قال المحقق الباحث الأستاذ خالد الهجرسي:
هذا التحقيق الثاني للفقير، شرح العقائد النفسية للسعد التفتازاني؛ محقق على أربع نسخ خطية منها: نسخة الشيخ الدردير بخطه، والعلامة إبراهيم اللقاني، والشيخ قش الغرقي منقولة من نسخة الشيخ أبي بكر الشنواني.
ورابعها حاشية الشيخ الدردير، حُققت على نسخة نادرة كتبها بخط يده على حواشي نسخته للعقائد.
مع تعليقات للأمير الكبير من نسخة يتيمة جمعها بعض تلاميذه من دروسه، وتعليقات الشيخ محمد قش الغرقي.

وقد تلافيتُ فيها الهنات التي وقعت في التحقيق الاول للفقير قدر الإمكان، ولله الفضل والمنة

للمشايخ تصرف بتصريف الله في رتبة المريد عند موته، وعلى قدر رتبة الشيوخ وقوة تصرفهم يكون حظ المريد من الرفع الذي صرف الله أولياءه فيه، فالمذنب يصير مغفورا، وصاحب اليمين ينقلب مبرورا، والمبرور يلحق بالمقرب. وأصل هذا في السنة المشرفة قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه: "فأخرجته إلى ضحضاح"، فأسند الإخراج إلى نفسه دليلًا على التصريف، وكان الإخراج من حضرته صلى الله عليه وسلم في زمن الدنيا وكان عمه في البرزخ. وشفاعات الصالحين في الآخرة مقررة، فلا تمتنع في البرزخ. فانظر إلى من تنتسب وما رتبته في حقيقة الأمر، فكثير من أصحاب السمعة عظيمو الحال عند الناس ضعيفون في نفس الأمر.
وكان لشيخنا الشيخ جودة المهدي حظٌ من التصرف في أهل البرزخ، فرفع من أعرف ممن كانت رتبته دون ما نال، وسلب من كانت رتبته فوق ما انتهى إليه الحال. ويقاس الأكابر على الشيخ، فكل كبير في نفس الأمر لا في ظن الناس له ما لشيخنا. وكم في خيالات الناس ومناماتهم من تمثيلات لا تدل على نفس الأمر. وفي النفحات الإلهية للصدر القونوي ٱن من العلم الخاص معرفة ما إذا كان الرائي رأي عين الشخص أو رأى معنى تمثل به. فاللهم ألحقنا بأوليائك.

أمسيت بالله مؤمنا وبلقائه مصدقا وبحجته معترفا وبسوى الله في الألوهية جاحدا وعلى الله متوكلا.

نؤجل درس اليوم في كتاب النصيحة على أن يعلن الموعد لاحقا إن شاء الله.

إنا لله وحسبنا الله في أهل العناد. يقول هذا المأفون إن الذي في الطائرة هو بذاته أقرب إلى الله تعالى من الذي على الأرض.

وقد اشتهر عن مدرسة ديوبند منعهم من عمل المولد وربما نسبوا ذلك إلى الإمام السرهندي، , والحق أن منعهم له ليس مطلقًا وإن كان الشيخ تقي العثماني أفرط في التشديد في شروط قراءة المولد كمنعه تخصيص يوم بالقراءة! ومنعه الاقتصار على قصة المولد من بين أحداث السيرة.

أما الإمام السرهندي فمنعه مقيد، بل نَصَّ على الجواز في المكتوب الثاني والسبعين من المجلد الثالث من المكتوبات فقال:

"ما المضايقة في نفس قراءة القرآن وقراءة القصائد النعتية (أي المدائح النبوية) والمناقب بصوت وحسن؟!
"والمنهي عنه تحريفُ حروف القرآن وتغييرها والتزام رعاية أوزان النغمة وترديد الصوت بها بطريق الألحان مع تصفيق مناسب لها غير مباح في الشعر أيضا، (أي التصفيق)، فلو قرؤوا على نهج لا يقع تحريف في كلمات القرآن، ولا تتحقق الشروط المذكورة في قراءة القصائد، وكانت قراءتها بغرض صحيح، فما المانع حينئذ؟!"

في موضع من (الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية) للخاني أو (ذيل رشحات عين الحياة) أن دعوى التسوية بين وحدتي الوجود والشهود أثيرت في زمن مولانا شمس الدين حبيب الله مظهر (جان جانان) رابع الخلفاء في السلسلة المجددية رأسيًا وشيخ الشيخ ثناء الله العثماني الباني بتي صاحب التفسير المظهري، فانتدب مولانا مظهر جان جانان بعض أساطين الكلام والتصوف في عصره من تلاميذه وهو الشاه يحيى ليرد على المسوين.

