندَهُ سُبحانَهُ، وليسَ ذَلِكَ في الوَلِيِّ، لأنَّ الأَصْلَ في الوِلَايَةِ المَحبَّةُ، لذا قَدَّمَ الزِّيادَةَ على الرَّجاءِ، فالوَجْهُ الثَّانِي أَشْبَهُ.

وَعِلَّةُ طَلَبِ الزِّيادَةِ: كَثْرَةُ الشَّوْقِ، لأنَّ الطَّالِبَ إذا قَصَدَ الزِّيادَةَ فالأَصْلُ في الطِّلْبَةِ استِغْراقُهُ فيها مُسْبَقًا، فَطَلَبُها زِيادَةُ استِغْراقٍ وَكَثْرَةُ لَذَّةٍ.

وَإِلى مِثْلِ هذا قالَ الشَّاعِرُ:

**سَأَلتُها قُبلَةً فَفِزتُ بِها
بَعدَ اِمتِناعٍ وَشِدَّةِ التَّعَبِ

لا تُعطِيَنَّ الصَّبِيَّ واحِدَةً
يَطلُبُ أُخرى بِأَعنَفِ الطَّلَبِ**

فإعْطاءُ الوَلِيِّ مَحبَّةً بَعْدَ كَثِيرِ تَوَدُّدٍ وَعَظِيمِ مُلاطَفَةٍ، لازِمُهُ تَحَيُّرُهُ في المُعْطى وَالعَطاءِ لِشِدَّةِ جَمالِهِما، فيَرْجُو مِنَ المُعْطِي زِيادَةَ العَطاءِ، رَغْبَةً في التَّحَيُّرِ [ زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيّرا…وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا] تَكْثِيفًا لِما عَلَيْهِ حالُهُ مِنَ الحَيْرَةِ وَالعِشْقِ، وَاللهُ العالِمُ

-محمّد رضا الكوفيّ.

حِكمة:

إنَّ مَرارةَ السُم في كأسِ سُقراط أحلى مِن العَسلِ في كأس غيرهِ، والعلّة في الساقي.

-محمّد رضا الكوفيّ

ومن جميل الأخبار، بل ومن لطيف الأحوال، إنَّ العاشق محكوم بالحرارة، لإشتعال قلبه شوقاً لمحبوبه، وطلباً لمرغوبه، وهذا طبع من أحبّ وعَشِق، وهو متعاهد عندهم، معروفٌ بينهم، حتى إنّ بعض العُشّاق كان يَظهرُ على صدره أثر الإحتراق من شدّة المحبّة، فسموه محترقاً، وهذا اشدّها، وفيه كلام لطيف نسكّن بهِ الفؤاد، فنقول: إنّ العاشق اذا احبّ بكليّته، وتوجّه لمحبوبه بحقيقته، بان عليه أثر المحبّة على قدر توجهه وميله، فإن كان حبّه حاصل معرفة سبقت ميله وتوجهه كان الحبّ اشدّ عليهِ بمقتضى معرفته، لأنّ الشيء اذا احبّ بكلّه ظهر ما يُبطنه بالشدّة والقوّة، حتى بان عليه ما يخفيه -على فرض إمكان قدرته على الإخفاء- وقيلَ إنّ أول مظاهر هذا الحال نفي الكتمان عَن الأعيان، لشدّة وقع ما تقدّم عليه، لأنّ للهوى سلطان وللحبيب سلطان فمن غلب سلطان حبّه على شخصه كان موته كتمانه وفناءهُ نسيانه، والعكس لا يسمى محبةً -بوجه- لأنّ الأصل في الأخير بسط سلطانهِ، ولا يأخذك قول المتفلسفة في المحبّة لأنّ الحُبّ لا يُحكَم بالعقل، وإليهِ قال ابن العربي في ترجمانه [ ولا خيرَ في حبّ يُدبّر في العقل، بل أحكام المحبّة تناقض تدبير العقول] وهذا ما قصدناه لأنّ المحبوب مطلوب بالضرورة، وعدم طلبه أما خللٌ يصيب الفِطرة لكدرها، أو مانع خارجيٌ يمنع الطالب القاصد، والحبّ أعمّ من القاصد لنفسه، لأنّ الشيء إما مطلوب للإنتفاع به او لفناء المحبّ بوجود حبيبه، والثاني ما نرومه في البيان، لأنّه كما قدّمنا؛ كلّ مطلوب يُطلب لغاية لا يعوّل عليه.

-محمّد رضا الكوفيّ.

تنبيه:
واعلم يا حبيبي إنّ الحَبيبَ لا يندَمُ في حبّه لأنّ الانسان اذا احبّ توجَّه الى مطلوبهِ بالكليّة، والبغض اذا حلَّ في القاصد بعد قصدهِ كانَ ما تقدّم من احوالهِ انفعالاتٌ نفسانيةٌ لا تُسمى عند العاشقِ حُبّاً فتنبه

محمّد رضا الكوفيّ
-سانحةٌ ليليّةٌ.

واعلم أن مقتضى الأشياء بذاتها مصطبغة مع منسجماتها ومتشابهاتها لإشتمال الاشياء بحقيقتها على كونها منطبقة على غيرها بالتشابه والتوافق المزاجيّ والطبعيّ، فيكون إصطباغ العاشق بصبغة المعشوق مثلاً حقيقة التوافق والإنسجام الحاصل بين العاشق والمعشوق او الحالّ والمحلول، لسريان العشق بالفعل بعد القوة في نفس المحاليل الوعائية وكون العشق حاملاً وقلب العشيق محمولاً صار الواجب في ذلك تلوين الكآس -قلب العاشق- بما يناسبه -بالإنسجام والتوافق- لإتفاق المزاج والمراس كما تقدّم، ولإشتمال العشق -بالطبع- على المشابهة والمصابغة، فكون العاشق بحالة من الفوران والإنسجام الفعلي مع عشيقهِ اذا حلّ في وعائهِ لونٌ اصطبغ الوعاء كلّه بذلك اللون فصار الوعاء بالإرادة أول مرةٍ، وبالحكم والإرغام ثانيةً مجبول على التغيّر والتشكّل والتمثل تغيّراً وضعياً وتشكلاً معنوياً وتمثلاً عقلياً، وكما أشار وألمع، وإليه أماضَ وأبدع الشيخ محي الدين ابن العربي في شعرهِ:

[لَقَد صارَ قَلبي قابِلاً كُلَّ صورَةٍ
فَمَرعىً لِغِزلانٍ وَدَيرٌ لِرُهبانِ

وَبَيتٌ لِأَوثانٍ وَكَعبَةُ طائِفٍ
وَأَلواحُ تَوراةٍ وَمُصحَفُ قُرآنِ]

-محمد رضا الكوفيّ.

ليلى واحدة ما بقي الدهر والقَيسيّون كُثر، فعالم الوَحدة إنما يظهرُ ويتجلى ويتلوّن بسلوكِ قيسٍ وأفعاله وحركاته، ليتبيّن للناس ولو بعد حين أثر سطوع ليلى وشدّة ظهورها في قيس ذلك العابد الزاهد.

-الكوفي.

ولمّا كانت حركة جميع موجودات العالم بالمادّة حركةً متوازنةً -بالطبع- مستقيمةً او متسافلةً بمقتضى حال الشيء لأصل وجوده الطبعي كانت حركة جميع الموجودات في محيط الأرض حركةً تسافلية او انجذابية من الأعلى الى الأسفل بمقتضى طبع الأشياء المنجذبة لا لأن الإنجذاب يطلب القصد في مركز المنجذب اليه، إنما لكون الأشياء بالطبع سالكة الى محبوباتها الطبعية وكمالاتها الوضعية وما يناسبها بمقتضى كون الشيء انما يسكن ويسلك لما يرغب به حالاً ومآلاً، والقول في المقام مختصر إيراد بعض الأنام والتعبير عما يدور في أذهان أشياخ العوام [من أن كون الشيء بحاله واجدٌ لقوة تجاذب بين جسمين في الكون، تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتيهما، وعكسيًا مع مربع المسافة بين مركزيهما] وإلى هذا نظَّر العالم الشهير [نيوتن] وبه سَعُد الإفرنج وطَرُب لهُ أترابهم جهلاً من غير تمحيص وغروراً بداعي التقمص والتلبيس، الا إن الواضح الجلي والظاهر العليّ كون وجود هذه الإيرادات موجودةٌ قبل نيوتن بما يقارب الألف سنة وإليها -نظرية الإنجذاب- أشار شيخ الحكماء وعلم الفلاسفة والعظماء ثابت بنُ قُرّة الصابئي المُعاصر للعِترة على ما أورده الشيخ الفاضل والحكيم الماهر العلامة السَبزواري في شرحه على دعاء الجوشن الكبير والكلام في شرح الفقرة السادسة [يامَنِ استقرَّتِ الأرضونَ بإذنهُ] -أي سكون الأرض في المركز- قال الشيخ ناقلاً: سببهُ -والقول لثابت- طلَبُ كل جُزء مَوضعاً يكون فیه قربهُ مِنْ جميع الأجزاءِ متساوياً، إِذ عندهُ ميل المَدَرَةِ إِلى السفلِ ليسَ لكونها طالبةً للمركز بالذَّات، بل لأنّ الجِنسِيةَ منشأُ الأنضمام، فقال : لو فُرض أنَّ الأرضَ تَقَطعَت وتفرَّقت فِي جَوانب العالَم؛ ثمَّ أُطلِقَتْ أَجزاؤها، لكان يتوجَّهُ بَعضُها إِلى بَعضٍ ويقِفُ حَيثُ يَتهيأُ تَلَاقِيهَا. انتهى نقل الشيخ عن ثابت بن قُرّة، فاعلم ان الكلام على هذا الحال يوجب كون الشيء بحقيقته إنما سالكٌ بالطبع الى مأنوسه وغايته فلمّا كانت غاية الحركات تسعى نحو إنشاء الإنضمام الغائي كانت كل الموجدات فاعلة الى إنشاء الإنسجام الطبعي والتوافق النوعي إنسجاماً حركياً وإتفاقاً فلكياً صرفاً بالأصل والطبع اولاً، وكون الأشياء إنما منجذبة الى ما يوافقها تحقيقاً للإتزان الطبعي والإنضمام النوعي كما تقدّم.

-محمد رضا الكوفيّ.

ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ ، وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا؛وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَى، فَقَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِح ؛ وَلَا عِلْمٍ قَائِم..

-نهجُ البلاغة.