كنت أقرأ في كتاب الآن بالإنجليزية عن معالجات الخلاف بين الإمام السرهندي والشيخ الأكبر في التراث الهندي، فوجدت أن صاحب دعوى التسوية هو ولي الله الدهلوي وهو نقشبندي مجددي كذلك. فخطر في البال أن الرد كان عليه، ثم تحققت من ذلك.

فألف رفيع الدين الدهلوي ابن شاه ولي الله كتابا في الرد على شاه يحيى منتقد أبيه يبطل فيه تفرقته بين الوحدتين.

ثم أتى إسماعيل الدهلوي حفيد الشاه ولي الله لينصر جده ويخطئ الإمام السرهندي.

ثم ينتصر مولانا شاه غلام علي الدهلوي(عبدالله الدهلوي) وهو شيخ مولانا خالد لوجود الفرق بين الوحدتين.
ثم يتقدم سيد أحمد بريلوي منتصرا للفرق ولوحدة الشهود. ثم يقوم الباحث بتصفية نتائج بحثة في خاتمة كاشفة مهمة.

ومن ولي الله الدهلوي ورفيع الدين الدهلوي يتأتى موقف مدرسة ديوبند المعدلة للشيخ الأكبر والقائلة بصحة مشرب وحدة الوجود، وإن كان لهم طريقة في حملها على وحدة الشهود عند الاضطرار كما أخبرني قديما بعض الديوبندية.

وها أنا أقرأ فيما أعده ليكون باكورة الكتب المترجمة التي ستضطلع دار الإحسان بنشرها في المدة القادمة إن شاء الله تعالى.

في توقف الاستفاضة من قلوب المشايخ على الأدب والمحبة:

هذا المدخل النافع وجدته في رسالة مخطوطة أظنها لأحد مشايخ نقشبندية الروم، وقد أصلحت عدة مواضع منها لدى النسخ وأشرت إلى موضع سقط محتمل بنقاط ثلاث

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

اعلم أن اكتساب الفيض من أصحاب الباطن بل من الأنبياء عليهم السلام أيضاً موقوف على أمرين، وقيل على ثلاثة: الأول: الإخلاص، والثاني الأدب، لأن أخذ الفيض ليس إلا من قلوبهم ولا تميل قلوبهم إلى من لم يخلص أو أساء الأدب معهم، وأما الأمر الثالث فمحبتهم، لكن المحبة سبب الفيض وازدياده جدًا. وهذه الثلاثة ما دامت في الازدياد يكون الفيض المأخوذ على قدره مُزداداً بلا عناء.

وقيل سبب أخذ الفيض ليس إلا أمرًا واحدًا وهو محبة [المريد] المرشدَ فقط، ولكن على وجه الصدق من غير تصنع وتكلف، لأن المحبة نهر معنوي من باطن المريد إلى باطن المرشد، فيجْذِبُ به الفيضَ من باطنه على الدوام، وسَعة ذلك النهر المعنوي على قدر كثرة محبة المريد وقِلتها، إذ قد يكون ذلك النهر عند غليان المحبة كبحر يتوجه إلى قلبه، بل قد يفنى المريد في مرشده بسبب غلبة تلك المحبة فتنعكس جميع أحوال المرشد إلى قلب المريد دفعة واحدة، ولأن المحبة تستلزم الأمرين الآخرين، أعنى الأدب والإخلاص، لأن المحب يتأدب مع محبوبه ويكون مخلصا له أيضا لِمَا قيل: حبك الشيء يعمي ويصم، فلا يرى منه ما يشين حتى يزول عنه الإخلاص واليقين.
ثم اعلم أن المحبة والإخلاص أمران فائضان من الله تعالى، كذلك الأدب في الحقيقة، لأن لكل مقام أدبا يليق بذلك المقام، فيحتاج إلى همة تامة، بل إلى الإلهام، فلذا قيل: [...]*

أما جزئيات الآداب فلا يسعها الكتاب، ومع ذلك قيل التصوف كله أدب، فنحن نذكر [قدرًا] مجملا من الآداب ليكون المذكور مَقيسًا عليه ما[لم] نذكر، ولأنه ما لا يدرك كله لا يترك كله، واقتداءً بمن ذكروها من السلف والله الهادي إلى صراط مستقيم.